الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شباب العمالة و الخيانة و الفشل

أحمد حسنين الحسنية

2011 / 11 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لنفترض أن الخبرة غير ضرورية لمزاولة المهن المذكورة في الأسئلة التالية :
فهل هناك من القراء من سيقبل أن يضع حياته ، أو حياة من يحب ، في جراحة دقيقة - لا قدر الله - بين يدي طبيب حديث التخرج ؟؟؟
هل من القراء من سيقبل أن يوكل محامي حديث التخرج للدفاع عنه ، أو عن من يحب ، في قضية يحدد النطق فيها مصائر ؟؟؟
هل سيقبل الناس التعامل مع شركة طيران تمتلك طائرات جامبو لنقل الركاب ، و لكنها لا توظف إلا طيارين حديثي التخرج ؟؟؟
الإجابات بالتأكيد هي لصالح لا ، و الحمد لله أن القوانين و اللوائح المنظمة لمزاولة معظم المهن الحساسة تشترط الخبرة .
لكن للأسف أرتكب الشعب ما هو أفدح من كل ما هو مذكور في الأسئلة المذكورة عالية .
لقد وضع الشعب المصري - للأسف الشديد - مستقبل مصر ، و تضحيات آلاف من أبنائه ، في يد حفنة من الشباب العملاء ، تم إعتبارهم هم قادة ثورة الخامس و العشرين من يناير 2011 .
حديثي ليس لمن تجاوز سن الشباب ، بل هو للشباب أيضاً .
للشباب النقي الوطني المخلص لمصر ، المفعم بالآمال الطيبة لنفسه و لوطنه ، فلو كنت أيها القارئ الشاب من هؤلاء الأبطال الذين شاركوا في ثورة الخامس و العشرين من يناير 2011 ، و عرضت نفسك للمخاطر ، و رأيت كيف أستشهد إخوان لك في النضال برصاص قناصة الشرطة و بلطجية آل مبارك ، و كيف جُرح رفاق لك في الكفاح من أجل الحرية و العدالة الإجتماعية و الكرامة الوطنية و الشخصية ، فهل يعجبك ما وصل إليه الحال في مصر اليوم تحت قيادة القيادات الشبابية التي إستولت على الثورة بعد الحادي عشر من فبراير 2011 ؟
ألا يغضبك مرأى ذوي الشهداء و هم يبحثون للآن عن الإنصاف ، و مرأى رفاقك من الذين أصيبوا إصابات بالغة و هم يسألون النظام الحاكم الحالي صرف تعويضات لهم ، و يطالبون - بلا جدوى حتى الآن - صرف معاشات لمن لحقت به إعاقة بالغة ، بدلاً من أن تأخذ العدالة مجراها بسرعة ، و تُطلق أسماء الشهداء على الشوارع و المدارس و المكتبات العامة ، و تكرم الدولة أمهاتهم رسمياً في عيد الأم القادم ، و تمنح أسمائهم الأوسمة ، و بدلاً من أن يحصل المصابين الأبطال على الأوسمة و التعويضات السخية ، و المعاقين منهم على الرواتب التقاعدية الكريمة ؟
و حتى لو لم تكن شاركت في الثورة ، ألا تغضب للوضع الحالي المزري الذي وصلت إليه مصر ؟
أي ثورة ناجحة هذه التي تتلكأ في القصاص من قتلة شهدائها ، و ترفض تكريم أبطالها ، من شهداء و مصابين ، و تسمح بأن يحكم الدولة أتباع الطاغية المخلوع ، و تقبل أن تجرى أول إنتخابات في ظل قانون الطوارئ الذي كان أحد أسباب الثورة ، و تقبل أن تحدث مذبحة مروعة تزهق حياة أربعة و عشرين مواطن على الأقل عمداً ، و أن تعبث السلطة بالوحدة الوطنية وتحرض رسمياً على الحرب الأهلية ، و أن تسعى لتأسيس مبدأ الوصاية على الشعب ؟
السلطة تضحك في سريرتها - أو في عبها بعاميتنا - علينا ، و العالم أصبح يهزء بنا .
قادة العالم الذين لازالوا ينوهون بميدان التحرير ، أصبحوا يفعلون ذلك كنوع من التملق الدبلوماسي لنا ، كما كان يصف بعض قادة العالم مبارك و حكام العرب ، بالحكمة و الحنكة ، و يدعون أنهم ينهلون من حكمة طغاتنا ، و يرتشفون من خبراتهم الثمينة .
فلمن الفضل في هذا الفشل المريع ؟
الفضل هنا موزع على طرفين ، فهو أولاً للقيادات الشبابية التي تم تنصيبها على قيادة الثورة ، و ثانياً لكل من قبل أن تظل تلك القيادات هي المسيطرة على الثورة لعدة أشهر برغم فشلها .
لقد كنت أشاهد كيف كانوا يخدعون هؤلاء القادة بسهولة ، و يجعلونهم ينطقون بما تريد السلطة ، في برامج قناة البي بي سي العربية ، تلك القناة المخترقة مخابراتياً من قبل أجهزة الإستخبارات العربية .
كنت أشاهد كيف أن السلطة و قناة البي بي سي العربية ، تعملان على أن يظل بعض الشباب هم المسيطرين على قيادة الثورة ، بالإصرار على وصفها بالشبابية ، و أشاهد بحسرة كيف قبل معظم الشعب ذلك ، و لكن ليفخر حزب كل مصر بأنه رفض و كشف هذا الخداع من بدايته .
إنني لا أكتب هذا المقال من أجل مراجعة الماضي و معرفة من المسئول عن هذا الفشل المروع الذي نعيشه الآن و حسب ، و لكن أيضاً أكتب اليوم ، صباح الأحد العشرين من نوفمبر 2011 ، لكي أحمي الحاضر و المستقبل ، و حتى لا يُلدغ الشعب من السلطة بنفس الخدعة مرتين ، خاصة أن السلطة يبدو إنها قد أعجبتها اللعبة ، و تريد أن تستخدمها في المستقبل ، بصناعة أبطال شباب جدد ، كذلك الشاب المدون الذي قبضت عليه الشهر الماضي .
التهمة التي بسببها تم إعتقاله ، و كما كتبت السيدة الفاضلة خالته في صحيفة الجارديان البريطانية - و هي الصحيفة التي أصبحت بمثابة جريدة قومية مصرية من كثرة من يكتب فيها من كتاب السلطة - أقول أن تهمته هي أنه إقترح أن تكتب الثورة دستور جديد .
لكن أليس هذا أمر قديم ؟؟؟ ألم يكن حزب كل مصر هو الأول في ذلك الميدان ؟؟؟
أرجو مراجعة مقالات لشخصي البسيط حول هذا الموضوع ، و منها مقال : الثورة هدم و بناء ، و علينا أن نهتم بالعمليتين ، كتب و نشر في التاسع من مارس 2011 ، و مقال : دستور جديد ، دستور 2012 ، هذا هو المطلب ، كتب و نشر في العاشر من مارس 2011 ، و مقال : على الثورة أن تقدم دستورها البديل ، أو مشروع دستور 2012 ، و كُتب و نشر في الثالث عشر من مارس 2011 ، فما هو الجديد الذي أتى به ذلك الشاب ، و أستحق به هذه الضجة ؟؟؟
لا جديد ، فقط السلطة أرادت صناعة بطل شاب أخر ، تعزز به ذخيرتها من الأبطال العملاء على مستوى الشباب ، و كانت تريد أيضاً التغطية على مذبحة التاسع من أكتوبر ، و لهذا خرجت المظاهرات من أجله ، بينما لم تخرج تظاهرة واحدة معتبرة من أجل إدانة مذبحة التاسع من أكتوبر 2011 ، أو من أجل إلغاء قانون الطوارئ ، أو من أجل تصحيح قانون الإنتخابات و جعل القوائم تتنافس على المستوى الوطني ، كما طالبت نيابة عن حزب كل مصر في مقال : نصف بالقائمة و نصف بالفردي ، و كتب و نشر في السابع عشر من مارس 2011 .
إحباط لعبة السلطة سهل ، و ذلك برفض التصنيف و الإحتكار ؛ برفض تصنيف الثورة أي تصنيف ، سواء عمري ، أو أيديولوجي ، أو أي تصنيف أخر ، و برفض أن يحتكر الثورة أي تنظيم ، أو تنظيمات ، لهذا يرفض حزب كل مصر إقتراح أحد الدعاة إنشاء مجلس قيادة للثورة .
الأفضل للثورة أن تكون مرنة في قيادتها ، أي بلا قيادة محددة ، و يمكن في هذا الشأن مراجعة مقال سابق لشخصي البسيط ، علقت فيه على نجاح الثورة التونسية ، بعنوان : ثورة لا تُمنع و لا تُخمد ، كتب و نشر في السادس عشر من يناير 2011 .
الأفضل للثورة ، في مواجهة نظام خبيث كالذي نواجهه ، أن تظل بلا قيادة محددة ، بل تيارات و أحزاب و تنظيمات ، تنسق و تتعاون قياداتها ، فلا يَسهُل على السلطة إختراقها ، أو تطويعها ، سواء بإختراق مجلس قيادتها ، أو بتنصيب قيادة من طرفها كما حدث في المرحلة السابقة على التاسع من أكتوبر 2011 حين هيمن شباب العمالة و الخيانة على الثورة و قادوها عمداً للفشل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غانتس يستقيل من مجلس الحرب الإسرائيلي ويطالب بانتخابات مبكرة


.. بعد الهزيمة الأوروبية.. ماكرون يحل البرلمان ويدعو لانتخابات




.. تباين المواقف حول مشروع قانون القتل الرحيم للكلاب الضالة في


.. استشهاد فتى برصاص الاحتلال في مخيم الفارعة بطوباس




.. ما تداعيات استقالة غانتس على المشهد السياسي بإسرائيل؟