الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب -الليبرالية الجديدة: جذورها الفكرية وأبعادها الاقتصادية- 3-3

هاشم نعمة

2011 / 11 / 19
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


آخر فصول الكتاب وهو السابع يحمل عنوانا ذا دلالة هامة وهو "خرافة السوق ذاتي التنظيم". حيث يذكر الكاتب إلى أنه بعد عقود من الاعتقاد في أن نجاح السوق الحرة ونجاح عمليات التحول إلى اقتصاد السوق يعتمد على إخراج الدولة من كل المجال الاقتصادي وتركه حرا من سيطرتها، يعود البنك الدولي إلى رشده فجأة ويهتدي إلى حقيقة ويقول: "في غياب مؤسسات تمنح سندات ملكية الأراضي ضمانا لحقوق الملكية لا يستطيع الفقراء استخدام أصول قيمة من أجل الاستثمار والنمو"، لاحظ أن الفقراء سيقومون بالاستثمار لا بالعمل مستخدمين سندات ملكية الأراضي وكأنهم مضاربين في سوق العقارات؛ كثيرا ما نجد في تقارير البنك الدولي تعبيرات بلهاء مثل هذه. ويستمر البنك في القول: "وفي غياب مؤسسات قضائية قوية تنفذ العقود يجد منظمو المشروعات أن كثيرا من أنشطة الأعمال محفوفة بمخاطر مفرطة. وفي غياب مؤسسات فعالة لتنظيم الإدارة تكبح جماح المديرين، قد تبدد الشركات موارد المساهمين. هذه المؤسسات هي مؤسسات الدولة، والبنك بذلك يركز على ضرورة ضمان الدولة للسوق الحرة، ويطلب منها تشريعات وقرارات وإدارة تسهل آلياتها ؛ والملاحظ أن هذا السوق لن يعد بذلك حرا بل سوف يكون مفروضا من الدولة مثله مثل الأنظمة الشمولية تماما.
يريد البنك الدولي من الدولة أن تقوم بوظائف الدولة الليبرالية في القرن التاسع عشر، وعلى الأخص النموذج الإنكليزي. والملاحظ أن هذا النموذج تعرض للنقد من قبل معظم المفكرين اليساريين وأولهم ماركس حيث وجه النقد لعملية تكوين السوق الحرة، إذ كان معاصرا لها ومتابعا لوقائعها يوميا، وبالإضافة إلى مؤلفاته المهمة، كانت تعليقاته تنشر على القوانين والتشريعات الموضوعة لخدمة السوق الحرة في الصحف التي كان يكتب بها. وكذلك المفكر الإنكليزي هارولد لاسكي وكارل بولاني وآخر نقاد هذا النموذج هو جون جراي.
الحقيقة أن الرأسمالية العالمية تقدم نفسها الآن في صورة مؤسسات مالية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن تغيرا جذريا قد حدث لها. فبعد أن كانت الدول الاستعمارية هي التي تباشر عملية التوسع الرأسمالي العالمي منذ القرن السابع عشر وذلك عن طريق التدخل المباشر بالجيوش، استغنت الرأسمالية الآن عن الاستعمار كأسلوب في الانتشار وظهرت بدلا منه المؤسسات المالية العالمية. والمهمة الأساسية لهذه المؤسسات هي نقل رأس المال من مركز النظام الرأسمالي إلى أطرافه إما بشكل قروض أو استثمار مباشر وجعل هذه الأطراف مجالا خصبا لتحقيق الأرباح التي تصب كلها في المركز. وهذا ما جعل عدد من الاقتصاديين مثل سمير أمين وإرنست ماندل وديفيد هارفي يصفون الأرباح الطائلة للاستثمار المباشر وخدمة الدين بأنها شكل جديد من أشكال الخراج تدفعها الأطراف التابعة للمراكز المسيطرة.
أصبح تعامل المؤسسات المالية الرأسمالية العالمية مع الأطراف التابعة لها مباشرا دون وسيط من أي دولة رأسمالية معينة، فهي بذلك ممثلة لرأس المالي العالمي، وأصبحت هي التي تباشر عملية الربط بين المراكز الرأسمالية الغنية والأطراف الفقيرة. وأدواتها الأساسية في التحكم هي السياسة النقدية التي تفرضها على الدول المدينة. وقد شاع في الآونة والأخيرة استخدام كلمة "الكازينو" أي نادي القمار، أو "رأسمالية الكازينو" لوصف أنشطة رأس المال العالمي من المضاربات الشبيهة بلعبة القمار. ولأن المؤسسات هذه تنسق فيما بيتها وترتبط مع بعضها بسياسات خاصة فهي في الحقيقة تشكل ساحة عالمية للمضاربات، إنها ليست سوى ناديا للقمار الدولي يحاول إعادة بناء الدولة كي يضمن عمل اقتصاد السوق.
يشير بولاني إلى أن اقتصاد السوق لا يكون ذاتي التسيير وفقا لقوانين خاصة به إلا بفضل تشكل المجتمع كله على أساس أنه مجتمع سوق. لكن ماذا يحدث عندما يتحول السوق إلى سوق عالمي؟ سوف تظهر ضرورة أن تنظم جميع المجتمعات في العالم نفسها وفق هذا السوق العالمي، وهذا ما يريده البنك الدولي في تقريره.
الحقيقة أن ما يحتاجه السوق العالمي هو سلعا ذات طابع تكنولوجي ورفاهي عالي، وهي مواصفات ليست موجودة في منتجات الدول الفقيرة، نظرا لاحتكار التكنولوجيا والأسرار الصناعية من قبل الدول الكبرى تحت ادعاء قوانين الملكية الفكرية. إذا لم يتمكن الفقراء من إنتاج سلع عالية التكنولوجيا والجودة لن يتمكنوا من دخول السوق العالمي. البنك الدولي إذن يعصف بالنظريات الأخرى القائلة إن الطريق نحو التنمية يتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي النسبي والتنمية بمصادر وإمكانيات محلية وبناء علاقات اقتصادية متوازنة.
لقد اكتشفت المؤسسات الرأسمالية أن الحراك العالمي لرأس المال يتطلب بالمثل حراكا عالميا للعمالة كي يستطيع توظيفها أينما ذهب؛ حيث يتحدث البنك الدولي عن الفقراء ويقول أن حل مشاكلهم هو الدخول في السوق العالمي - بعد أن كانت نظريات التنمية تضع علاج مشكلة الفقر في تصنيع المجتمع وتحديثه- في حين أنه يهدف في الحقيقية مساعدة الحراك العالمي لرأس المال بخلق حراك عالمي مثيل في صورة عمالة دولية رخيصة سهلة التحرك من مكان لآخر يستطيع رأس المال جلبها معه أينما ذهب. إذا حدث ما يأمل فيه البنك الدولي من أن يكون فقراء العالم متاحين أمام رأس المال الدولي باعتبارهم عمالة دولية رخيصة، فإنه يكون بذلك قد ساعد على تكوين بروليتاريا عالمية.
وفي خاتمة الكتاب يخرج المؤلف بخلاصة هامة تقول: يجب أن يكون المجتمع نفسه هو المتحكم في مصيره ولا يتركه للمصالح الربحية لرجال الأعمال والاستثمارات الخاصة. إذا كان المجتمع هو صاحب المصلحة في توفر الوظائف والسلع، فلماذا يفرض على هذه المصلحة أن تحقق عرضا ودائما بتوسط فئة قليلة من رجال الأعمال تسعى لتنمية أرباحها الشخصية؟ إن توفر الوظائف والسلع هدف اجتماعي، فلماذا نترك الخاص يتحكم فيما هو اجتماعي؟ أيجب أن تتحقق الأهداف الاجتماعية دائما بتوسط المصلحة الخاصة؟ إن ما هو اجتماعي يجب تحقيقه وإدارته اجتماعيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماهر الأحدب: عمليات التجميل لم تكن معروفة وكانت حكرا على الم


.. ما هي غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب؟




.. شرطة نيويورك تعتقل متظاهرين يطالبون بوقف إطلاق النار في غزة


.. الشرطة الأرمينية تطرد المتظاهرين وسياراتهم من الطريق بعد حصا




.. كلمة مشعان البراق عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتي