الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضع السر

مهدي بندق

2011 / 11 / 21
سيرة ذاتية


(1)

بيني وبينك السر الذي لا يباحُ .. لأن أحدا ً لن يصدقه . فدعيني أحظى بما وعدتْ عيناك : الجمال والرضا والقبول .. هاهو ذا الأمل يقر في قلبي وروحي ، وهو أمل حقيقي لا مجال للشك فيه . ومحال أن يكون هذا الأمل العظيم صادرا ً عن شيطان ماكر أو عن النفس الضعيفة التي قد تخترع السراب الوهمي لتُروى من ظمأ محسوس؛ ولو كان ذلك ما تبدى بكل ذلك الجمال لحظة انفتاح السر بيننا. إنما هو الأمل الذي يمثل نفحة من روح الله ورحمته التي وسعت كل شئ .
لو كنت أنا مجرد حاسوب مبرمج فيزيقيا وبيولوجيا مزودا ً بنظام نيورولوجي فائق القدرة مما يجبرني على أن أفكر بهذا النحو، لارتضيت وضعي هذا ولشكرت المبرمج على ما أوصلني إليه . بيد أن كلاما عن حاسوب له تلك المشاعر الفياضة لا ريب يحمل تناقضات أقلها أنه هو نفسه لا يشعر بأنه حاسوب ، بل إنسانا يعي ويدرك ويألم ويحب ويشكر خالقه الكريم الرحيم .
حين كنت معي جسدا ً يلامس جسدا ً كنت أشعر بالأمان ، وكنت تتركينني أرتحل – بكامل حريتي – ضاربا ً في سهوب الفكر وفيافي التصورات : لا يوجد مطلق في الكون ... اليقين وهم يصنعه الناس لكي يلوذوا به من عبث الوجود . .. لا شئ غير المادة ، والأفكار مجرد انعكاس لها ... الحزب الشيوعي وحده في يده الخلاص....الخ
لم تمنعيني قط بأية ذريعة ، ولم تحذريني قط من خطر الفصل من العمل ، أو الاعتقال ، أو حتى مقاربة جهنم في الآخرة عقابا ً على إنكار الإلوهية.... الخ ربما لأنك كنت تجسيما ً لفكرة الحرية ذات البهاء السرمدي . هكذا عشت في جوارك كائنا ً حرا ً مطمئنا ً.
بعد رحيلك عن جسدي – وآه من هذا الرحيل ومن آلامه - انتابتني لحظة رعب خارق نجمت عن مخايلة ربما مصدرها وجودي في هذا العالم الفاني ، مفادها أنني فقدت الاطمئنان ، لكنها كانت مجرد لحظة امّحت فور أن نظرتِ إلى ّ عبر ما تعرفين أنه سرنا المصون . قلت لي : اطمئن فأنا معك بروحي لم أغادرك ، وسأظل معك إلى أن نلتقي روحا ً وجسدا ً حيث يريد لنا الله القدير ، في الصورة التي يراها أنسب لنا .. لا مرض ولا ألم ولا شجار على توافه الحياة اليومية .
وهاأنذا أستعد لمواصلة العيش أرعى لك أولادك وأحفادك ، ومواطنيك ، والبشر جميعا ً بل وسائر المخلوقات التي تحس وتشعر . وهذا العيش الجديد هو فضل من فضلك ، وعطية من عطاياك ، فأنت كنت وما زلت وسوف تبقين كائنا ً ربانيا ً جميلا ً يعرف أن الماركسية هي أفضل الفلسفات الاجتماعية لحل التناقض بين رأس المال والعمل المأجور ، ولكنه يعلم أيضا ً أنها فلسفة ناقصة ، تحتاج إلى أن تجدل بغايات دين النبوة ( وليس دين الدولة ) فهل يمكن العثور على دين النبوة في التصوف ؟
سؤال ينتظر إجابة منك يا حبيبتي ، فمتى اللقاء المجدد لحوارنا ؟

(2)

في الفتوحات المكية يقول ابن عربي عن الحضرة الإلهية إنها ذات وصفات ، أما الإنسان فالذات لديه ضد على الذات الإلهية التي هي وجود مطلق ، بينما الذات الإنسانية عدم مطلق ، ولهذا تأتي الذات الإنسانية من العدم وتذهب للعدم ، لكن الإنسان قد يتشبه بصفات الإله فيماثله مماثلة الصورة للأصل ( ولعلى حين أحببتك يا امرأتي كل هذا الحب إنما كان ذلك بسبب مماثلتك لخالقك في الجمال والبهاء والطيبة ) هكذا تكلم ابن عربي .
وأما أنا فأقول إن العدم ممتنع إطلاقا ً فليس ثمة عدم مع الله . كذلك لست مستريحا ً لتلك الثنائية عند ابن عربي ، فأنا أقرب إلى ابن سبعين فيما قرره من وحدة الموجد بالوجود ، فالله هو الظاهر والباطن دون فصل بينهما ، ويتبدي الله ظاهراً في الطبيعة من نواة الذرة وما دونها إلى الإنسان الكامل ، وأما الباطن فلا ُيعرف في حد ذاته وإن اطمأن إليه قلب المؤمن وسلـّم بوجوده تسليما ً ، فالعلم والفكر واللغة وقوانين الكون جميعا ً لا تجد لها من مرجعية وتبرير سوي في الإيمان بالباطن الذي لا يعرفه سوى صاحبه . وإن تفكر فيه الإنسان واعيا ً أم غير واع . وما سبب رفع فاعل الجملة ؟ وما سر الأعداد ؟ومن أين تأتي قوة الجاذبية وقوة الطرد المركزية؟ ذلك ما يقودنا إلى الما وراء [ الميتا ] Language-Meta /Meta –Science/، Meta- Physics ما الذي يجعل الخير أفضل من الشر؟ والحب أجمل من الكراهية ؟ وما سر الجمال في ذاته وليس في صفاته حسب ُ ؟
الإجابة المقبولة عقلا : هكذا شاء الله . ولأن المشيئة الإلهية محجوبة عنا أسرارها فليس أمامنا غير التسليم والرضا والقبول . شاء الله أن كل من يولد يموت ففيم إذن الاعتراض علي صاحب الحق الذي أحيا وأمات ؟ بيد أن المشيئة الإلهية أيضا غرست فينا حب البقاء – الذي نعرف يقينا أنه محدود بزمن محدد –كما غرس فينا كذلك الرغبة في البعث بعد الموت لنلقى الأحبة الذين سبقونا إلى دار الحق . علمنا بالظاهر وحده ربما لا يمنحنا اليقين في أن رغائبنا سوف تتحقق . بينما القين يأتينا من الإيمان بأن وراء الظاهر باطنا ً صادق الوعد ، وهذا هو الفيصل بين الإيمان وبين الكفر . فالكفر يثبت حين يفصل المرء بين الظاهر والباطن ، مكتفيا بالأول معرضا عن الثاني ، أما الإيمان فهو طوق النجاة للعقل الإنساني ، لأنه يساير الحقيقة ، التي هي الوحدة بين الظاهر والباطن .. وهذا هو معنى قل هو الله أحد ، الله الصمد .
إليك يا حبيبتي وأنت في كون الله غير المحدود – ظاهره وباطنه – أبعث بالتحيات والطيبات ، وكل ما أتمناه زيارة منك في المنام ( موتنا الأصغر ) الذي هو رحمة من القدير بكل معذب متألم محروم في عالمه المحدود بحدود الجسد الفاني فناءه الظاهري .
هل قلت إن النوم موتنا الأصغر هو بمثابة رحمة من الله ؟! سبحانك ربي على هذا النور الذي قذفته في القلب فجأة ً .. إذن فالموت الأكبر الذي يخشاه كل حي ما هو إلا رحمة من الله ، بل هو الرحمة الكبرى حين يكون الميعاد .
هكذا بالضبط انتقلت ِ إلى رحمته ، دون ألم وكأنك غصت ِ في نوم عميق هنئ . فالسلام على روحك الطيبة المطمئنة . وادع لي ربك وأنت بجواره أن تكون خاتمتي على هذا النحو الجميل .


(3)


تؤكد نظرية الأوتار الفائقة Super String بالمعادلات الرياضية أن الكون مؤلف من احد عشر بعداً ، منها ستة أبعاد مطويات Implicated فلو نقلنا هذا التأكيد إلى ميدان العلم لوجدنا العلم – وإن لم ينكر إمكانية ميلاد الكائن الذي اخترمه الموت - إلا أنه يظل حائرا ً في التفاصيل . في الفلسفة سنرى نيتشة يتحدث عن العود الأبدي بواقع ما يقال عن الدورة الكبرى Big Bang and Big Crush! وتلك في الحقيقة رؤية مفزعة لأن معناها الرجوع إلى نفس الحياة وتكرار ذات الأخطاء وتجرع نفس الآلام . أما الدين فيفسح للأمل طريقا في بعثنا في عالم جديد يثاب فيه الأخيار ويعاقب به الأشرار . ولعلي أتوسع في اختبار هاتين المقولتين فيما بعد .
أما الآن فأنا في حاجة لمناقشة أمر حياتي أنا وموتي أنا معك يا حبيبتي . ذلك أن بقائي بعدك في هذه الدنيا لهو عبء ثقيل وعذاب مقيم ، فلا طعام أستسيغ ولا شراب أشتهي ، ولا عندي رغبة في قراءة كتاب أو كتابة قصيدة أو مقال . ذلك لأن الحياة لا تصلح ولا تستحب إلا بالأمل ، ولكن الشأن العام في بلادي رهيب وميؤس، ليس في بلادي عمل سياسي بمعنى الكلمة ، بل صراع شرس أعمى بين أطراف لا هم لها إلا قضم أكبر قدر ممكن من الكعكة ، كعكة الوطن الذي يحتضر.
وأما الشأن الخاص فلا أعلم يقينا ً إن كان أبنائي وأحفادي مهيئين أم غير مهيئين لركوب سفينة نوح (= النبوغ والتفوق ) تلك السفينة التي حاولت أن أبنيها لهم . وأما أنت فقد حاولتِ جهدك أن تعاونيني ، مؤمنة بنبل غايتي ، وإن انتقدت ِ أحيانا ً ما كنت ترينه إسرافا ً في أسلوبي الخشن . الآن – وبعد ارتحالك إلى عالم الخلد في واحدة من السماوات المطويات بيمين الله ، أراني منتظرا ً أمرا ً من اثنين : إما أن يولد أمل " حقيقي " في قلبي ولو كان حفيد واحد هو مصدر ذاك الأمل، وإما أن يتغمدني الله برحمته فيعجل بموتي . هكذا يقول الدعاء الجميل : واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عظم الله اجرك والحقنا بها مع رفقاء النعيم
دكتور سعيد غنيم ( 2011 / 11 / 21 - 23:26 )
الاستاذ والمفكر الفذ مهدي بندق : نقدر حزنك ولهفتك علي شريكة عمرك التي نسال الله الحي القيوم ان يجعلنا من جلسائها وفي حضرتها مع آسيا ومريم وخديجة بصحبة الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا . اخي الكريم : اصبر واحتسب فوالذي نفس الخلائق بيده : ماصبر مؤمن علي فراق حبيب الا وغشيه فضل من الله ازدانت به حياته واعتدلت به عوائجه وقضيت به حوائجه وعمه الخير اينما ذهب وعميت عنه البلوي حيثما كان وتذكر دائما يا اخي : انا لله وانا اليه راجعون . ة


2 - كل نفس ذائقة الموت
فهد لعنزي السعودية ( 2011 / 11 / 22 - 03:26 )
نتقدم لك بخالص الحزن والاسى سائلين المولى ان يتغمدها برحمته الواسعة وان لا يريك مكروها بعدها ولتكن ممن من قال الله فيهم:
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ
أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ

عطم الله اجرك في فقيدتك الغالية.


3 - الاستاذ مهدي بندق المحترم
وليد مهدي ( 2011 / 11 / 23 - 09:19 )
تحية طيبة لك على اتاحة الفرصة لنا لهذا الارتحال الشائق في تلافيف افكارك

تغمدها الله بواسع رحمته

رائع حقا هذا الموضوع ، وفيه اعتبار وعبرة

دمت لنا بالف خير

اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم