الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هنا تُباع الشعوب خِلسة

أم الزين بنشيخة المسكيني

2011 / 11 / 22
الادب والفن


اصطفّوا صفوفا صفوفا في ساحات المدارس .أرهاط من الأجسام و الأرواح و الهندسات و العطور .التقت جميعا من أجل الانتقال الديمقراطي ..الى أين ؟ لا أحد يهمّه هذا السؤال و ربّما لا أحد يدري و في كل الحالات نحن بخير لنا ربّنا و مدننا و لنا الليل و اللحوم البيضاء و زينة الحياة الدنيا ..و لنا الجوع و الجهل و الفقر و البؤس و لنا الحانات و المواخير و لنا الحمق فماذا نصنع بالذكاء و حتى الحرية لا نحتاجها كثيرا بل هي من الكماليات ..
انّه الانتقال الديمقراطي ..حذار قد يُداهمك شيطانه في أيّ ركن من أركان نفسك بشرط أنّ لديك نفسا ..و ان اشتروها مع صوتك كمكمل انتخابي فبوسعك الاقتراع بجسمك فحسب ..لا حرج على الابهام الأيمن و حذار من السبّابة اليسرى.و حتّى "صوابع فاطمة " الرمضانية تكفي لاشباع حاجة الصناديق . اصطفّ جيّدا و التحم بالجسم الذي يسبقك في الصفّ و حاسب جيدا على حركاتك و "حروزك" الملصقة بين يديك ! لأنّ سعر اللحوم الحمراء قد فاقت كل التوقعات و البطون الخاوية ..حذار من الالتحام الديمقراطي هنا قد يشتدّ القرم بأحدهم فيصير لاحما جدّا و قد يصير جرذا أو قردا أو حتّى خنزيرا ..كل أنواع الحيوانات مرخّص بها من أجل الانتقال السلمي و التأسيس العُضوي و الجلوس على الكرسي ..كراسي متحركة صممت خصّيصا و وفق مواصفات تونسية ..
و جاء الانتقال الديمقراطي .داهم المدن و الأرياف رأسا بعد صلاة الفجر و على حين غرّة.و قبضت الديمقراطية على المدينة متلبّسة بخروقات مدنية هي من شيم الكرامة و العدالة و المروءة الشعبية و النكبة الانسانية ..هذه مدننا زيّناها بالحنّاء و بخّرناها بالعنبر الأسود و كلتوسة جدّتي ..فخرجت ترفل في الحرير تراود الجياع على أصواتهم و بعض من أعضائهم الأخرى دعما لأعضاء المجلس التأسيسي .و في غفلة من المعلّم الذي تحول الى عون صفّ سكر الجميع بزواج المتعة الديمقراطي التعددي ..كان عُرسا ..و كان يوما طويلا ..و كان زواجا نهاريا ..فمن يشتري ..هنا تُباع الشعوب خلسة ..و لأول مرّة يتقنون فنّ الاصطفاف و لأول مرّة تُباع الشعوب بهذا القدر من الكميات التي فاقت كل التوقعات الحكومية والعالمية.. لأول مرّة لا تشارك الحكومة ادارة الديمقراطية ..و لأول مرّة ينتخب الشعب و ينتحب معا ..و لأول مرّة ينتصر و ينهزم و يفرح و يحزن ..رائعة أنت يا بلادي ..أحبّك حين انتخبت و حين سُرقت و حين حلمت و حين أخطأت و حين رسبتِ و حين قُتلت يوم قُتل "الثور الأصفر"..فمن أين آتيك بدمنة كي يُحرّرك من حماقة كليلة وطيبته ؟ و من أين آتيك بحشّاد ثانية حتّى يُغتال بدلا عنك ؟
هنا تُباع الشعوب خلسة ...خمرا أسكر الجميع فتوجّهوا رأسا نحو مكاتب الاقتراع و لا أحد يدري ما الذي أسكره ؟ جوعه أم يٌتمه السياسي أم حماقته أم حبّه للوطن ؟ كثرة تائهة خائفة مُتعبة بالفواتير و القروض البنكية و منهوكة بكبش العيد ..فضّل بعضهم أن يصير هو الكبش و فضّل آخرون أكل اللحوم البيضاء و رهط ثالث تحوّل الى مجرّد كائن عاشب ..كان تمرينا أولا انحصر هذه المرة في النجاح في الصفّ و في الانضباط ..ملّوا من شمس الخريف البغيضة ..لا أحد كان يهتم كثيرا بصوته الذي سبقه الى الصندوق ..فكم ذهبت أصواتهم هدرا ..و كم بقيت هذه الأصوات معطّلة عن التصويت الى حدّ صارت فيه لا تعني شيئا كبيرا ان منحها الى أية جهة ..فالجميع متشابهون ..و في كل الحالات لقد تعودوا على الحزب الواحد ..ياه كم تخيفنا الكثرة و التعدد و الاختلاف ..لا ذنب عليهم ..فقد اصطفّوا جيدا هذه المرة ..و في المرة القادمة سوف يتدرّبون على الصفّ أكثر ..فهل كانوا يرغبون فعلا في الديمقراطية ؟ ليس بديهيا ..و يبدو أنّ لهم حاجات أخرى أكثر أهمية ..و ثمّة في هذه الحكاية أكثر من شعب ..و لأول مرّة نكتشف أن لدينا شعوبا في الداخل..هناك الشُعب و العشب و النّخب ..الجميع انتصر و الجميع انهزم معا ..مبروك لشعب تونس و لعشبه و لشُعبه..مبارك على من انتصر انتخابيا و على من انهزم ثقافيا و على من انسحب سياسيا و على من صمت اراديا و اعتباطيا ..من انتخب ليس الشعب كاملا ..نصف الشعب لم ينتخب ..ألا تهمّه الديمقراطية ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف