الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع لا واقع فيه

وفاء عبد الرزاق

2011 / 11 / 23
الادب والفن


( واقع لا واقع فيه )


بالتصدي لضرر الحياة غير اللائقة تجابه الضجر بالمعارض الفنية..تجربة تؤهلها لتصبح صديقة حميمة لأكثر المثالين والرسامين والرواد من محبي الفن.

تهجو عمى الخطوات الضالة المتغاضية عن الجمال أو البحث عنه بين الكلمة أو الريشة أو الأحلام.

تعرف جيدا أن يد الفنان أكثر ألفة مع ورق الشجر أو مع النوافذ المشرعة التي تأخذ تعاليمها من الطبيعة.

بسبب ولعها بالفن اتفقت مع خمسة رسامين وستة مثالين لافتتاح معرضها السنوي الذي تصاحبه أمسيات شعرية ونقدية في الفن والأدب.

تركت لهم حرية اختيار موضوعاتهم في اكتشاف ما سيفضه الفن على الحياة الخانقة.

كانت تحلم بيدين سباقتين إلى الإمساك بلحظة مطر..وتبحث بين عناوين القصائد عن خيط لحياة، وعمَّا يثير الألم الهائل إلى أن يصبح فرحا.

ما حدث من دهشة يوم الافتتاح كان رغما عنها،،حين تبين لها أن التماثيل كلها على شكل أحذية ولوحات الرسامين أحذية بأشكال وألوان ووضعيات مختلفة .
شقت طريقها بين اللوحات والتماثيل، وما كان بمقدورها البحث عن سؤال لشدة ما أرعبتها المفاجأة.
شعرت بفقدان الاتجاه وارتجفت مثل ورقة صفعتها الريح.
تأففت بحدة قرب التمثال الكبير الضخم:
- مجرد حذاء.. ماذا يفعل هذا النحات هل يهزأ بنا؟
- أي مصير أخرق ينتظرنا عصر اليوم حين يحضر النقاد؟
- أرى أني أخطأت هذه المرة في اختيار الفنانين،،ولسوف تكون ملاحظات الوافدين إلى المعرض سيئة.
في غمار إيغالها بالمفاجأة راحت تقلب النظر بين التماثيل.. حذاء بخيوط ورباط،، حذاء يكشف عن مقدمة الرجل،، حذاء مفتوح من الخلف،، حذاء بسيور،، حذاء حريمي،، حذاء رجالي..حذاء داخل حذاء،، حذاء يركب على ظهر حذاء.

بنفَس متصاعد لاهث وقفت أمام إحدى اللوحات.. حذاء طويل يمتد من أول اللوحة حتى آخرها وكأنه فم مفتوح..آخر بلا لون فقط حدود باللون الأسود ونقطة سوداء على مقدمته.
أكبر لوحة كانت لرسامة شابة ليس فيها غير كعب حذاء وبقايا ألوان داكنة تغلف اللوحة من الأعلى ومن الأسفل تحت الكعب تحديدا.

هزت يدها استنكارا:
- ما الذي سيكتشفه الناقد في هذه اللوحة الغريبة؟
صارت تتوق إلى إيضاح إن كان هذا يثير الفنانين، فما سبب اتفاق الجميع على فكرة واحدة علما أنهم لم يلتقوا إلاَّ بجنونهم.

لوحة ذات إطار ذهبي تظهر الحذاء مشنوقا.
أحذية تطارد ذبابا، حذاء يسحق صرصارا.
ثلاثة تضرب طفلا على يديه والطفل حذاء مطرق الرأس.
حذاء مغتاظ ينطوي على نفسه... أحذية متخاصمة وأحذية في شجار.

غير أنها تساءلت عن حذاء ينزع جلده مثل ثعبان:
- أليس لهم غير هذا العالم؟

اتخذت كرسيا وسط الصالة محاولة فهم هذه الرطانة، وحين بدأ الزوار يتوافدون انزوت بعيدا كي تراقب الدهشة على وجوههم...
ومثل ليمونة معصورة تفرك أصابعها قلقا متجاهلة ابتسامات وهمسات بعض السيدات.
و كلما دخل فنان استشاطت غيظا وأولعت سيجارة .
سمعت أحد الفنانين يوضح لزائر مستغرب من هذه اللغة في الفن:
- إنها الفرشاة الحقيقية هذه المرة فهي تعبر عما نراه يوميا من أحذية. ألسنا لوحة للواقع؟
أجابه الرجل:
- ويحي،، يا ويلي ،، تطاردنا الأحذية حتى في مساحة الجمال.

دنا ناقد فني من لوحة الحذاء بنجوم على أكتافها:
- أمممم رتبة عسكرية،، تعبير عميق يا ولدي.
ثم انعطف على إحدى أخرى:
- رسمتك حذاء الظل يا ابنتي ستنال الجائزة حتما لو شاركت في مسابقة فنية.
نعم ستنال الجائزة الأولى لأنها تعبر عنا جميعا..أحذية وظل.. تخيلي أصبحنا ظلا وأحذية.. واقع لا استغراب فيه.

اقترب من صديق له مشيرا بإصبعه:
- أما فردة الحذاء هذه الباصقة على زوجها الحذاء ومدير دائرته الحذاء فكرتها عادية تعودنا على هكذا مشاهد.
تأثر صاحب لوحة فردة الحذاء وهمس في أذن الناقد:
سيدي..
- اسمح لي أن أقدمها هدية لزوجتك.

كتب على ظهر اللوحة إهداءً.

( ثمة نعال سيدخل غرفة نومك لا تتجشئي من الرائحة واعلمي أنه نسي فردته في بيت المدير).

ثم وقع اسمه.

تفضل سيدي: - نحن نرسم حياتنا ولا نستطيع التعبير عن أنفسنا إلا بالأحذية.

( من مجموعة قصصية جديدة بعنوان" في غياب الجواب" )









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد