الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلاميون والليبراليون واستحقاقات التحول الديمقراطي

علاء النادي

2011 / 11 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



من اللافت جدًّا في خطاب الفرقاء من القوى والنخب السياسية في دول الربيع العربي إعلاء قيمة المطلب الديمقراطي في الخطاب المعلن. فقلما تطالع أحاديث هذه القوى والنخب وقياداتها وكوادرها وتجدها خالية من طرح الديمقراطية كهدف وقيمة أساسية يرى كل فريق أنه حريص عليها، وأن كل ما يبذله من جهد في المدار السياسي إنما يهدف إلى تسهيل الولوج إلى الطريق الديمقراطي وضمان ثبات وترسخ منظومة القيم الديمقراطية في المشهد السياسي والمجتمعي.
المفارقة أن هذا اللافت السابق لا يصمد أمام التحليل الموضوعي لسلوكيات ومواقف هذه القوى التي تتحول كل مواقفها بالأخير وعلى صعيد المآل العملي إلى إعاقة السير في المشروع الديمقراطي، ووضع عراقيل وعقبات كؤود من شأنها أن تؤخر كثيرًا من الانطلاق الجاد صوب المشروع الديمقراطي.
الإسلاميون والليبراليون صارا عنوانًا لهذا التجاذب الحادث في ساحات الربيع الربيعي، فكلاهما يدعي وصلاً بالديمقراطية وحرصًا عليها ويبرر كل موقف من قبله يؤدي إلى التشنج السياسي والجمود في المسار بحجة أن ذلك إنما يتم بوازع الدفاع عن الديمقراطية وصيانة مشروعها من الاختطاف وتعطل مساره، والانحراف ببوصلته. والحق أن كلا المعسكرين يتحمل قدرًا من المسؤولية في المردود المخيب للآمال والخاص بتسريع وتأئر التحول الديمقراطي.
فالإسلاميون بكافة فصائلهم تصدر عنهم مقولات تثير المخاوف والريبة بشأن إيمانهم الجاد بقيم المشاركة والتداول والحوار، فبين الفينة والأخرى يخرج من هذا القيادي وذاك المتحدث ما يشير إلى أن كل تلك القيم المعني بها القوى الملتزمة بالضوابط والمحددات والثوابت الإسلامية وهو غموض يثير القلق أكثر مما يبعث على الطمانينة. وإذا كان من مطلب يقابل به الإسلاميون هنا فهو ضرورة الافصاح المبين والقطعي عن هذه الثوابت، وهل هي ثوابت العقيدة التي طالب بها بعض الكتاب والمفكريين الإسلاميين، وبالمناسبة هي ثوابت لن تجد ممانعة في القبول بها من كل ألوان الطيف السياسي على الساحات العربية، أما تعدية نطاق الثوابت ليشمل الشريعة فإنه سيجعل كل حديث عن التداول والقبول بالآخر أمرًا عسير التصديق.
إن هذا الحديث عن الثوابت معناه عدم القبول بجل الأحزاب الليبرالية واليسارية التي تعارض على سبيل المثال تطبيق العقوبات الجنائية أو ما يصطلح على تسميته بالحدود، كما أنها ترفض ما يعده الإسلاميون ثوابت في المجال الاقتصادي. ولأن التعددية لا تقوم في فراغ ولا تطبق على عوالم في الخيال الظني بقدر ما تتأسس على وعي موضوعي بالقوى الموجودة على الأرض وما تؤمن به من أفكار ورؤى، فإن هذه التعددية من قبل القوى الإسلامية لن تكون في الأخير سوى تعددية إسلامية تشمل تحت مظلتها الأحزاب والتيارات المؤمنة بالمشروع الإسلامي مع اختلاف في التفاصيل وبعض الرؤى أما غيرها من قوى فإنها ستجد نفسها غير مشمولة في الحاصل النهائي بهذا السقف الموضوع للتعددية.
ثقافة وقيم الديمقراطية تحتاج إلى الكثير من المجهودات من قبل الإسلاميين حتى تتثبت بشكل قطعي في الوعي الجمعي لجماهير الإسلاميين ومحازبيهم. وتكريس هذه القيم لا يمكن الادعاء بأن تحصيله سهل المنال، وأن الخطاب السياسي وحده كفيل بتحقيقه خاصة وأن قطاعات كبيرة من جمهور الإسلاميين ومناصريهم تستبطن أن بعض مفردات الخطاب إنما هي من لوازم السياسة وضرورات الانخراط في المشهد، وأنها من قبيل المحظورات التي تلجئ إليها الضرورات.
ينافح الإسلاميون ببسالة عن الديمقراطية في زمن الربيع العربي، وهو أمر محمود بلا شك، لكن الأكثر جدوى أن تصل رسالة الخطاب الإسلامي جلية إلى الجماهير المؤازرة بأن ذلك الدفاع ليس محض موقف ظرفي مقرون بالفرصة السياسية والغُنم الحزبي الذي يلوح في الأفق، بقدر ما هو دفاع مبدئي وأصيل عن قيم المشروع الديمقراطي والاستعداد للبذل المجرد من أجله حتى ولو كانت الفرص السياسية التي يلوح بها الأفق في غير صالح الإسلاميين.
العمل على تثبيت هذه القيم وإدماجها في العملية التربوية والتثقيفية في محاضن الإسلاميين ستكون أحد أهم الضمانات حينما توضع القوى الإسلامية على المحك في يوم، وتختبر عمليًّا في صدق أفكارها ورؤاها، فعبور هكذا منعطفات لن يكون ميسورًا ما لم يكن الإعداد له تربويا وثقافيا قد تم التدرب عليه واستلهامه وتمثله ثقافيًّا، ساعتئذ ستكون القوة التنظيمية والحشدية عنصر مساعد على النجاح في الاختبار الديمقراطي عوضًا عن أن تكون عنصرًا ضاغطًا يدفع باتجاه الرسوب والسقوط في المحكات التاريخية الكاشفة.
يحتاج الإسلاميون إلى الوعي بأن مشروعهم السياسي وما يؤمنون به من أفكار ورؤى لن يمر نجاحها المستديم والمستقر إلا من خلال ترسيخ دولة الديمقراطية والحريات أولاً، وهي أهداف ومستلزمات تتقدم على المشروع السياسي الخاص بتحقيق مفردات الدولة الإسلامية كمثال واقعي ونموذج معاش في مراحل التطور التاريخي في حياة الأمم والشعوب كتلك التي يمر بها أكثر من بلد عربي الآن، تكون مستلزمات التوافق وبناء المشروع الوطني الذي يتشارك فيه الجميع مقدمة أساسية وركيزة يستحيل بدونها تحقيق اشتراطات الإقلاع الحضاري وتدشين أساسات المشروع التنموي.
من جديد ربما تثار ثنائيات الحرية والشريعة وأيهما يسبق في سلم الأولويات، ويخطئ كثير من الإسلاميين كثيرًا حينما يقدم الشريعة وكأنها وبالحتم متعاكسة مع الحرية، فالحرية هي الأساس، وفضاؤها هو الكفيل بتوفير المناخ الصحي للإسلامي لكي يقدم البراهين على أن مشروعه إنما يحقق شرعيته من خلال الرضا الجماهيري وعبر التدافع السياسي في أجواء مفعمة بالحرية وبعيدة عن كل ألوان الضغوطات والإكراهات.
إن قيام الإسلاميين بدورهم في الوفاء بمسؤوليات استحقاقات التحول الديمقراطي يتطلب من القوى الإسلامية التريث وعدم الاندفاع حول الكسب السياسي الذي تظهر إرهاصاته في الأفق، بل والتضحية ببعض المكاسب السياسية وتقديم قدر من التنازلات ليس لصالح قوة بعينها أو تيار بذاته، وإنما تنازلاً لصالح المجموع الوطني والمساهمة في تحقق مناخات آمنة وصحية للتحول الديمقراطي.
من حق الإسلاميين أن يؤمِّنوا حضورهم المستقبلي وقد عاشوا ردحًا من الزمن في ظلال التغييب والتهميش وطالتهم حالة من الإقصاء والنكران، لكن ذلك يجب أن يصاحبه وعي ملازم بأهمية حضور الآخر كشريك رئيس بدونه لا تستقيم المعادلة.
لا نقول بتعادل أوزان الهموم وأشكال تأمين الحضور هنا، لكن نقول بتناسبها وعدم اتساع الهوة بين المحددين بحيث يسهل لدى الناظر رؤية أحدهما ظاهرًا جليًّا، فيما يكل البصر وهو يحاول جاهدا رؤية ذلك المحدد المتواري في مصفوفة الوعي والاهتمام وأجندة الأولويات.
نصيب الإسلاميين من المسؤوليات المغيبة والوفاء بالاستحقاقات المطلوبة للمنجز الديمقراطي يقابله وبذات القدر مسؤولية واستحقاق من قبل الليبراليين بشكل رئيس. فالملاحظ أن كثيرًا من الأحزاب والتكوينات والنخب الليبرالية في دول الربيع العربي استبدت بها الهواجس من صعود الإسلاميين، وجرفتها المخاوف إلى الحد الذي ترجح معه لهذه الكيانات العيش في كنف العسكر وإطالة أمد وجودهم في السلطة طالما أن ثمن ذلك هو تعطيل الإسلاميين عن الإمساك بمفاصل الدولة وملامسة دواليب الحكم.
لقد بالغت بعض القوى الليبرالية في الحديث عن ضمانات وجودها ومسوغات تأمين حضورها في المستقبل إذا ما حكم الإسلاميون، إلى الحد الذي أصبح معه الحديث يتم عن محاولة نفي الآخر وتقليل فرصه وتقليم حظوظه أكثر من الحديث عن الضمانات والشروط الموضوعية لتحقيق مناخ تعددي يوفر للجميع مناخات الوجود والعيش المشترك بعيدًا عن مناخات الإبعاد والإقصاء.
من الفحش بمكان أن يغامر ليبرالي بالتضحية بالديمقراطية والاستعداد للمساومة عليها إذا كانت في تجلياتها السياسية ستقود إلى تواجد الإسلاميين بالسلطة. فذلك فوق ما به من عوار أخلاقي يكشف عن صعف في القدرات والثقة بالنفس والتواجد الفاعل والنشط داخل التركيبة المجتمعية، لا مجال للخوف من الإسلاميين طالما أن أبواب التنافس ستكون مشرعة ومحطات التداول ستكون متكررة.
إن جل اهتمام الليبراليين لا ينبغي أن ينحصر في وضع العقبات أمام الإسلاميين ومناكفتهم بقدر ما يتوجب عليهم الدخول في حوار معمق وتكوين شراكات من أجل ترسيخ قواعد المشروع الديمقراطي، بعد ذلك لا يهم من يربح في التنافس السياسي ومن يخسر طالما أن ذلك في إطار من الشفافية وفي إطار من الاختيار الشعبي الحر وفي مناخات مستقرة توفر فرص التداول والتعاقب.
لم يعد من المبالغة القول بأن الساحة السياسية والمجتمعية في بلدان الربيع العربي تفتقد تلك الكتلة الديمقراطية التي تجعل من الديمقراطية هدفًا أساسيًّا لها وليس مجرد مشروع سياسي، وهو مؤشر لا يبعث على كثير من التفاؤل بشأن التحول الديمقراطي الناجع، فالديمقراطية لا تبنيها المشاريع السياسية الفئوية والحزبية، ولا تتأسس وتبني قواعدها عبر التنافي والإقصاء. الديمقراطية تحتاج ديمقراطيين أصلاء يعملون عبر التوافق لشق مجراها وتمهيد الطريق أمامها والوفاء بمستلزماتها حتى تتحول إلى منجز مجتمعي يحيا الجميع في ظلاله وينعم بمكتسباته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا


.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا




.. الاحتلال الإسرائيلي يقصف المدنيين شرقي وغربي مدينة رفح


.. كيف تناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية عرض بايدن لمقترح وقف حر




.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا