الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب وتحولات العالم

سامر خير احمد

2004 / 12 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


على عكس ما يقرر صاحب نظرية "نهاية التاريخ"، فان نهاية الصراع بين الليبرالية والشيوعية لم تضعف أسباب النزاعات الدولية بقدر ما أدخلت العالم في دينامية صراع جديدة. هذا ما يراه برهان غليون أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة السوربون في كتابه "العرب وتحولات العالم" الصادر عن المركز الثقافي العربي عام2003، والذي يأتي على شكل مقابلة مطولة أجراها معه الباحث رضوان زيادة ناقشه فيها في رؤيته للتطورات العالمية الممتدة من نهاية الحرب الباردة وحتى "السقوط الثاني لبغداد"، كما طرح عليه نقده لمجموعة من الكتب الهامة التي كان أصدرها غليون خلال السنوات الماضية مثل "المسألة الطائفية ومشكلة الأقليات" و"اغتيال العقل" و"المحنة العربية" و"الدولة والدين" وغيرها.

أزمة لا انتصار
يقول غليون أن تعميم الليبرالية على العالم باعتبارها نموذجاً للإدارة والتنظيم المجتمعي يرتبط فيه نظام الحريات والقانون بنظام الرأسمالية الاقتصادي كان في الحقيقة المفجر الفعلي لأزمتها التاريخية لا كما يُعتقد من أنه كان تعبيراً عن انتصارها النهائي. وسبب ذلك أن هذا التعميم وضع صدقية الليبرالية وصلاحيتها وبالتالي شرعية وجودها على المحك، فكانت النتيجة أنها لم تؤد إلى تعميم التنمية الاقتصادية والدولة القانونية وحقوق الإنسان وإنما –وبالعكس- إلى الحروب الداخلية التي تسعى من خلالها فئات اجتماعية أو قومية إلى وضع اليد على الموارد المحلية وحرمان الآخرين منها، وكذلك الحروب الخارجية التي تسعى الدول الأقوى من خلالها إلى وضع يدها على موارد الشعوب الأضعف بهدف الانتصار في حرب المنافسة الاقتصادية والاستراتيجية العالمية.
والحال أن النظام الجديد قد يكون أنتج سيطرة الولايات المتحدة على العالم، غير أنه بالتأكيد لم ينتج انتصارها النهائي.

الاستقالة السياسية
لكن غليون يعقب على المصير الذي آل إليه النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة بقوله انه لم ينتج فقط عن تعلق الدول الصناعية المؤثرة بالمفهوم الكلاسيكي للمصلحة القومية وعدم اكتراثها بالمصير العالمي وتسليمها الأمر للولايات المتحدة في سبيل فرض مصالحها القومية، بل أيضاً –وهذا الأهم- عن ميل نخب وحكومات "الجنوب" إلى الاستقالة السياسية وانهيار معنوياتها وتخليها عن مسؤولياتها الوطنية والعالمية معاً.
إن ذلك كله أفرز عجزاً عالمياً عن بلورة مفهوم سليم وجديد للقيادة الدولية الجماعية يسمح باشراك جميع البلدان في التفكير والمشاركة في المصير العالمي، ما قاد إلى تأخر ظهور سياسة عالمية بالمعنى الحقيقي للكلمة، فيما ظهر محلها "جدول أعمال" السياسة القومية الأميركية باعتباره "جدول أعمال" العالم كله.

العرب والعولمة
لقد تعولم العالم العربي. هذا ما يؤكده غليون، ولكن ليس من خلال تنامي المبادلات العلمية والتقنية والتجارية وتطوير التعاون مع الدول الأخرى، كما هو حاصل مع العديد من أمم الأرض، وإنما من خلال الحروب التي هدفت إلى استخدام موارد العرب الطبيعية والجيوسياسية لصالح الدول العولمية الكبرى، وهكذا تعولم العرب سلبياً، أي صاروا جزءاً من العالم الجديد لا بصفتهم أحد أطراف التنافس أو المشاركة بل بوصفهم الطرف الذي يُتنافس عليه و"يُلعب به" ولهذا فانهم لم يستفيدوا من التعاون الإقليمي والدولي.
ورغم أن غليون يؤكد أن قدرة العرب على المبادرة محدودة جداً في العولمة مقارنة مع موارده، إلا أنه يرى أن التحدي الرئيس أمام العرب الذي هو العلم لتغيير موقعهم داخل العولمة مشروط بتحقيق ضرورتين هما: التكتل الاقتصادي وتأهيل المجتمعات العربية اجتماعياً وسياسياً وعلمياً وثقافياً للتعامل مع معطيات العصر، ذلك أن النظم المجتمعية العربية الحالية السياسية والاقتصادية والتعليمية والدينية والثقافية والإعلامية والعسكرية حولت المجتمعات العربية إلى جثث هامدة لا وعي لها ولا إرادة ولا شعور ولا حياة.

الدولة الجديدة!
إذا كان مفهوم سيادة الدولة القومية تغير في العالم من السيادة المطلقة إلى السيادة النسبية في ظل العلاقات الدولية الجديدة، فان هذه ليست –بعد- مشكلة الدول العربية في النظام العالمي على ما يرى برهان غليون. فالحقيقة أن الدول العربية لم تكن يوماً دولاً قومية، أي دول مواطنين، وإنما ظلت هيئات وسيطة بين الدولة القومية ذات السيادة وبين الوكالة التجارية!
وهكذا فان تراجع السيادة المطلقة للدول في العلام لم يكن ذا أثر واحد على الجميع، فتقلص سيادة الدولة الوكالة التجارية يخلق شروط استتباع النخب الحاكمة كلياً للدول الكبرى، لكن تقلص سيادة الدول الكبرى يخلق لديها نزوعاً لضم موارد الدول الأخرى للحفاظ على هامش قدرتها على الحركة، وقد يحدث ذلك من خلال التكتل كما في أوروبا.
وبالنسبة للعرب، فان دولهم هي من صنف تلك الدول التي تكون سياساتها خاضعة للضغوطات الدولية، ليست الصادرة من الدول الكبرى أو الهيئات الدولية أو التكتلات الاقتصادية وحسب، بل كذلك من الشركات متعدية الجنسيات التي تستطيع تغيير سياسات هذه الدول سواء بالابتزاز الاقتصادي أو بشراء ذمم النخب الإدارية والسياسية.

الحرب على الإرهاب
في ظل هذه الخريطة العالمية الموزعة بين دول كاملة السيادة (أو بالأصح دولة واحدة هي الولايات المتحدة) ودول ذات سيادة نسبية، وثالثة منقوصة السيادة، فان الولايات المتحدة تعاملت مع الأخطار الناتجة عن كيفية إدارتها للنظام العالمي، وخاصة أحداث 11 أيلول، لا بعقلية السعي لبناء نظام عالمي دولي قائم على القانون والمفاوضات، وإنما بأسلوب تغيير استراتيجيتها الأمنية حتى تحافظ على مفهومها لسيادتها المطلقة الوحيدة وتنجح في مواجهة الأخطار الناتجة عن هذا المفهوم. وهذا هو –يقول غليون- "مضمون الحرب العالمية ضد الإرهاب التي بلورتها القيادة الأميركية رداً على 11 أيلول".

حوار الحضارات ليس علمياً
إذا كانت فكرة "صدام الحضارات" ظهرت ضمن إطار إعادة ترتيب الاستراتيجية الأميركية باتجاه التعبئة ضد العالم العربي والإسلامي، وبهدف القول أن حالة الحرب التي لم تنته بنهاية الحرب الباردة وإنما انتقلت إلى مجال آخر بين ثقافة حديثة متطورة وليبرالية وأخرى دينية متطرفة معادية للغرب، فان ردنا كما يرى برهان غليون كان عفوياً وساذجاً، ذلك أن فكرة "حوار الحضارات" ما هي إلا محاولة من قبل قطاع من الرأي العربي والإسلامي لإقناع الغرب بأن المسلمين لا يكنّون له العداء وأن الحرب بينهما ليست حتمية وليست ضرورية.
ولهذا فان "فكرتي صراع الحضارات وحوارهما معاً ليست فكرتين علميتين وإنما هما فكرتان أيديولوجيتان تسعيان بالنسبة للأولى إلى تبرير وإضفاء الشرعية على نزوع أميركا إلى إعادة ترتيب العالم على أساس ترسيخ سيطرتها الأحادية وكسر مقاومة العالم العربي والإسلامي، وبالنسبة للثانية إلى درء هذه الحرب بوسائل ثقافية قائمة على الحوار والتواصل والخطابات الأخلاقية". ولأن فكرة حوار الحضارات لا تمثل رداً علمياً، فقد صار الحوار من طرف واحد بينما أخذت الحرب طريقها إلى العالم العربي من دون مقاومة، لا سياسياً ولا عسكرياً!

السقوط الكبير
لا يمثل سقوط بغداد الأخير في نظر برهان غليون مجرد نهاية نظام أو انكسار جيش، وإنما هو "إدانة حاسمة لعصر افتتحته النخب العقائدية الصغيرة المفتقرة للوعي والإرادة الوطنية معاً"، وهو قبل أي شئ: التتويج الأليم لنصف قرن من السياسات اللاعقلانية واللامسؤولة للنخب العربية، وهو كذلك بمثابة البرهان القاطع على إفلاس أنماط الحكم والإدارة التي عرفتها المجتمعات العربية في حقبة ما بعد الاستقلال، وأيضاً هو الإعلان المدوي عن انتهاء الحقبة الوطنية ودخول العالم العربي في عصر العولمة، ولكن من موقع المنهوب.
فهل يكون ذلك بمثابة الخاتمة لعصر تشريع الاحتلال الداخلي من قبل مجموعات تسيطر بالقوة على السلطة وتصادر إرادة الناس وتمارس مبدأ وقيم التمييز شبه العنصري بين الناس وترعى انهيار الأسس الأخلاقية لأي حياة سياسية ومدنية؟ إن ذلك مشروط فيما يرى غليون بتحقيق التغيير الذي لا بديل عنه سوى المزيد من التراجع والدخول في حقبة طويلة من التفسخ والانحلال على طريقة الأوضاع الأفغانية.

أميركا وأهداف الحرب
حرب أميركا على نظام صدام حسين، واحتلالها العراق، ليست في نظر غليون حرباً واحدة، وإنما ثلاث حروب هي:
1- حرب الطاقة الدولية: ليس فقط للسيطرة على النفط، فهذا هدف سطحي، وإنما أيضاً لضبط أسعارها التي تلعب دوراً كبيراً في تحديد الهامش التنافسي الضيق في كلف الإنتاج في الدول الصناعية وبالتالي في معدلات النمو الاقتصادي. وثانياً لتعزيز مفهوم القوة والتفوق الاستراتيجي الأميركي تجاه الدول الصناعية الكبرى التي ستجد نفسها تحت رحمة الشركات الأميركية في أهم مادة من مواد الإنتاج: النفط. إنها إذن حرب استخدام النفط وسيلة من وسائل التنافس والصراع العالمي على تحقيق الأسبقية الاقتصادية والاستراتيجية وبالتالي التحكم بموقع القيادة الدولية.
2- الحرب العربية الإسرائيلية: فتحطيم الدولة العراقية وقطع الطريق على أية محاولة لإعادة إحياء قوتها ليست بالتأكيد هدفاً أميركياً بل إسرائيليا يقود إلى تعبيد طريق التسوية السياسية مع الدولة العبرية وقبول وجودها والاعتراف به.
3- الحرب الحضارية: القائمة على فكرة الصراع بين العقلانية والديمقراطية والحريات من جهة، والتقاليد اللاهوتية الاستبدادية من جهة ثانية. وهي إن لم تكن حرباً حقيقية حاضرة في أذهان القادة الأميركيين، فهي وسيلة لاستغلال فكرة الصراع هذه السائدة في أوساط قطاع من الأميركيين للتغطية على حقيقة الحربين الأساسيتين: النفط وتمكين إسرائيل.

الذين ساندوا استبداد صدام
في استشرافه لشروط مستقبل العرب، يحاول برهان غليون في آخر الكتاب أن يوضح ماهية الأولويات التي يفترض أن يسعى العرب من خلالها لبلوغ وضع حضاري أفضل، فيقول أنه ومنذ الآن ينبغي أن نعتبر احترام حقوق الإنسان وحريته وكرامته هو شرط الوطنية وقوامها ومحورها، وان أي نظام –في إشارة لنظام صدام حسين- يضطهد شعبه ويحرمه حقوقه وحرياته هو نظام فاسد ولا وطني حتى لو أعلن الحرب على الأجنبي.
لكن نظام الأولويات كان حتى الآن مقلوباً لدى الشعوب العربية، فالذين أيدوا صدام حسين وجعلوه رمزاً رغم طغيانه إنما انطلقوا من اعتبار ما يجري داخل النظم العربية مسائل داخلية وأن الأولوية هي دائماً للتصدي للقوى الأجنبية أو الصمود في وجهها أياً كانت نوعية النظام الذي يعلن هذا الصمود: انه غياب نظام التضامن العربي حتى بين الشعوب العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتلال يمتد لعام.. تسرب أبرز ملامح الخطة الإسرائيلية لإدارة


.. «يخطط للعودة».. مقتدى الصدر يربك المشهد السياسي العراقي




.. رغم الدعوات والتحذيرات الدولية.. إسرائيل توسع نطاق هجماتها ف


.. لماذا تصر تل أبيب على تصعيد عملياتها العسكرية في قطاع غزة رغ




.. عاجل | القسام: ننفذ عملية مركبة قرب موقع المبحوح شرق جباليا