الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التحول الديمقراطي في سورية والموقف الراهن

معقل زهور عدي

2004 / 12 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من السهل القول أن لافائدة ترجى من انتظار التغيير الديمقراطي من الداخل وأن المسألة برمتها مرهونة بالضغوط الخارجية والظروف الدولية ، ولكن المشكلة في مثل هذا الاستنتاج أنه لا يتيح التقدم ولو خطوة واحدة باتجاه التغيير ، وعلى النقيض من ذلك فهو يوحي باللاجدوى وينشر ظلالا من اليأس والشعور بالعجز والإحباط .
أما النتيجة الأخرى الأكثر سلبية فهي الانصراف نحو الخارج ، والنظر إليه كمخلص وبدلا من التفكير في عواقب التدخل الخارجي ونتائجه التي قد تتخذ بعدا تدميريا كما حدث في العراق يصبح الخارج بطلا للإنقاذ أو با با نويل .
نعم هناك حالة استعصاء في مسألة التحول الديمقراطي في سورية ، ولكن النفاذ إلى قلب تلك الحالة ، والنظر إليها من الداخل ، ومراقبة المتغيرات التي تتم ببطء وبصورة متناثرة قد يقود إلى رؤيا أكثر واقعية وأقل تبسيطا ، ويسهم قي وضع اليد على مفاصل حركة التغيير وحشد القوى للتقدم ولو خطوة نحو الأمام .
سورية اليوم ليست سورية عشية انتهاء ربيع دمشق وإغلاق المنتديات واعتقال العشرات من المعارضين الديمقراطيين ، وهي وان لم تتمكن من العودة إلى ربيع دمشق حتى الآن ، لكنها لم تتمكن من الابتعاد عنه .
وكمقياس للتحول الذي يختمر في العمق يمكن بسهولة ملاحظة انهيار الإيديولوجيا التقليدية التي اعتبرت لوقت طويل شيئا مقدسا ، وبالعودة إلى الخطاب السياسي الرسمي الذي كان معتمدا في الرد على المعارضة الداخلية والانتقادات الخارجية نجد أن التغيير فيه قد بلغ شأوا تجعل المتتبع يشعر انه أمام خطابين مختلفين تماما ، ولأول مرة تطرح موضوعات اعتبرت مقدسة مثل قيادة الحزب للمجتمع والدولة للنقاش شبه العلني ، ولا يعتبر تناولها هرطقة أو عملا يستوجب المسؤولية ، وتنشر في الصحف الرسمية مقالات لا تتطابق مع تقاليد النشر التقليدية كان أكثرها لفتا للانتباه المقالة اللطيفة لفنان السخرية السيد حكم البابا التي تعرض فيها لجهاز الأمن بالنقد .
تعطي الإشارات السابقة وأمثالها الانطباع بسقوط الوعي القديم وانهياره ، بحيث لم يعد النظام الحاكم يجد فيه سلاحا فكريا وسياسيا ذا قيمة ، بل إن عددا من الكتاب الأكثر انفتاحا وذكاء الموالين للحكم قد أدركوا ضرورة الانتقال وترك البناء الفكري – السياسي الذي لم يعد صالحا وشرعوا بالفعل في مد الجسور باتجاه منطق المعارضة الوطنية الديمقراطية .
هناك إذن تحول أكيد في الوعي للمجتمع عموما ولنظام الحكم خصوصا ، لم تعد هناك في المعارضة أي قوة ذات شأن من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار – إن صح التعبير- لاتقول بنبذ العنف والتحول الديمقراطي السلمي ونشر الحريات وحقوق الإنسان ، وفي المقابل أصبحت معارضة فكرة التحول الديمقراطي والثبات على الأرضية الفكرية – السياسية التقليدية للنظام الحاكم أضعف من أي وقت مضى ، ويوما بعد يوم يصبح الدفاع عن فكرة الثبات وعدم التغيير أمرا في منتهى الصعوبة .
إذن أين يكمن الاستعصاء ؟
يجب أن نعترف بأن النظام السياسي – الأمني الموروث عن حقبة الثمانينات والتسعينات يتمتع بدرجة غير عادية من الصلابة بحيث أن عملية تغييره من الداخل لا تبدو سهلة على الإطلاق ، كما أن التغيير يطرح في ظروف يتقلص فيها هامش المناورة السياسية للنظام ويتم سحب الأوراق المتاحة واحدة بعد أخرى .
لابد لقوى التغيير من الداخل أن تستعين بقوى التغيير من خارج النظام وبدون المساهمة الموضوعية لقوى التغيير في المعارضة لن يكون بإمكان قوى التغيير داخل النظام أن تصنع شيئا على الإطلاق وستكون صلابة النظام وقواه المحافظة كافيين لاستهلاكها وتحييدها .
وحتى تتحول المعارضة الوطنية الديمقراطية من هياكل سياسية تفتقر للفاعلية إلى قوة ذات شأن قادرة على دعم قوى التغيير في داخل النظام لابد من منحها ساحة كافية للحركة ، واعطاء إشارة واضحة بانتهاء عصر القمع والخوف .
إن فكرة الخلاص الوطني والتغيير الديمقراطي السلمي التدرجي ، مع المحافظة على أمن المجتمع وتجاوز نتائج الأزمات التي مر بها وتداعياتها ، مرتبطة اليوم والى حد بعيد بتحول الوعي الوطني الديمقراطي الذي بدأ ينتشر ويسود إلى استراتيجية عمل مشتركة لقوى التغيير داخل النظام وخارجه ، تتيح للأولى محاصرة القوى المحافظة بدلا من أن تحاصرها القوى المحافظة داخل النظام ، وتتيح للثانية لعب دور الشريك المكمل لفعل التغيير داخل المجتمع وامتصاص نتائج الهزات الناتجة عن التغيير وسد الطريق على القوى المغامرة التي لاتضع مصلحة المجتمع في رأس أولوياتها ولا تنظر لخطورة احتمالات الاختراق والتدخل الخارجي بعين الجد .
وعلى أية حال وبغض النظر عن قربنا أو بعدنا عن انطلاق عملية التغيير فليس مقبولا أن تقف المعارضة الوطنية الديمقراطية على الرصيف تنتظر قطار التغيير فالمبادرة والتحرك ضمن الهامش المتاح مع السعي لتوسيعه تظل مطلوبة مثلما هو مطلوب امتلاك استراتيجية واقعية للتغيير الديمقراطي للخروج من حيز الحلم ومجرد المطالبة إلى حيز الكفاح الفعلي لشق ذلك الطريق الصعب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل الفلج.. مغامرة مثيرة لمصعب الكيومي - نقطة


.. رائحة غريبة تسبب مرضًا شديدًا على متن رحلة جوية




.. روسيا تتوقع «اتفاقية تعاون شامل» جديدة مع إيران «قريباً جداً


.. -الشباب والهجرة والبطالة- تهيمن على انتخابات موريتانيا | #مر




.. فرنسا.. إنها الحرب الأهلية!