الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رقصة اليتيم

ايفان عادل

2011 / 11 / 23
الادب والفن


(1)
كفى جراحاً
فقد امتلأت نفسي جراحا
وفاضت في الفؤادِ
أحزانٌ وأحزان
أشكالُها مختلفة
لكنّ نواياها متشابهة
وغاياتُها متطابقة

(2)
لم يعد النومُ يغطّيني كعادته
كلّما جاء الليل
لماذا ...؟
وأصبح السهرُ ضيفي
وصديقي
بل صار هو الذي
يستقبلني في كلِّ ليلةٍ
لماذا ...؟

(3)
الكآبة ..
مدخلي الوحيد
والكتابة ..
مخرجي الوحيد

(4)
ساعاتُ هذا الليلِ الأسودِ
ثقيلةٌ جداً على نبضاتِ قلبي
هل يفرحُ الليلُ
كلّما يزداد عددُ السهارى؟
أم يحزن ؟
أم يسأل نفسه
لماذا ...؟

(5)
صداعٌ حقير
وحدهُ يقرّرُ
متى يأتي
ومتى يذهب
صداعٌ ... صداعٌ ... صداع
واقفٌ أمام بابِ رأسي
ليس ليستأذنَ الدخول
بل إنّه ينتظرُ بقيّةَ أجزائهِ
كي يدخلوا جميعهم سويّةً
ويضربَ ضربتهُ القاضية

(6)
.......؟
أنا ...
أنا ساحةُ المعركة
في داخلي تتبلورُ الأحداثُ
وتندلعُ نيرانُ الحربِ
الحربُ السماويّةُ الأرضيّة
بين ...
ملائكةِ الله
وملائكةِ الشيطان
لستُ أنا من يقرّرُ
من هو الرابحُ أو الخاسرُ بينهما
بل هما اللذان يفعلان ذلك
ثمّ يحمّلانني
نتيجةَ هذا الصراعِ الأحمقِ

(7)
إنّهما يتمتّعان
في جسدي
في نفسي
في روحي
في جزئي الآخر
وإذا ...
إذا مانمتُ
سيكمّلان بقيّةَ اللعبةِ في أحلامي

(8)
أريدُ أنْ أفتحَ
صفحاتِ كتابِ حياتي
هل أنا حقاً ...
كما يقولون
فاشل ... فاشل ... فاشل
.......؟
إنّها ...
أيّامُ القراصنة
وساعاتُ الحمقى
ودقائقُ المهرّجين
وثواني الأوغاد
..........
..........
وفي جيبي
دينارٌ قديم
يرفضُ هذه الحداثةِ المهينة
ويرقصُ على ..
أنغامِ المقاماتِ الحزينة
رقصةَ اليتيم

(9)
لي ابنٌ في السماء
لم أخطّطْ لمجيئهِ بعدُ
سمعتهُ يقول لي ..
أبي ...
أعرفُ متى ستأتي إلى هنا
لكنّهم لايسمحون لي
أنْ أكشفَ لك هذا الأمر
أبي ...
حذارِ أنْ تكتبَ وصيةً
قبل أنْ تموتَ
لأنّها ستدفنُ معكَ
هذا إنْ لم تُمزّقْ
أو تُحرقْ
قبل دفنِكَ
رفعتُ ناظري نحو السماء
وقلتُ لهُ ..
شكراً يابني
وإذا صوتٌ من السماء يقولُ ..
كم الساعة الآن ..؟

(10)
لقد اختفى صوتُ ابني
وبينما كنتُ أناديهِ
جاءتني حمامةٌ بنبأ موتهِ
لقد قتلوه ...
لأنّهُ حاولَ أنْ يكشفَ لي
بعضَ أسرارهِم
..........
..........
..........
سأصومُ
خمساً وأربعين دقيقة
وسأصلّي
قصيدتين في كلِّ ساعة
إنّي حزينٌ جداً
بما حلَّ بابني
وديناري القديم
مازال في جيبي
هو الآخر حزينٌ مثلي
يحاولُ أنْ يعزّيني
ويرقصَ لي ..
رقصةَ اليتيم

(11)
ليس بمقدورِ أحدٍ
أنْ ...
يقطعَ الكلامَ
ويزرعَ الشريانَ
ويمنعَ التفكيرَ
أحمق ... أحمق ... أحمق
التبريد ... التدريب ... التدبير
اسمعْ جيداً
وانظرْ جيداً
وافهم جيداً
الجذرُ التربيعي لتسعة ..
ثلاثة
ومشتقةُ الثابتِ ..
صفر
ردّ صاحبي قائلاً ..
يارجل لاتفكّرْ .. فلها مدبّرْ
وإذا صوتٌ من السماءِ يقولُ
لقد اقتربَ موعدُ العشاء
احسبْ أيضاً
الجذرُ التكعيبي لتسعة

(12)
إلى المطبخِ ..
ففنجان قهوة مرّة
ليس بالأمرِ الضار
مع سيجارةٍ تثورُ دائماً
بمساعدتي طبعاً
على التحذيرِ الحكومي
ربما يستطيعان معاً
أنْ يحلّا المشكلة
أو جزءاً من المشكلة
..........
..........
يُحكى أنّ أحمقاً
غرقَ في نومهِ
بعد أنْ سألهُ أبوهُ
وهل هناك من مشكلةٍ ما ؟

(13)
تجوّلتُ في المدينةِ ليلاً
وديناري القديم
يرفضُ الدخولَ
إلى أيّةِ حانةٍ
أو لقاءٍ حميم
ليس لأنّهُ لا يعطشُ أبداً
بل لأنّهُ يريدُ أنْ
يرقصَ لوحدهِ
رقصةَ اليتيم

(14)
وقفتُ بعيداً
لأرى ما الذي يحدثُ
بين صفحاتِ الليل
حين يغطّي مدينتي الجديدة
نادتني حسناءٌ جميلةٌ جداً
نادتني باسمي
فاستغربتُ
وتعجّبتُ
وسألتُ نفسي
كيف لها أنْ تعرفَ اسمي ؟
اقتربتُ إليها
ونهداها الثائران
كانا في استقبالي قبل كلّها
حذّرني ديناري القديم
من مغبّة الاقترابِ أكثر
لكنّني اقتربتُ
أكثر ... وأكثر ... وأكثر
كي أعرفها جيدا
وأسألَها ..
كيف عرفت اسمي
دون أنْ تعرفني ..؟

(15)
سألتُها ..
ورفضت الأجابة إلّا ..
بقبلةٍ
قبّلتها ..
فرفضت الأجابة ثانيةً
إلاّ بــ .......
أخيراً وبعد انصهارنا معاً
وولادةِ انسانٍ جديدٍ
في داخلِ كلّ واحدٍ منّا
عرفتُها جيّداً
وتذكرتُها جيّداَ
إنّها ..
..........
قصيدةٌ قديمة
إنّها ذاتها
دون تشبيهٍ
أو تشويه

(16)
تركتُها .. مرّةً أخرى
وديناري القديم
يُحييني
ويُطبطبُ على كتفي
هاتفاً ..
يا بطل ... يا بطل ... يا بطل
وبدأ يُغنّي فَرِحاً
ويرقصُ ..
رقصة اليتيم

(17)
رفعتُ وجهي إلى السماء
وسألتُهُ
متى ..؟
فقط قلْ لي متى ..؟
وإذا صوتٌ من السماءِ يقولُ
كم الساعة الآن ..؟

(18)
ويُغادرُ المكان
ملاكٌ رافقني منذ أنْ دخلتُ
على الحسناءِ الجميلةِ
كان هناك ..
لماذا ..؟
لا أعلمُ
لستُ أدري
كلُّ ما أعرفهُ أنّهُ ..
كان هناك ..

(19)
لم أشعلْ شمعتي الجديدة
هذه السنة ..
لم أطفئ شمعتي القديمة
هذه السنة
لأنّني ببساطةٍ
لم أعرفْ
أين كانت هذه السنة ..؟
كعادتها
تجيءُ بصمتٍ
وتروحُ بصمتٍ
وتُشعلُ الألسنة ..

(20)
أوراقي البيضاء
هنا ...
على سطحِ مكتبي الأسود
تعالوا جميعاً أيّها الـ .......
وسجلّوا
ما شئتُم
وكما شئتُم
من الأرقامِ عليها
وأنا سأسدّدها بعد موتي
لأنّ ديناري القديم
لن يُدفنَ معي
هو سيقومُ بتسديدِ كلِّ الديون
وسيدفعُ لكم جميعاً
وسيدفعُ عنكم جميعاً
من عملهِ كراقصٍ
لرقصةِ اليتيم

(21)
تحدّثتُ مع صورتي التي ..
تحملُ وجهي
ذي السنةِ الواحدة
فابتسمتْ لي
وفَرِحتْ
وقالتْ ..
هنيئاً لكَ
إنّكَ تقتربُ من الأربعين
وحينما تحدّثتُ
مع صورتي التي ..
تحملُ وجهي ذي الستين عاماً
حَزِنتْ
واضطربتْ
وقالتْ ..
حذارِ أنْ تأتي إليَّ

(22)
التفتُّ ..
ووجدتُ ديناري القديم
نائماً ... نائماً ... نائماً
من شدّةِ التعبِ
لقد تعب جدا هذا المسكين
أردتُ أنْ أسألَهُ
شيئاً عن الأرقام
لكنّه كان نائماً
يحلمُ ..
برقصةِ اليتيم

(23)
ضوءُ البدرِ
يملأ كلَّ المكان
وصياحُ الأجسادِ التي
تتسوّلُ من الحياةِ
أنفاسَها ..
أيضاً
كان يملأ كلَّ المكان
وأصواتُ بناتِ الليلِ
وأصواتُ سادةِ الصباح
وأصوات وأصواتٌ ...
رغم ذلك كلّه
سمعتُ صوتاً بعيداً يقولُ
توبوا فقد اقتربَ ملكوتُ السماء
تعالوا .. وادخلوا
إنّهُ موعدُ العشاء
ذهبتُ باتجاهِ الصوتِ
وأنا في كاملِ حالةِ الصمتِ
فوجدتُ رجلًا خالداً في السنِّ
يحملُ صورتي
ويبشّرُ الناسَ بالملكوت
رفعتُ وجهي إلى السماء
وسألتُها ..
متى سيأتي ؟
وإذا صوتٌ من السماءِ يقولُ
كم الساعةِ الآن ..؟

(24)
إنّي جائعٌ
جائعٌ جداً
ورائحةُ الطعامِ تناديني
من المطعم الذي يقعُ
على الجانبِ الآخرِ من الشارعِ
لكن ..
ماذا أعطي لهُ
مقابل الطعام
أديناري القديم أعطي ..؟
مستحيل ... مستحيل ... مستحيل
فمن سيرقصُ لي بعدها ..
رقصة اليتيم ؟


(25)
سأذهبُ إلى المطعمِ
وأعرضُ على صاحبهِ
خاتمي ..
لكنّ أحد المتسولين
حذّرني من القيامِ بذلك
........
........
آهٍ ..
كيف عرفَ ماكنتُ أفكّرُ بهِ؟
أهوَ أحد الملائكةِ؟
أم منجّمٌ قديم
آلَ بهِ المصيرُ إلى هنا ..؟
صعبٌ أنْ أذهبَ إلى المطعمِ
لشدّةِ البشاعةِ في التراكمِ
وانعدامِ التناغمِ
وكثرةِ السياراتِ في شوارعِ المدينةِ
يكرهُها الليلُ
لأنّها بضجيجها
تُزعجهُ ..
فلا يستطيعُ أنْ يتأملَّ
في ذاتهِ السوداء
فكّرتُ كثيراً
دون جدوى
كيف سأعبرُ هذا الشارعِ اللعين
بقيتُ في حيرتي ...
حتى أعطاني ديناري القديم
في حلمهِ ..
فكرةً رائعة
حين قال لي ..
اضربْ قلمَكَ على عرض الطريقِ
فيصنعُ لكَ سبيلاً
يأخذكَ إلى الجانبِ الآخرِ
هكذا فعلتُ ..
وإذا صوتٌ من السماءِ يقولُ ..
.................................!!!

(26)
فكان العبورُ ..
وكانت أجسامُ السياراتِ
تتلاطمُ مع بعضها البعض
وتتراكمُ ..
على يميني
وعلى يساري
..........
هناك
..........
رأيتُ حسناءً جميلة
واقفةٌ بالقربِ من بابِ المطعمِ
تقرأ ألوانَها
على كلِّ من يحاولُ الاقترابَ من المطعمِ
فكرةٌ أخرى ..
لكنّها ليست من ديناري القديم
سأذهبُ إليها
وسأطلبُ منها بعضَ الطعام

(27)
وصرتُ في الجانبِ الآخرِ
قريباً من المطعمِ
قبل أنْ أخطوَ
اتجاهَ الذهابِ إليه
سمعتُ حسنائي الجميلة
تناديني باسمي
مثل الأخرى ..
والتي لم تكن الأولى
إنّي أستغربُ حقاً
كيف لهنَّ أنْ يعرفنَ اسمي
وقفتُ حائراً ..
وهي ما زالت تناديني
ذهبتُ إليها
ولن أسألها ..
كيف عرفت اسمي
بل ..
سأسلها الطعامَ
ذهبتُ إليها
وقلتُ لهـــا ...

(28)
أجميلتي ..
هل هناك من طعامٍ عندكِ
لجوفي الحزينِ ..؟
ابتسمتْ
وقالتْ ..
كم الساعةِ الآن ..؟
استيقظَ ديناري القديم
من نومهِ منزعجاً
ووبّخني ..
لأنّني حينما أدخلتُ يدي في جيبي
لأهدّأ من وثبةِ الآخر
ارتطمتُ بهِ وأيقظتهُ
غضِبَ ديناري القديم
وصار يصيحُ
ويصرخُ
ويرقصُ ..
رقصة اليتيم

(29)
ضحكتْ حسنائي الجميلة
ضحكتْ من كلِّ قلبها
وقالتْ لي ..
أحملُ في مكان ما
طعاماً لقلبكَ الحزين
ماهمّني أنا ..
وجوفكَ الحزين
فمارأيكَ ..
أيّها الحزين ..؟

(30)
هدوءٌ ... هدوءٌ ... هدوء
وبعد ثانيتين ونصف من التفكير
وافقتُ على الأمر
وطلبتُ منها طعاماً لقلبي الحزين
فبدأتْ تُطعمني شيئاً فشيئاً
حتى شبعتُ جيداً
وتعانقنا مثل الـ .......
بصراحةٍ
لا يمكن وصف عناقنا
لقد أطعمتني ..
بكلِّ محبةٍ
وأنوثةٍ
وجدارةٍ
وبكلِّ الكرمِ
مازال عناقُنا يضمُّنا
ويرفضُ تركَنا
وبدأنا ننصهرُ معاً
لم أسألها كيف عرفتْ اسمي
لأنّني بدأتُ أعرفُها جيّداً
وأسكنُها في أعماقي جيّداً
إنّها .......
حياةٌ جديدة
إنّها هي
دون تشبيهٍ
أو تشويه

(31)
في هذا اللقاء ..
متنا كلانا
وبدأ الانسانُ الجديد
الذي وُلدَ منّا ..
يرقصُ
رقصة الدينار القديم
وبدأنا فيه ..
نضحكُ
ونفرحُ
ونرقصُ
وبدأنا به ..
نغنّي
ونصيحُ
ونصرخُ
هاليلويا
هاليلويا
.......
.......
.......
هاليلويا





ايفان عادل
فرنسا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24


.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً




.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05