الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أول رواية عن ثورة 17 فبراير الليبية: “عدو الشمس، البهلوان الذي صار وحشا” – الفصل السابع

محمد سعيد الريحاني
أديب وباحث في دراسات الترجمة

(Mohamed Said Raihani)

2011 / 11 / 19
الادب والفن


عاد العقيد على متن "التُّكْتُك" إلى قصره فوجد ابنه لا زال على أرضية الغرفة معانقا ركبتيه فمسح بيده على رأسه معيدا لوجهه بشاشته قائلا له:
- أرأيت كيف يكون الإلقاء، يا بني؟
- ألم يكن إلقائي أنا موفقا، يا أبت؟
- كيف يمكنه أن يكون موفقا وأنت، طول مدة الخطاب، كان كل همك هو وضعية ربطة العنق وإيماءاتك ووضعية جلوسك ولغة جسدك؟ لقد كنت متوترا وبدا ذلك واضحا من خلال دورانك في مكانك على الكرسي الدوار حتى أنني خشيت أن ينزلق بك الكرسي فتبتعد عن الكاميرا وترتطم بالحائط!...
- إذا كان الأمر كذلك، فسأتخلى لك، من الآن فصاعدا، عن الخطب وسأكتفي باللقاءات الصحفية حيث لن أواجه شعبا مسلحا ولن يجد التوتر إلى أوصالي سبيلا...
- سأترك لك فرصة الظهور في اللقاءات الصحفية إذ لم تطاردك الأحذية على الشاشات العملاقة في الساحات العمومية ثانية...
- هل الأحذية تطارد ظهوري لوحدي على الشاشات العملاقة، يا أبت؟
- هذا ناتج عن ضعف شخصيتك وخفة وزنك و...
- ولكن ألا ترى الآن على هذه الفضائية الأجنبية عدد الأحذية التي ترشقك بها نفس الجماهير على نفس الشاشات العملاقة في نفس الساحات العمومية، يا أبت؟
- أكاد لا أصدق عيني!...

لم يصدق العقيد كيف قُذِفَ ابنه بالأحذية حين ظهر على الشاشات العملاقة في الساحات العمومية وهو الآن يستشيط غضبا لرؤية صورته هو أيضا تلقى نفس المصير وجن جنونه أكثر حين بدأت شاشات العالم تبث صوره العملاقة على الطرق السيارة يتسلقها الشباب ليمزقوها إربا إربا وهم يهتفون بموته ورحيله ويتحدونه أن يخرج للميادين العامة كي يخطب فيهم...

في نفس الآن، كان الهاتف الثابت على يمينه يرن وكان جرس الباب المجنون قبالته يزعق:
- آلو، الأخ القائد. هذا مبعوث الوطن للأمم المتحدة!
- أهلا بك!
- استمعت قبل قليل إلى خطابك وأود أن أشعرك بصداه هنا بين سفراء أمم الأرض.
- لست بحاجة لسماع الأصداء التي أعرفها مسبقا!
- الأخ القائد، إذا كنت تنفر من سماع الأصداء، فاستمع إلى كلامي كصديق العمر: تنح وجنب البلاد كارثة محدقة...
- أنا ليس لي منصب. أنا زعيم ثورة...
- هذا الكلام قله لغيري. أما أنا فصديق العمر. تنح، يا صديقي، فالوطن أكبر منا ولعنة الله على السلطة التي تجعل منا وحوشا!
- أنا الوطن ولا شيء أكبر مني. لا شيء يقف في وجه إرادتي. لا فقدان الشعب ولا فقدان الأصدقاء...
- حسنا، انس إذن اسمي وواجه الطوفان لوحدك!...
- عن أي طوفان تتحدث؟
- هم "جايين لك، يا معمر! جايين لك!"

ارتعدت أوصال العقيد لسماع العبارة الكابوسية ومرت أمام عينيه صور قياصرة الرومان الذين طغوا فطعنوا لخلاص الناس منهم يليهم الملك السنوسي ووراءه شهداء الثورة وما قبل الثورة فصاح:
- من أنتم؟!

فأجابه رجال دبلوماسيته الواقفين قبالته وراء مكتبه والقادمين من كل بلدان العالم:
- نحن سفراؤك، أيها القائد!

انتبه إليهم فجأة وانتابه الذهول لعددهم المهول فصاح في وجههم:
- وزرائي وعساكري في الداخل يفرون إلى الخارج، وسفرائي وممثلي في الخارج يهرولون إلي دون أمر مني!
- لم نأت بمحض إرادتنا، أيها القائد !
- وبإرادة من تتحركون، أيها العرائس؟!
- لقد طردتنا أمم الأرض جميعها...
- من طردكم؟
- كل بلدان العالم، أيها القائد، احتجاجا على خطابك الأخير.
- وما العيب في خطابي الأخير؟
- تصريحك ببرنامج سحقك للثورة بالأساليب العنيفة!...
- سيرى العالم كم هي ضعيفة إجراءاته الزجرية في حقي. سيقرأ العالم جوابي ابتداء من الغد عندما أسحق "بنغازي" كاسرة هيبتي بأفتك الأسلحة المحرمة وأقوى الغازات الحارقة!...

خرج العقيد للتو إلى الجنود وطلب منهم "الزحف" على "بنغازي" ومحوها من الخارطة فرفضوا لأنهم قلة وبلا غطاء جوي وسيأكلهم الثوار... فقتلهم رميا بالرصاص وجردهم من ثيابهم وتركهم فريسة للنسور:
- "هذا ليس وقت التحليل ولستم مخولون للتحليل. أنتم مجرد بيادق في يدي!"...

أدرك أن الخوف مستشر بين جنوده فجرد الطيارين من مظلاتهم وأمرهم بالإقلاع والتوجه رأسا نحو "بنغازي" لقصفها وتطهيرها من الرجس الذي أصابها فرفضوا له طلبه لأن التحليق دون مظلات يحرمهم من الحد الأدنى من احتمال العودة أحياء. فقتلهم رميا بالرصاص وجردهم من لباسهم وألقى بهم في البحر فريسة للأسماك التي أضحت معتادة على لحم "الحراكة" من أبناء الضفة الجنوبية:
- "أنتم مأجورون. المال أخذتموه وحياتكم بعتموها لي ولا مجال للتردد الآن!"...

في غمرة نرجسيته، وبينما أراد حرق شعبه، سُلِّطَ عليه من يحرقه إذ صاح:
- "من أنتم؟"

وبينما توالت على مسامعه الأسماء التي ترعبه في ليله وخلوته وكوابيسه، كان الجواب:
- نحن منفذو قرار الأمم المتحدة القاضي بتجريدك من أموالك ودك سقوف قصورك فوق رأسك وتقليم أظافرك وخلع أنيابك وثنيك عن حماقاتك!...



اضغط هنا لتحميل الرواية كاملة: http://raihani.free.fr/ebooks/the_enemy_of_the_sun.pdf








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضحية جديدة لحرب التجويع في غزة.. استشهاد الطفل -عزام الشاعر-


.. الناقد الفني أسامة ألفا: العلاقات بين النجوم والمشاهير قد تف




.. الناقد الفني أسامة ألفا يفسر وجود الشائعات حول علاقة بيلنغها


.. الناقد الفني أسامة ألفا: السوشيال ميديا أظهرت نوع جديد من ال




.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي