الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيوبولتيكية الربيع العربي

فؤاد حمه خورشيد

2011 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية




ان ما يسميه الغرب (بالربيع العربي) هو في حقيقته الجيوبولتيكية (تساقط الدومينو العربية) الذي بدأت شرارته الأولى عندما احرق البائع المتجول(محمد البوعزيزي)نفسه تعبيراً عن احتجاجه على استبداد نظام بلاده التي كان يترأسها زين العابدين بن على الذي هزمته الجماهير الغاضبة وهروبه الى المملكة العربية السعودية في يوم الجمعة 14/1/2011 . ثم انطلقت بعد ذلك في 25/1/2011 شرارة الثورة الجماهيرية في ساحة التحرير وسط مدينة القاهرة وسائر المدن المصرية ، وتنجي جرائها حسنى مبارك في 11/2/2011 .
ووفق هذا النموذج انطلقت شرارة الانتفاضة الشعبية في عموم اليمن ضد حكم علي عبد الله صالح ، ومن ثم في ليبيا حيث بدأت الجماهير بالتحرك في القسم الشرقي من البلاد في 17/2/2011 و دخلت العاصمة طرابلس في 22/8/2011 وتكللت بالنجاح بمقتل العقيد معمر ألقذافي في مدينة سيرت في 20/10/2011 .
ثم تلا ذلك اضطرابات جماهيرية واسعة في البحرين وأخيراً ثار الشعب السوري ضد دكتاتورية الأسد . ولا يستبعد أن يكون هذا الربيع استنتاجاً أكثر نضوجاً للانتفاضات التي حدثت في العراق عام 2003 و لبنان عام 2005 وإيران عام 2009 . فهي انعكاسات لإحداث مشابهة سابقة .
ان هذا الهياج الجماهيري لبعض الشعوب العربية ضد حكامها المتسلطين على رقابها بتأثير سابق من قوى الغرب ، رغم علمها بأن هذه الأنظمة الضامنة لمصالحها كانت جاثمة على براكين في الاستياء الشعبي المكبوت بالقوة لعقود من الزمن ، هو جوهر الحدث الجيوبولتيكي العربي و محركه والذي أصبح في نظر الغربيين يمثل انتفاضة سياسية للجماهير العربية المطالبة بالإصلاحات الديمقراطية, وهذا هو ماتطلق عليه الجيوبولتيكيا الانتقادية بـ(الجيوبولتيكس الشعبي) . انظر الجدول (1) ، لذا فأن هذه الانتفاضة تتطلب الدعم من (الديمقراطيات الغربية) لأنها ستؤدي ، من وجهة نظرهم ، الى تغيرات أساسية في أنظمة الحكم العربية و سياساتها السابقة ، الأمر الذي يتطلب بدوره صياغة سياسة أمريكية – اوروبية جديدة تجاه هذه الدول ـ او عدم الوقوف ضد تيارها العارم في الأقل .
ترى ماهي الأسس التحليلية لهذه (الجيوبولتيكيا الشعبية) او هذا الحراك الجماهيري الذي يشبه الطوفان وماهي محركاته ؟ هنا لابد من وضع الأسس الجيوبولتيكية الثلاث لتحليل الفعل السياسي محل اختيار وحسب تسلسلها :
1. ينبغي النظر هنا الى (جوهر الحدث) المتمثل بالسياسات الخرقاء التي تبناها الحكام العرب بدعم من القوى الخارجية تجاه شعوبهم و حرمانهم من ابسط حقوقهم الديمقراطية الأمر الذي ولد لديهم استياءً عاماً و شاملاً وخاصة لدى الشباب الأكثر ثورية وتنويراً وتطلعاً وتوقأ للحرية السياسية و الأمن و العيش الكريم في بلادهم .
2. الدور الفاعل(العامل الحدث) أي التحرك الجماهيري(السكان) في خلال استثمار تقنيات الأخبار و الاتصالات الحديثة عبر المواقع الإخبارية ووسائل الإعلام المرئية(التلفاز)ذات العلاقة المباشرة بالتطور التقني الذي ساهم في تصغير العالم وفك الحصار عن كمجتمعاته من خلال البث السريع للخبر بالصوت و الصورة بلا حواجز او حدود او رقابة, أولا بأول, لأحداث العالم الصغيرة و الكبيرة على حد سواء .
3. البيئة الإقليمية والدولية التي يجرى فيها الحدث ، فتغير الوضع الدولي ونظامه العام من سياسة فرص الأنظمة الدكتاتورية العميلة بالقوة او الانقلابات العسكرية الى سياسته التجاوب والرضوخ لإرادة الغالبية العظمى للسكان ، وبخاصة الشباب ،التواقة للتغيير والراغبة في نيل الحرية واستبدال الأنظمة الشمولية بالأنظمة الديمقراطية التعددية بالطرق السلمية, من خلال نزولها الى الشارع لتحدي القوة البوليسية لتلك الأنظمة و مواجهة قواتها العسكرية والأمنية بهتافات التغيير و المطالبة بالعدالة والديمقراطية وبمباركة مرغمة من القوى الدولية

لاتزال الأوضاع غير مستقرة في بلدان الربيع العربي ، رغم نجاح الثوار في بعضها من إزالة حكامها السابقين كما في تونس و مصر و ليبيا ، لكن هذه الثورات لم تسفر عن نتائج او تغيرات نهائية واضحة ، فالحكام قد يتغيرون لكن الأنظمة السياسية لم تتغير في الغالب تغيراً جذرياً ما لك تجرى انتخابات حرة ونزيهة و بإشراف محايد على صعيد ما حصل في تونس على سبيل المثال والتيخصل فيها التيار الإسلامي المتمثل بحزب النهضة الإسلامي ب 90 مقعدا من أصل 217 مقعدا يتألف منها المجلس التأسيسي التونسي, وهذا ما يقلق الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي على حد سواء.
لايخفى بأن العالم اجمع ، وبخاصة قواه الكبرى ، يراقب عن كثب ما يجرى على الساحة العربية ، بل ان للولايات المتحدة ولدول الاتحاد الأوروبي مصلحة كبرى في احتواء وتوجيه هذه التغيرات ، ففي ليبيا حدث تدخل عسكري مباشر من قبل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)وان المئات في قوات مشاة هذا الحلف وطائراته ساهمت في معارك المدن الليبية ، مع ذلك فأن الحالة الليبية اختلفت كثيراً عما حدث في كل من تونس و مصر واليمن و البحرين و سوريا . ولعل ذلك جاء بسبب القراءة المخطوءة للولايات المتحدة وحلفائها لحالة ، الوضع الليبي وعدم إعدادها للقوة الكافية لتوقعات مقاومة نظامه ، فجاء الرد العسكري الأطلسي قبل تهيئة القوة الكافية لأحداث التغيير السريع في ليبيا ، وكأنه كان استجابة فورية لمطلب الجامعة العربية التي طالبت بغرض حذر للطيران على ليبيا في 12/3/2011 وهي ظاهرة غير مسبوقة في الجامعة . وهكذا أدت تلك القراءة المخطوءة الى مشاكل الجيوبولتيكية غير متوقعة وتريث ملحوظ في مواقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فيما يخص دول الربيع الأخرى ، رغم كون ماجرى ويجري في اليمن و سوريا من تجاوز خطير لحقوق الإنسان قد يفوق مرات ماكان يحدث في ليبيا ، فبعد ان استخدمت الولايات المتحدة و حلفائها القوة الصلدة (Hand Power) ضد ليبيا وجدت ان استخدام القوة المرنة (Soft Power)هي البديل تجاه ما يحدث في كل من سوريا و اليمن للأسباب الجيوبولتيكية التالية :
1. التخوف من تطور الأحداث المعاكسة و بروز المقاومة الداخلية لأنصار تلك الأنظمة على غرار محادث في ليبيا.
2. التخوف من مصير الديمقراطيات الوليدة التي قد لا تكون ليبرالية كما يشتهي لغرب ، لأنها قد تتحول الى ديمقراطية دينية كما هو في ايران .
3. جهلهم بطبيعة الحكام الجدد ومدى توافق سياساتهم المستقبلية مع توجهات السياسة الغربية وضمان مصالح الغرب .
4. ثورات الربيع العربي وان كانت تتوافق وتطلعات الدول الغربية في حلحلة الأنظمة القديمة بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الكبيرة ، الا أنها حسب رأي الغرب حركات غير مضمونة ، فالربيع العربي لايشبه تحولات انظمة اوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1989 .
5. تعدد المجموعات والقيادات الداخلية للجماهير داخل كل بلد من بلدان الربيع العربي وصعوبة تجميعهم في تكتل واحد مضمون و واضح الاهداف والتوجهات السياسية الستراتيجية , أمر يبعث الى التروي في دعم مثل هذه الحركات من جهة ، ويسهم في تخاذل مواقف بعض القوى في تأييدها كما حدث لروسيا والصين في استخدامهما لحق النقض(الفيتو)ضد قرار إدانة الحكومة السورية في مجلس الأمن . لذا فالموضوع برمته لا يزال تحت المراقبة و خارج حدود السيطرة الغربية الكاملة. فالعالم كله يعلن عن تذمره عما يحدث في اليمن وسوريا ، لكن لا أحد يجرؤ بالحديث عن التدخل العسكري هناك على غرار القرار ضد ليبيا . والكل يحذر النظام السوري من دون أن يفعل شيئاً.
6. العامل الإقليمي الذي يلعب دوراً واضحاً في سياسات و مواقف العديد من الدول ذات المصلحة في دول الربيع العربي ، فالموقف الإيراني لايزال مع النظام السوري لأسباب مذهبية ، كما ان إسرائيل قلقة عما سيحدث بعد نظام بشار الأسد من تطورات سياسية .

من كل ماتقدم يمكن القول ان (الربيع العربي) لا يزال يمثل حركة نشطة في البلدان التي حدث فيها و إن التغير حاصل في تلك البلدان، لكن المهم ليس في تغيير شخوص وقادة تلك الأنظمة وإنما في إقامة أنظمة ديموقراطية فعلا" تتبنى بشكل ستراتيجي السياسة الضامنة لحقوق السكان, ونبذ الأنظمة الشمولية والعمل وفق سياقات الأنظمة البرلمانية والانتقال السلمي للسلطة السياسية ، الا إن ذلك يتطلب الكثير من الوقت، ومزيدا" من الضحايا و الشهداء، كما في تجربة العراق، ولعل ذلك يتطلب أيضا" المزيد الأنانية الدولية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل جنديين إسرائيليين بهجوم نفذته مسيرة لحزب الله | #غرفة_ا


.. صاعد المواجهات بين الجيش السوداني والدعم السريع | #غرفة_الأخ




.. نتنياهو: دخولنا إلى رفح خطوة مهمة جدا وجيشنا في طريقه للقضاء


.. أسامة حمدان: الكرة الآن في ملعب الإدارة الأمريكية التي عليها




.. مياه الفيضانات تغمر طائرات ومدرجات في مطار بجنوب البرازيل