الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورات العربية، ماذا بعد رحيل الأنظمة؟

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2011 / 12 / 5
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011



الديمقراطية ـ كما أفهمها ـ هي نتاج تراكمي أيَّاً كان تعريفُها، نتاج يمتدّ ليشمل أسلوب التفكير وأسلوب الممارسة معاً، ولم يحدث في التاريخ أن وُلِدَت ديمقراطية في مجتمع ما بين عشية وضحاها، فقد تخلل عملية الوصول إلى الديمقراطية في كثير من البلدان حروب طويلة على كل المستويات بدءا بالمستوى العسكري وانتهاء بالمستوى الثقافي وما بينهما.

في العالم العربي لا توجد ديمقراطية بأي معنى من المعاني، لا ديمقراطية في التعليم ولا ديمقراطية في الممارسة الحزبية ـ حتى داخل الحزب نفسه ولو كان يساريا ـ ولا ديمقراطية في العملية السياسية ولا ديمقراطية في المؤسسات، وبالطبع لا توجد ديمقراطية داخل العائلة، وهذا ناتج بالطبع عن تراكم القمع عبر سنوات طويلة من الحكم المتمثل في الاحتلالات المتواصلة عسكرياً ـ ولاحقاً فكرياً ـ مما جعل التركيبة الاجتماعية من حيث الجوهر هي تركيبة دكتاتورية، وهذه التركيبة تنتج قامعا ومقموعا، على شكل سلسلة حيث يحظى كل قامع بقامع أعلى وكل مقموع بمقموع أدنى، وبالتالي أنتجت هذه التركيبة أنظمة على الشاكلة التي نراها اليوم.

بالطبع أصبح مطلب تغيير هذه الأنظمة ضرورياً منذ زمن طويل، وهنا كان من المفروض أن يأتي دور المعارضة، وهذه المعارضة للأسف خضعت لنفس الشروط التي خضعت لها الأنظمة إلا أنها مارستها في اتجاه معاكس، ونتيجة قمع الأنظمة لها وقمعها هي لذاتها بشكل ما، فقد وصلت إلى مرحلة فقدت فيها الصلة بالجماهير، وفقدت الجماهير ثقتها بها نتيجة هذا الابتعاد والفوقية التي كانت المعارضة تتسم بها عادة، وفي النتيجة أصبح لدينا اتجاه يتمثل في أنظمة لم تأت بطريقة شرعية، ومعارضة قامت على أساس عدم شرعية الأنظمة، ولكنها في نفس الوقت لم تختبر شرعيتها الجماهيرية، فأوهمت نفسها بأنها البديل المناسب لهذه الأنظمة دون أن تعرف إن كانت صالحة لهذه المهمة أم لا.

وآتي إلى موضوع الثورات العربية التي حدثت وتحدث في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن والبحرين [بتحفظ]، لأطرح السؤال بشكل مباشر ودون مواربة، ماذا بعد؟

حققت الثورتان في تونس ومصر مطلبهما الأساسي "الشعب يريد إسقاط النظام"، وفي اليمن وضع يكتنفه الغموض، وفي ليبيا سقط النظام وليبيا تنتظر الآتي، وما زال الأمر في سوريا في طور مختلف، ودعوني أفترض أن ما حدث في مصر وتونس سوف يحدث في سوريا واليمن، فما الذي يمكن أن يحدث بعد ذلك؟

إن عدم وجود قيادة لهذه الثورات، بالمعنى الذي تعنيه الفكرة الثورية للقيادة، أي تلك القيادة التي تثق بها الجماهير وبالتالي تقوم بقيادة هذه الجماهير في المرحلة الأخطر، وهي مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة، عدم وجود هذه القيادات جعل الأمر يبدو وكأنه ساحة سوق سياسية، تطرح فيها الأفكار بشكل منفلت، يدل على هذا عدد الأحزاب التي تشكلت في تونس بعد رحيل النظام، وتباطؤ العسكريين في وضع أسس الدولة المدنية التي ستقوم على أساسها انتخابات المجالس والرئاسة في مصر.

إن هذا الوضع في نظري ليس وضعاً مؤقتا، بل هو وضع من شبه المستحيل الخروج منه بسلام، لأنه ناتج عن ثورة حققت إنجازاً دون أن يتمكن أحد من نسبة هذا الإنجاز إلى نفسه سواء كحزب أو كشخص، ويشكل هذا الوضع في النهاية مسرحاً لتحركات لا يمكن محاصرتها، لأنها تتخذ أساساً في طبيعتها تحركا يشبه تحرك الثورة وطبيعتها، تلقائية عشوائية غير منضبطة إلا على مستوى أخلاقي معين وليس على مستوى تنظيمي، وبالطبع أعمال النهب والقتل التي تمت خلال ثورتي تونس ومصر دليل دامغ على ما أقول.

إذا كان سقوط المعسكر الإشتراكي في بداية تسعينات القرن الماضي قد أدى إلى انهيار الفكرة اليسارية التي ارتبطت بالجماهير عادة، على مستوى الممارسة، فإن هذا لم يعد يخلق لدى المعارضات التي فقدت دورها الحقيقي خلال سنوات طويلة فرصة لإعادة صياغة نفسها، بل يتوجب على من يخافون على ثورتهم توحيد جهودهم للخروج بالثورات من قمقم الدائرة الفارغة التي تدور فيها منذ أن حققت إنجازها الأهم، فبعد أن سقطت الأنظمة التي طالبت الجماهير بسقوطها، ليس على الجماهير صياغة دورها كما تريد، بل على الكادر الحقيقي على كل المستويات أن يتولى زمام المبادرة في هذا الأمر، وإلا ستجد البلاد التي أسقطت أنظمتها نفسها أمام محنة لن توازيها محنة قمع الأنظمة القديمة، وهي محنة تفكك الدولة وانهيار البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فيها، ووقتها لن يكون للثورة أي قيمة، على افتراض أن الثورة قامت أساساً لتحسين أوضاع البلاد لا وضعها في وضع انفلات لا يعلم أحد كيفية الخروج منه، وربما يؤدي إلى المزيد من الدماء والقمع الذي سيكون أكثر بشاعة بكثير مما حدث أثناء الثورات ذاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علماء يضعون كاميرات على أسماك قرش النمر في جزر البهاما.. شاه


.. حماس تعلن عودة وفدها إلى القاهرة لاستكمال مباحثات التهدئة بـ




.. مكتب نتنياهو يصيغ خطة بشأن مستقبل غزة بعد الحرب


.. رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي: الجيش يخوض حربا طويلة وهو عازم




.. مقتل 48 شخصاً على الأقل في انهيار أرضي بطريق سريع في الصين