الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أغنيات بتاريخ إنتهاء صلاحية

حنين عمر

2011 / 11 / 23
الادب والفن



قررت أنا وأصدقائي أن نتناول وجبة الغداء في ذلك اليوم معا، التقينا واخترنا مطعما هادئا – أو اخترته أنا للأمانة- لأنني كنت أرغب في أكلة فرنسية يتقن مطبخه صناعتها، سحب كلُّ منا كرسيا، جلسنا وغصنا في الثرثرات... إلى أن لوحت بيدي وأوقفتها حينما تغيرت الأغنية التي كانت تشكل خلفية الجلسة وبدأت أغنية أخرى وصلتني موسيقاها، فأشرت لهم بالسّكوت قائلة : "لحظة ...أريد أن أسمع هذه الأغنية، كأنني أعرفها ؟؟؟"
أنصتت صديقتي قليلا، ثم قالت : " سمعتُ هذه الأغنية أنا أيضا، لكنني لا أتذكر كلماتها ". وهكذا انخرط الجميع في محاولة معرفة الأغنية لنفاجأ في الأخير أنها أغنية شهيرة جدا لمطربة شهيرة من مطربات الموضة – وهي أغنية جميلة على كل حال- ، وأننا جميعا نعرف تلك الأغنية جيدا ولطالما سمعناها مرارا وتكرارا ولكننا جميعا عجزنا عن استرجاعها من الذاكرة.
هذه الحادثة البسيطة جعلتني لا استمتع بتناول وجبتي، لأنني انشغلت بأسئلة كثيرة راحت تتزاحم في رأسي وتضع علاماتٍ بقلم لبادٍ أحمر عريض على ملاحظات كثيرةٍ نلمس انعكاساتها في الفن العربي بشكل مخيف، وهو ما ينعكس سلبا أيضا على المتلقي العربي من الناحية السايكولوجية و والسوسيولوجية ويصنع "فن الساندويتشات": أغنيات سريعة استهلاكية بقيمة غذائية قليلة ومشبعة بالكولسترول.
تلك الأغنيات قد تكون سيئة غالبا ولكنها قد تكون أيضا جميلة في بعض الأحيان، وقد تعجبنا حينما نكون جائعين، فنستمع إليها كثيرا، ولكننا بعد أن نشبع ونسأم منها لا نصبح قادرين على تذكرها ولا على تذكر كلماتها، وهو أمر ينطبق أيضا على الفديو كليبات التجارية التي تبهرنا أحيانا فتشدنا مشاهدتها بادئ ذي بدء لتتحول في نهاية المطاف إلى مادة منفرة نضغط سريعا على زر الرّيموت كنترول لنتخلص منها. إنه زمن أغنيات "الصرعة" ، التي تشبه ضربة شمس: تشتهر الأغنية قليلا، تشغل الناس، ثم تختفي وتموت وتنتهي فلا يتذكرها ولا يحن أحد لسماعها بعد ذلك، وكأنها أغنيات بتاريخ صلاحية محدد، حينما يتجاوزه الزمن، تصبح غير قابلة للاستهلاك، وربما سنشهد قريبا وضع تواريخ على السيديهات شبيهة بتلك التي توضع على علب الجبنة.
لكن، لماذا نتذكر –مثلا- أغنيات فيروز وأم كلثوم من أول نوتة موسيقية نسمعها من لحنها؟ لماذا نحفظ كلمات أغنياتها وكلمات أغنياتٍ طربية كثيرة عن ظهر قلب، بينما نعجز عن استرجاع كلمات الأغنيات الجديدة. لماذا بقيت هذه الأغنيات حية بكامل لياقتها منذ عقود وأجيال؟ لماذا ما نزال نبحث عنها ونرغب بسماعها؟ أين المشكلة بالضبط يا ترى ؟ هل هناك مشكلة في كلماتٍ لم تعد تتسم بالعمق ولا تحترم "الشعر" ولا ترقى بالذائقة السماعية إلى أبعد من ابتذال وشتم وألفاظ سوقية، بحيث يمكن لأي كان أن يؤلف جملتين تنتهيان بنفس القافية ويدق على خشب الطاولة لحنا لتصبح أغنية؟ أم يا ترى هناك مشكلة في ألحان تكررت حتى ترهلت؟ أم هناك مشكلة في الكاريزما العامة لأغلبية المطربين والمطربات "الجدد" الذين لا هم لهم سوى المعجبات وتوقيع الأوتوغرافات والتدقيق على مواعيد عيادات التجميل.
لا أعرف صدقا أين الخلل بالتحديد؟، وقد فكرت أنها –ربما- حالة ألمت بي وبأصدقائي وببعض من أعرفهم من باب الصدفة، وأنّه هناك الكثيرون ممن يمكن أن يكون لهم رأي مغاير مفاده أن هناك أغنيات جديدة لمطربين "جدد" تندرج ضمن "أغنيات خالدة"، وأن "نظرية الساندويتش" مجرد وهم غذائي انتابني بسبب كوني كنت جائعة لحظتها، فخيل لي أن الفن العربي في خطر ويحتاج إلى نهضة حقيقة تقضي على انحداره وتصلح فيه ما آل إليه حاله الذي جعله يتحول إلى مرتع لكل من هب ودب وسولت له نفسه أن يصبح "مطربا" ليزيد من نسبة التلوث السمعي على سطح الأرض. لا ادري ... لكنني إلى أن أعرف الجواب وتنكشف لي الأسباب، سأكتفي بحماية أذني قدر الإمكان من هذا الإشعاع الفني السرطاني، وسأشغل الآن أغنية لفيروز، وسأرددها مبتسمة دون أن أخاف من "التسمم" لأنها كالعسل الطبيعي ..لها "صلاحية" أبدية.
حنين//








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي


.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح




.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب