الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلا شباب الثورة!

إكرام يوسف

2011 / 11 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


كنت أشرح لمراسل أجنبي أن كلمة "ائتلاف" معجزة هذا الجيل، وإنجازه الحقيقي. وأنه أدخل في الوعي المصري والعربي، ثقافة التوافق ـ بين تيارات مختلفة أيديولوجيا ـ على إنجاز هدف مرحلي.. ثقافة أسميتها قبل عام من الثورة "الثقافة المنسية"، الغائبة عن مجتمعات حوصرت قرونًا بين عبارتي "أحبك إلى الأبد"، أو "غضبان عليك ليوم الدين"! وقلت له إن مصر لم تشهد في العصر الحديث سوى محاولتين للعمل الجبهوي، لم يكتب لأي منهما الاكتمال: الأولى، "الجنة الوطنية العليا للعمال والطلبة" عام 1946، والثانية "حركة كفاية" في عام 2004 .. لكن هذا الجيل، نجح في صياغة عمل جبهوي حقيقي، حقق انتصارًا أبهر العالم!
وأكدت له إن الفضائيات، والإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي من أسباب اتساع أفق هذا الجيل عن جيلنا في سبعينيات القرن الماضي؛ عندما كان يكفي أن يختلف اثنان من نفس الفصيل السياسي حول موقف بعينه، فتتطاير بينهما عبارات التخوين والاتهامات بالعمالة للأمن! ولم يكن مألوفا بالطبع، وجود للود مع الاختلاف في الرأي، ناهيك عن الاختلاف في التوجه الأيديولوجي! غير أن الرجل ألمح إلى تراجع هذا التوافق بين الثوار حاليًا. وكان محقًا للأسف!
فمع انتهاء الجولة الأولى من الثورة المصرية برحيل المخلوع وأهم رموز نظامه، تفرق الثوار بين أحزاب سياسية توافق توجهاتهم المختلفة. وهو أمر طبيعي، لأنهم ينتمون لتيارات سياسية وأيديولوجيات متباينة. وكان المتوقع أن ينقلوا خبراتهم في العمل الجبهوي، والتنسيق على أساس اتفاقات الحد الأدنى، إلى انتماءاتهم الحزبية. ولكن، يبدو أن سيطرة قيادات من جيلنا على هذه الأحزاب، بقدر ما كان له من إيجابية نقل خبرات وتجارب نضالية، امتلكتها قيادات ناضلت بإخلاص منذ أكثر من ثلاثة عقود، وقدمت تضحيات، لا يمكن الاستهانة بها، وساهمت في تراكم الوعي النضالي والتبشير بالثورة حتى تسلم رايتها الأبناء؛ نقلت معها أيضا عدوى أمراض الحلقية والشللية، وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة، ومعاداة الآخر،واستسهال التشهير به!

ولا أظنني أذيع سرًا ، عندما أزعم أن قطاعا كبيرا من أبناء جيلنا كان أصوليًا تكفيريًا ـ إلا من رحم ربي ـ بصرف النظر عن انتمائه الأيديولوجي؛ منهم الماركسي الأصولي، والليبرالي الأصولي، وأعضاء التيار الديني الأصولي. وصارأغلبهم عبدة للنصوص والأدبيات القديمة، وأغلقوا باب الاجتهاد حتى على المتفقين معهم في الأيديولوجية، ورفضوا أي تفكير مجدد، واعتبروه تحريفًا أو تجديفًا. وبات الانتصار للأيديولوجية أهم من الانتصار لمصالح الناس والوطن، وتماهى تعصب الواحد منهم لأصول النظرية مع تعصبه لذاته. فتجده يهاجم خصومه، بشراسة أشد مما لو كانوا يهددون وجوده شخصيا.

وجاءت أولى معارك الخلاف بعد الثورة، مع الاستفتاء على التعديل الدستوي، حيث حوَّله أصحاب تيار الإسلام السياسي إلى معركة طائفية، لينقسم الثوار إلى مؤيدين لمشروع الدولة الإسلامية، ومطالبين بالدولة المدنية. بعدما كان الجميع أثناء الثورة ينضوون تحت هوية موحدة: مصريين، فحسب!
ومع الدعوة للانتخابات البرلمانية، تندلع ثاني أهم المعارك بين الرفاق. وينقسم الجمع: بين رافض للمشاركة في الانتخابات على أساس أن مهام الثورة لايمكن إنجازها إلا عبر النضال في الشارع، وقبول خوض الانتخابات في هذه الظروف يضفي شرعية على المجلس العسكري الحاكم؛ وبين من يعتبر هذه الانتخابات فرصة لاستكمال دور الثوار، بنشر الوعي ونقل رسالة الثورة إلى مختلف ربوع الوطن؛ ويرى في الامتناع عن المشاركة تخاذلا، يترك الساحة للفلول، وأعداء الثورة، أو من يطمعون في ركوبها وحرف بوصلتها.
وسرعان ما اعتبر الرافضون للانتخابات موقفهم هو المبدأي، وانهالت الاتهامات على المشاركين بأنهم يساهمون في إجهاض الثورة، ويخونون دم الشهداء، ولم يكن ناقصًا إلا إهدار دمهم أو تطبيق الحد عليهم!
وكان المفترض أن يبذل الرفاق بعض الجهد للتفاهم حول الموقف من الانتخابات، من دون أن يتعصب كل طرف لرأيه، أو يدعي أنه يملك وحده مفاتيح الحكمة والموقف الصحيح.. فإما التوصل إلى موقف موحد، أو الإقرار بالاختلاف في وجهات النظر؛ على ألا ينسى الجميع أن الثورة مازال أمامها طريق طويل، يتطلب المحافظة على وحدة الصف. وليمتنع عن خوض الانتخابات من رأى أن هذا الموقف هو الصحيح، ويشارك من أعتبر أن المشاركة موقف إيجابي. على أن يستمر التعاون فيما دون ذلك؛ خاصة وأن أيا من الطرفين لا يستطيع الادعاء بأنه الأكثر حرصا على الثورة، أو أنه صاحب الفضل الوحيد في الدعوة إليها وتنظيمها، ونجاحها. وبالأحرى لا يستطيع أي منهما أن يدعي لنفسه الوطنية والمبدأية وينزعها عن الآخرين.
وحتى من اختاروا طريق المشاركة في الانتخابات، كان المفترض أن يتم التنسيق بين الأحزاب التي ضمت بين صفوفها الرموز الشبابية للثورة. ولكن سارت الرياح بما لاتشتهي سفن الوطن.. وبدلا من أن ينقل الشباب إلى قياداتهم الحزبية ـ و جميعها من جيلنا للأسف ـ روح الائتلاف، نقل الكبار إلى شبابنا أمراض الزعامة، والحلقية، والتعصبات الحزبية، لمجرد الانتصار للنفس: فإذا بنا نرى نزاعًا بين الأحزاب على ترتيب الأسماء في القوائم الانتخابية؛ كما لو كان الأهم هو الانتصار لأشخاص، وليس لمصلحة الوطن. والأدهى أن يتولى الكبار من قيادات الأحزاب دفع شباب الثورة للترشح أمام رفاقهم في نفس الدوائر! فإذا بالشباب الذين واجهوا الموت والأهوال معًا، و كل منهم لا يطمع إلا في انتزاع الحرية للوطن مهما كان الثمن؛ يتصارعون مع بعضهم البعض على الزعامة ومقعد البرلمان!
لم يكلف الكبار في الأحزاب أنفسهم عناء التنسيق، والمحافظة على روح الائتلاف بين الشباب. وارتضوا ـ معتقدين أنهم يصنعون خيرًا ـ العمل على انتزاع هذه الروح، وغرس روح المنافسة و الزعامة وإعلاء مصلحة الذات والحزب على ضرورة توحيد الصفوف، حتى لو اضطروا للتحالف مع خصوم لضرب الرفاق، والفوز بمقعد في البرلمان!
ولأنني أؤمن بصدق نية أبناء جيلي، من دفعوا أثمانا باهظة متشبثين بحلم الثورة الذي حلمنا به سويا، وناضلنا من أجله، على اختلاف رؤانا ومواقعنا، حتى تحقق على أيدي الأبناء؛ أجدني مدفوعة لأن أتوسل إليهم أن يرضخوا لقانون الحياة، ويعترفوا بأن جيلنا ـ بكل ما له وماعليه ـ آن له أن يترك دور القيادة لمن يستحقونها، ويجنبهم عدوى أمراضنا.. ارجوكم..إن لم تستطيعوا أن تتعلموا منهم ثقافتهم الجديدة، ارفعوا أيديكم عن جيل الثورة!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السنوار ونتنياهو يعيقان سياسات بايدن الخارجية قبيل مناظرة ان


.. خامنئي يضع قيودا على تصريحات مرشحي الرئاسة




.. يقودها سموتريتش.. خطط إسرائيلية للسيطرة الدائمة على الضفة ال


.. قوات الاحتلال تنسحب من حي الجابريات في جنين بعد مواجهات مسلح




.. المدير العام للصحة في محافظة غزة يعلن توقف محطة الأوكسجين ال