الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذي رأى الاعماق كلها

مثنى كاظم صادق

2011 / 11 / 21
الادب والفن



يعد فن كتابة السيرة الذاتية ، جنساً أدبياً قائما بذاته ، ولاسيما عندما بدأ الأدباء العراقيون يكتبون عن حياتهم بأنفسهم ، كما فعل ذو النون أيوب في سيرته الموسومة بـ ( قصة حياته بقلمه ) ، ويوسف الصائغ في سيرته ( الاعتراف الأخير ) والقائمة تطول بهؤلاء الذين التفتوا لأهمية هذا الفن من الناحية الثقافية والاجتماعية . تشير المعاجم العربية إلى أن السيرة لغة المضي والجريان ، أما اصطلاحا ، فتعني تاريخ حياة وترجمة ... ثمة أنواع لكتابة هذا التاريخ الحياتي ، فثمة سيرة موضوعية وهي أن يكتب شخص عن حياة شخص آخر وتسمى أحياناً ( غيرية ) ؛ لأنها تكتب من قبل الغير ، كما فعل ميخيائيل نعيمة ، عندما كتب سيرة حياة صديقه جبران خليل جبران ، أما السيرة الذاتية ، فهي نقل مباشر من داخل الذات ، فهي ـ إذن ـ تدور حول شخصية السارد ، على أننا هنا يجب أن نفرق بينها ، وبين كتابة ( المذكرات ) التي هي تسجيل آني للأحداث ، وبين ( الذكريات ) التي تعنى بالاسترجاع والتأمل ..... بين يدي (( الذي رأى الأعماق كلها ))(1) للقاص المبدع هيثم بهنام بردى ، كتب تحتها بمسافة كبيرة ( إنثيالات ) موضحاً للقارئ قدما ، أنها استذكار بشكل محطات زمنية ، شكلت نقاطاً مفصلية في حياته كقاص ، ويعد هذا العنوان دلالة مدخلية للنص ، وعنصراً مهما في توجيهه ، ولاسيما إذا علمنا أن العنوان أصبح مهما جداً اليوم مع نشأة علم العلامات ، فقد اختار بردى هذا العنوان ؛ لما له من جمال إيقاعي يرتبط بدلالة انتباهية لدى المتلقي ، ولاسيما أنه يحيل في حالة تناصية مع الموروث ، ونقصد بذلك بداية ملحمة كلكامش ( هو الذي رأى كل شيء ) بيد أن القاص قد جعل العنوان ( الذي رأى الأعماق كلها ) المتكون من المركب الوصفي ، الذي يبدأ بـ ( الذي ) الخبر للمبتدأ المقدر بـ ( هو ) حيث أنه من حيث الدلالة النحوية يفيد التخصيص ، تخصيص هذه الرؤية للأعماق ، ويدعم هذا التخصيص التوكيد المعنوي بكلمة ( كلها ) الذي جاء لتوكيد هذه الرؤية ، إذ إن هذا التوكيد يفيد التعميم والشمول بحسب علم النحو ، وتأسيسا على ذلك نستنتج أن هذه المحطات ، هي محطات رؤيوية عامة شاملة للأعماق ، بمعنى أنها إنثيالات ( تدفقات ) وسيولة ذهنية حدثت عند القاص ، ضمن محطات خاصة في حياته شكلت مدى تاريخيا مهما عنده ؛ لذا نجد هذه المحطات مختزلة بنسق حدثي معين له أثره الفاعل عند القاص ؛ لأنها ـ المحطات ـ عبارة عن لحظات راسخة في عقله ، نستنتج من خلالها سلوكه الشخصي مع ذاته ومع الآخرين ؛ فجاءت هذه الإنثيالات ذات طبيعة إنتقائية ، وبهذا نجد القاص قد نسج سيرته بصيغة ضمير المتكلم ، وبطريقة الوصف السردي ( الجمع بين الحدث والوصف ) بمعنى أن الوصف التفصيلي جاء قليلاً جداً ؛ لذا حل محله الوصف الإجمالي للشخصيات أو الأمكنة ، أما الحوار ، فقد جاء خارجياً / صائتاً ومختزلاً جداً ذاكراً الخطوط العريضة دونما تفاصيل ، ولعل ذلك ، بغية القاص في توثيق نقطة التحول ، وبيانها للمتلقي ، فالحوار المتناوب المختزل شكل جزءاً مهماً من لحمة هذه المحطات ؛ لأنه أسس لوقفات مفصلية في بنية النسيج السيري الذاتي . تصدرت في هذه السيرة خمس محطات ( دراسية ) بدأً من السادس ابتدائي عام 1966م إلى المحطة الخامسة عام 1974م ـ 1975م في معهد الصحة ، حيث شكلت هذه المحطات تكوين خميرته الثقافية الأولى ، بعد ذلك تأتي محطات إنتاجه الإبداعي ، يردفها نصان مفتوحان وسما بـ ( الذي رأى الأعماق كلها ) و( حين مات الشاعر ) ثم وضع القاص قصة قصيرة بعنوان ( أوف ... لن أستطيع كتابة قصة قصيرة ) وأشار تحتها إلى أنها تمثل بداياته الأولى التي اشترك فيها بمسابقة مجلة الفكر المسيحي ، وفازت بالجائزة الثانية إذ ذكر أعضاء لجنة التحكيم ، وأحمدُ في القاص هيثم بردى ذلك ، إذ إننا كباحثين أكاديميين كثيراً ما نعاني من البحث عن البدايات النصية الأولى للمبدع ، ولاسيما إذا كانت نصوصه الأولى منشورة قبل عقود طويلة في مجلة أو صحيفة قد لا تتوافر حتى في المكتبات العامة أو الخاصة ، وبعد هذه القصة يأتي مفصل موسوم بـ ( السيناريو ) حيث وضع القاص سيناريوهين الأول بعنوان ( تقويم ) والثاني ( الكتب ) ثم يختم القاص هذه الإنثيالات ببحث واف عن المسرح السرياني في نينوى ، وثلاث حوارات صحفية معه ، وتعريف بنفسه من حيث الولادة والإبداع .
ــــــــــــــــــــــ
(1) الذي رأى الأعماق كلها ... إنثيالات ، هيثم بهنام بردى مطبعة ميديا / أربيل ، ط1 ـ 2007








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??