الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهجنة، إندثار الهوية والأصل وغجرية الأزمنة القادمة...

إسماعيل مهنانة

2011 / 11 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


.
يرى الكثير من مفكّري ما بعد الحداثة، أن مقاومة المسخ الكوني الذي تمارسه العولمة على الخصوصيات الثقافية والاجتماعية، لا تكون بالتأكيد على عنصر الهوية، والتعصب لها، لأن ذلك سيؤدي إلى المزيد من التعصّب المضاد؛ وإنما بانفتاح الهوية على بقية الهويات، وفتح مسارات الهجنة الثقافية على مصراعيها، وفي الاتجاه نفسه، يجب ممارسة النقد على الهويات الماهوية؛ والتي تزعم أنها تتأسس على جوهر ميتافيزيقي متعالي على التجربة التاريخية، وهو أدى دوما إلى السقوط في خطاب العنصرية، والصفاء العرقي.
ينبغي على الفكر الحرّ في عصرنا متابعة، كل تناقضات خطاب الهوية المتعالية، مزاعمه، وأبعاده السياسية والثقافية والفلسفية، كما يجب الدفع بإشكاليات نظريات الحداثة البعدية في تفكيك ميتافيزيقا الهوية نطرح نظرية "الهجنة" والتوليد Hybridityالتي ابتكرها المفكر الأمريكي/الفلسطيني إدوارد سعيد، ولم يسعى إلى تطوريها، ومفادها أن الهوية ليست معطى طبيعي أو متعالي يتقوم بوحدة الأصل أو الأب، بل تكونت على مرّ العصور من مشارب كثيرة ومتعددة، مجهولة في أغلبها، وكل معطيات الانثروبولوجيا والإثنولوجيا تثبت ذلك، كما أن قصة الأب المشترك هي أسطورة توراتية كررتها أغلب الشعوب فيما بعد، وهي سردية عنصرية تقوم على احتقار الآخر.
وللذهاب بعيدا في هذا الطرح نناقش هنا المسألة على عدة مستويات، فمن الزاوية الدينية/النصية نكشف كيف تنبني فصة الأصل والأب المشترك في النص الديني بحيث تدور على حبكة واحدة هي إقصاء الآخر وتحقيره للرفع من شأن الذات، كما نفكك فلسفيا مفهوم الهوية بوصفه مفهوما ميتافيزيقيا، وعلى المستوى السياسي سنرى أن العنصر السياسي/السلطوي يتورط بعمق في بنية أية هوية، وهو ما أسميناه سياسات الهوية، والتي نجد أن عالمنا المعاصر يشهد أكبر حملات تسييس الهويات وتوجيهها حسب معطيات السياسة والإيديولوجيا، كما نضع فرضية الهجنة على محك المعطيات الديموغراية والاثنوغرافية التي تبين أن شعوب العالم تتجه دوما إلى المزيد من التهجّن والتوليد.
يأتي فكر الهجنة إذن كتجاوز/كسر لهذه الحلقة الخطابية المغلقة التي يدور في فلكها الفكر الهووي، إنها قفزة خلف تخوم الصمت، نحو أفق الاختلاف حيث يغدو الإنسان مواطنا عالميا دون أن يفقد شيئا من فرديته واستقلاله، بل هي انتصار للمجتمع المفتوح على أعداءه /كارل بوبر/، وحده فكر الهجنة ـ حسب سعيدـ يمكن إنسان العولمة، هذا الإنسان الأخير، من تجاوز تلك البقايا الامبريالية التي لا تفتا تعود تحت أقنعة كثيرة: حوار الحضارات، صدامها، نهاية التاريخ ...فهي أشبه بمسودات كانت خفية لمستندات المشروع الامبريالي، أعيد سحبها وتجريبها بعد افتضاح المدونة الأصلية، أو ما يسميه فرويد ببقايا حلم (امبريالي) يعيد بناء ذاته في شكل عودة اضطرارية للمكبوت.

لم يكن للهوية أي دلالة إيديولوجية قبل عصر أفلاطون الذي يمثل لحظة الأفول في الحضارة اليونانية، فقد بدأت الهوية كخاصية للكائن الإنساني محايثة لمفهوم الروح كما ظهر لأول مرّة مع أفلاطون؛ في محاورة ألسيبياد Alcibiade باعتباره المبدأ الذي يؤسس مفهوم الإنسان، ولقد تطوّر مفهوم الروح، إلى (الشخص) مع أوغسطين، والوعي عند ديكارت، و(الأنا) حسب مع ما أعطاها روسو من دلالة، ومفهوم(الذات) الذي أبرزه كانط، ثم اكتمال ميتافيزيقا الهوية في (الروح المطلق) الهيجلي؛ أي أن تضخم مبدأ الهوية في كل هذه التشكّلات الميتافيزيقية؛ كان مصاحبا لصعود الدولة القومية الحديثة في أوروبا. والروح كوعي للأنا بذاته أي بهويته، أي الروح كشخصية، يتحدد ككلام متكلم ومصغٍ لكلامه في الوقت نفسه، إنه لغة متكلمة من خلال الإنسان، ومونولوغ داخلي، يبني هويته من خلال خطابه إلى ذاته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا