الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعطوبون من الناس

نارت اسماعيل

2011 / 11 / 20
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


بعض الناس عاشوا حياتهم في ظل الاستبداد فلم يعرفوا معنى الحرية، ولم يتذوقوا طعم الكرامة
تعايشوا مع الاستبداد، أصبح جزءآ أساسيآ من حياتهم، صار نسيجآ من أنسجتهم، وفقدوا القدرة على العيش أحرارآ
أصبحوا يرتعدون خوفآ أن يجدوا أنفسهم فجأة أحرارآ، أو أن يعيشوا بدون قائدهم الفذ، الرمز،الملهم، له الأسماء الحسنى، والذي لا يأتيه الباطل من خلفه ولا من أمامه ولا من بين قدميه، وأنهم سوف يعيشون بعد الآن من دون رئيس يقرر عنهم ماذا يأكلون، وماذا يلبسون، وماذا يشاهدون على التلفزيون، وما ذا يقرؤون في الصحف
يشعرون أنهم بدون رئيس مستبد سوف يصبحون أيتامآ، عراة، مشردين، لذلك تجدهم يحاولون بكل ما يستطيعون من قوة أن ينالوا من سمعة المجلس الوطني الانتقالي السوري وخاصة رئيسه السيد برهان غليون، ويتهمونه بالعمالة والخيانة وتلقي الأموال والدعم من الخارج
كل ذلك لأنه وعدهم بوطن حر، وطن ديموقراطي تعددي، يعيش فيه الناس بكافة أطيافهم أحرارآ متساوين، وطن تسوده روح القانون والعدل والمساواة
إذا ذهب إلى مؤتمر، يزعقون: هل رأيتم؟ برأيكم من يدفع له ثمن التذاكر؟
إذا بدّل بذلته يصرخون: هل رأيتم كيف يبدل بذلاته؟ هل سألتم أنفسكم من أين يأتى بالمال ليشتري هذه البذلات؟
الرجل أستاذ في جامعة السوربون منذ مدة طويلة ويستكثرون عليه أن يمتلك بذلتين عاديتين!
إذا تباطأ جزءآ من الثانية بين كلمتين في خطابه، يتهكّمون عليه: هل تريدون أن يحكمنا رئيس متلعثم لا يعرف إلقاء كلمتين مع بعضهما؟
يتناسون أنه رجل أكاديمي على درجة عالية من العلم والثقافة والخبرة وعنده مقدرة خطابية مميزة، ويكفي أنه إنسان وطني ومن خارج تلك الزمرة الحاكمة الفاسدة، بنى نفسه بعلمه وتعبه وليس بمنحة وراثية
إذا ذهب إلى تركيا، يقولون: ما شاء الله، يريد إعادتنا للخلافة العثمانية تحت حكم السلطان أردوغان
إذا ذهب إلى قطر، يتفلسفون: يا سلام، هذا ما كان ينقصنا، يريد أن تحكمنا الشيخة موزة
وماهي المشكلة أن تحكمنا موزة؟ أليست أفضل من أن يحكمنا أسد أو فهد أو ضبع أو قذاف الدم؟
هؤلاء الناس معطوبون، لم يعودوا يستطيعون العيش بدون استبداد، ضمرت عيونهم من الظلام وصاروا مثل الخفافيش لا يحتملون نور الصباح، ضمرت عقولهم لعدم الاستعمال، ضمر ضميرهم، وضمر إحساسهم، ضمر كل شيء فيهم ولكن لم تضمر ألسنتهم بل استطالت وتضخّمت لأن صراخهم وزعيقهم لم يتوقف على نسائهم وأطفالهم وجيرانهم تعويضآ على صمتهم المطبق في حضرة قائدهم المبجّل
أعتقد أن أفضل وسيلة لإسكات هؤلاء المعطوبين هي أن يخرج عليهم برهان غليون ويصيح بهم مزمجرآ:
أيها البقر، أيها العبيد
أنا برهان غليون، أنا ربكم الجديد
سوف تطيعوني، سوف تعبدوني
لا أقبل أن يرفع أحدكم رأسه في حضرتي، أو ينظر في عيوني
سأبني لكم فروعآ أمنية جديدة
وسأذيقكم من صنوف العذاب والأهوال ما لم تسمعوا به في حياتكم
أعيدوا عقارب الساعة إلى الصفر، سيبدأ التاريخ من هذه اللحظة المجيدة
لا ماض لكم ولا تاريخ
أنا التاريخ، وأنا الجغرافيا، أنا الحاضر والماضي والمستقبل
أنا كل شيء وأنتم لا شيء
أديروا قبلتكم باتجاه قصري
امشوا كما أمشي، اضحكوا مثلما أضحك، وتعطروا بمثل عطري

أعتقد أنه بعد مثل هذه الخطبة المجلجلة سوف يرتاح هؤلاء المعطوبون وسيشعرون بالاطمئنان والسكينة وترتاح نفوسهم ويزول قلقهم، سيدركون أنهم لن يتركوا لوحدهم، ولن يصبحوا أيتامآ مشردين، بل هناك من سيستمر بالدعس على رقابهم وتكسيير رؤوسهم الفارغة، وإهانتهم واحتقارهم صباحآ ومساء
سيخرجون إلى الشوارع في اليوم التالي فرحين مهللين وكل واحد يضع غليونآ في فمه وهو يهتف:
بالروح بالدم نفديك يا غليون- بالروح بالدم نفديك يا غليون
الله وبرهان غليون وبس- الله وبرهان غليون وبس

لا أمل بإصلاح هؤلاء المعطوبين، أملنا الحقيقي هو بالجيل القادم، جيل سوف يولد ويترعرع في وطن حر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل بالإمكان إبدال موروثات متعاقبة من الخطأ ؟
الحكيم البابلي ( 2011 / 11 / 21 - 17:12 )
الصديق نارت اسماعيل
تقول في السطر الأخير من مقالك : ( لا أمل في إصلاح هؤلاء المعطوبين ، أملنا الحقيقي هو في الجيل القادم ، جيل يولد ويترعرع في وطن حر ) إنتهى
لهذا أخي العزيز تجد أن نظرة بعضنا للأمور (الربيعية) الجارية اليوم في بعض مناطق وطننا الكبير هي نظرة تشاؤم تفتقر إلى الحماس والشوق المفروض تواجده عند قدوم الربيع !، وليس السبب هو وقوفنا مع الحاكم الظالم الممسوخ ، بل عدم ثقتنا بالثوار الذين سيكتفون بتبديل الوجوه فقط .. كالعادة ، لأن تبديل ما في النفوس في مجتمعات قمعية عمرها 1400 سنة لا يحدث في يومٍ وليلة وعلى طريقة -كُن فيكون- ، كوننا نتاج مجتمعات قمعية ، ومحاولة العيش في أجواء الحرية يحتاج إلى ممارسات أجيال متعاقبة عرفت ومارست تنفس الحرية ، ولم تُدمِر بنيتها التحتية تقاليداً موروثة متسوسة نخرت العقل المفكر فأضحى عقلاً مُبرِراً
مع هذا فأنا اؤمن بقولك السابق من أن التجربة أحسن من العيش في الظلام ، وأقول لنفسي أحياناً : قد نُجرب ونفشل ، ثم نُجرب ونفشل ، ثم نُجرب مرات ومرات ومرات إلى أن ننجح ، لإننا لا نملك اليوم خيارات كثيرة كما يعتقد البعض الحالم
تحياتي وشكراً لتفاؤلك الدائم


2 - أخي العزيز الحكيم البابلي
نارت اسماعيل ( 2011 / 11 / 21 - 18:19 )
أنا هنا أتكلم عن فئة معينة من الناس ونحن نعاني منهم لأنهم معطوبون ولا نستطيع تغيير قناعاتهم رغم كل الحجج والبراهين ولكنهم لا يمثلون الغالبية من الشعب السوري
بشكل عام أنا متفائل ولكني قد لا أعيش لأرى سوريا دولة مدنية ديموقراطية كاملة ولكني متأكد أن أولادي سوف ينعمون بها
كل التحية والتقدير لمشاركتك بالحوار


3 - أخي العزيز الحكيم البابلي
نارت اسماعيل ( 2011 / 11 / 21 - 18:20 )
أنا هنا أتكلم عن فئة معينة من الناس ونحن نعاني منهم لأنهم معطوبون ولا نستطيع تغيير قناعاتهم رغم كل الحجج والبراهين ولكنهم لا يمثلون الغالبية من الشعب السوري
بشكل عام أنا متفائل ولكني قد لا أعيش لأرى سوريا دولة مدنية ديموقراطية كاملة ولكني متأكد أن أولادي سوف ينعمون بها
كل التحية والتقدير لمشاركتك بالحوار

اخر الافلام

.. الحوثيون يستهدفون سفنا جديدة في البحر الأحمر • فرانس 24


.. الشرطة القضائية تستمع إلى نائبة فرنسية بتهمة -تمجيد الإرهاب-




.. نتنياهو: بدأنا عملية إخلاء السكان من رفح تمهيدا لاجتياحها قر


.. استشهاد الصحفي سالم أبو طيور في قصف إسرائيلي على مخيم النصير




.. كتائب القسام تستهدف جرافة إسرائيلية في بيت حانون شمال غزة