الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«ردًا على د خالد منتصر ... هيبة الدولة واستباحة قتل المتظاهرين العزل !!»

أحمد إبراهيم المصري

2011 / 11 / 24
مواضيع وابحاث سياسية



كتب الدكتور مقالا بجريدة المصري اليوم الثلاثاء الموافق (22/11/ 2011) بعنوان «لماذا أصبح الهدف وزارة الداخلية؟» وذلك تعليقًا على الحدث السياسي الدائر رحاه حاليًا بمصر تبعًا لمجريات الأمور بميدان التحرير الذي أظن أن الأستاذ لم يدرك أبعاده جيدا، حاول فيه الجمع بين هيبة الدولة وهيبة الشرطة المصرية ليستنتج أن قتل المتظاهرين العزل يدخل ضمن مقاومة الشرطة وهيبتها!!
و قبل الرد على طرح الكاتب الذي أدهشنا صدوره من قامة مثله، ننبه ونمس الحقيقة – في نظرنا – فنقول إجمالا:

إن حدث «ميدان التحرير» أكبر من مجرد اشتباك بين شباب وشرطة، بل هو في الحقيقة صراع بين «ثورة» و«نظام» لم يسقط بعد. بين «عدالة اجتماعية» وتلاعب بأرزاق الشعوب ، بين «كرامة وحرية» وبين «سادية واستبداد» ، بين «حقوق إنسان» وبين «دكتاتورية شمولية»، وهذا ما لم يفهمه مَن يغرق في التفاصيل، ويبعد عن الواقع، ويتناسى قراءة الماضي.

ونذكِّر الدكتور: بأن الثورة المصرية لم تحقق أهدافها بل لم تكتمل أصلا، لأسباب كثيرة منها: طيبة أصاحبها التي وصلت لدرجة السذاجة، حينما اكتفت بإسقاط مبارك رأس النظام ووضعت ثقتها في حفنة من عسكر مبارك وأحد أركان نظامه فحكمت مصر وأدارتها بطريقة لا تقل سوءًَا ولا خبثا عن طريقة المجرم المخلوع، بحيث تحولت الفترة «الانتقالية» إلى فترة «انتقامية» من الشعب لأنه ثار على النظام، والثورة الآن تحاول استدراك ما فاتها، بعد أن سقطت الأقنعة وظهر للعميان أن المجلس العسكري لا يهتم إلا بأمرين:
1- كيفية تخليص مجرمي النظام من براثن العدالة، ومحاولة إعادة إنتاجه مرة أخرى.
2-معاقبة الشعب على ثورته بأزمات مفتعلة مدبرة (انفلات أمنى – محاكمات عسكرية عاجلة للثوار – فزاعة توقف عجلة الإنتاج ..الخ).

بداية نحاول الرد على المضمون السيئ للمقال والذي نراه يكرس لمفهوم الاستبداد والخنوع، والذي لم نكن نتوقع صدوره من مثل الكاتب فنقول:

لا يوجد مبرر أخلاقي أو قانوني يجيز قتل المتظاهرين العزل في التحرير، اللهم إلا الاستبداد والفساد، فلنفرض جدلا أن المتظاهرين مخطئون في رؤيتهم السياسية أو محاولتهم اقتحام الداخلية فهل يبرر هذا إنهاء حياتهم ضربًا بالرصاص ووضع جثثهم في القمامة بطريقة تنبي عن منتهى السادية والظلم!! وهل هذا داخل في نطاق هيبة الدولة أم هيبة الدكتاتورية ووحشية السادية؟!
فكيف وقد وضح وضوح الشمس أن شباب التحرير أصحاب رؤى واقعية وحس وطني جعلهم يدفعون حياتهم مقابل أن يعيش المصري حياة كريمة.
فالقانون يقول أن الأعزل المعتدي (وهذا وصف لا نسلمه إلا جدلا) على غيره يتم القبض عليه وإحالته للقضاء ولا يوجد في قانون أي دولة في العالم أن مثل هذا يستوجب عقوبة الإعدام فكيف يبرر أي عاقل قتل الناس ووضعهم في القمامة!!
فإذا عرفنا وللأسف الشديد أن مجلس النظام لا يعتبر الشعب بشرا لهم حقوق وكرامة بل مجرد أرقام يتم نقصانها دون أدني محاسبة أو مسؤولية (مات عشرة ، مات عشرون ... مجرد أرقام)، كما حدث في الموجة الأولي للثورة حيث لم يعاقب أحد حتى الآن عقاب فعلي على قتل المتظاهرين.
كنت أتمنى ألا يكتب الدكتور عن الشرطة المصرية وكأنه كان يعيش في المريخ لا في مصر ، حيث التاريخ الحقوقي الأسود والأسوأ للشرطة (في ظل النظام) بداية من التعذيب حتى القتل وهتك الأعراض والاغتصاب وانتهاء بأخذ الرشوة عنوة والسخرية والألفاظ النابية.
ولقد نادت أصوات كثيرة بعد الموجة الأولى للثورة بأن يتم إعادة هيكلة الداخلية المصرية وصرف عفاريتها، وتعيين خرجي الحقوق العاطلين بعد فترة تدريب (6 أشهر)؛ لكن مَن يجيب والنظام لا زال يحكم؟! فلم تكن الشرطة ملائكة رحمة وحراس وطن – كما يظهر من مقاله - بل جلادين للشعب وخُدَّام للنظام وحماة لسارقي أرزاق الناس، ولم نلمس تغير عقيدة قيادتها بعد الثورة لأن المجلس لم يسعى لذلك بل لا يريده. فلا زالت تقارير ضباط أمن الدولة (الأمن الوطني حاليا) هي المحرك الرئيسي لقرارات العسكر.
وهذه المقدمة الطويلة تهيئ لمقصود مقالنا فنعود لمفهوم (هيبة الدولة)، وهي تعني في أبسط تعريفاتها: عمل أجهزة الدولة على التزام المواطنين بالقانون، لكني أفهم أن هذا القانون يطبق على أعضاء الحكومة أنفسهم بل هم الأحرى بتنفيذه من غيرهم، وأفهم أيضا أنه لا يجوز في دولة تحترم نفسها وشعبها أن يقرر أي موظف حكومي إنهاء حياة فرد أعزل إلا القاضي الطبيعي بعد محاكمة عادلة.
وأفهم أيضا أن مصر تمر بمرحلة شرعية ثورية تاريخية أمسك فيها طغمة من بقايا النظام السلطات التشريعية والتنفيذية وأثروا على القضائية، والتي انتهت شرعيتهم بمضي الستة أشهر المعلنة من قبلهم في بداية الثورة، والآن تحكم مصر بالقوة العسكرية بعد فقدان المجلس لشرعيته بانتهاء المدة المذكورة.
هيبة الدولة في أن تهب وترتعد الحكومة عند إراقة قطرة دم مواطن خارج نطاق القانون.
هيبة الدولة في عدالتها الاجتماعية، وديمقراطيتها الحقيقة.
هيبة الدولة الحقيقة في نظري (وبعيدا عن المعنى القانوني) هي ذلك الفخر الذي يشعر به المواطن عن انتسابه لدولته والهتاف باسمها، وزيادة الشعور بالانتماء الذي يجب أن تسعى إليه أي حكومة وطنية.
فهيبة الدولة لا تعني أن نشترى سلاحًا للشرطة من أموال شعب فقير ليستخدم في قتل العزل (ملايين الدولارات أنفقت في شراء أسلحة القمع).
ولا تعني أن نعطي صلاحيات الحبس والاعتقال التعسفي لأناس تلوثت أيديهم بدماء الشعب.
ولا تعني أن نأتمن قيادات شرطية تكره الثورة وتخاف المحاكمة و(يمثل بعضهم أمامها الآن مثولا صوريا) على تأمين الوطن.

لكن يبدو أن ثقافة هذا المفهوم (هيبة الدولة) تشوهت كثيرا في بلادنا العربية والإسلامية ليس فقط عند عامة الناس بل يبدو أن ألأمر اختلطت على أفراد من نخبتها.
وهذا يرجع في نظري إلى طول عهدنا بالاستبداد الذي لم يكتف بالوسائل القمعية في ترسيخ حكمه بل أضاف لها كل الآليات الإعلامية والمنابر الثقافية التي لا تزال تجري علميات غسيل مخ للمواطنين. فاختلطت المفاهيم حيث توحَّد «استبداد الحاكم» بـ«هيبة الدولة»، و«السكوت على الظلم» بـ«الاستقرار»، والـ«نقد» سواء للحكام أو الأفكار الرجعية العتيقة بـ«الفتنة والكفر والردة»... الخ تناقضات واقعنا الثقافي البائس.
فنتج عن ذلك أننا نسمع ونرى مئات المتظاهرين العزل يقتلون ويصابون إصابات بالغة تعيقهم عن الحياة الطبيعة (كما في بلدنا مصر) والآلاف كما في غيرها في الوطن العربي مقابل أن يظل فرد واحد أو بضعة أشخاص جاثمين على حكم البلاد والعباد، ورغم ذلك تجد من يبرر ويدافع عن ذلك للأسف.
ونتمنى أن يكون للثورات العربية أثر إيجابيا في النهوض بفهم حقيقي لهذا المفهوم. عن طريق خلق واقع للحوار وحرية الفكر والتعبير وإعطاء مساحة أكبر للمثقفين في مجتمعاتنا.

بهذا الكلام نكون قد رددنا على مضمون مقال الدكتور ، ولننظر لبعض تفاصيل مقال الدكتور لنبين وجه خطئها في نظرنا:
- شبه الكاتب المتظاهرين والشرطة بأصحاب البيت ومن يهجم عليهم، وهذا خطأ (واقعي) لأن المتظاهرين كانوا معتصمين في ميدان التحرير ثم فوجئوا بجحافل الشرطة تقمعهم وتستخدم عنف غير مبرر في طردهم وإنهاء اعتصامهم رغم أنه حق دستوري مكفول لهم، ثم انضم متظاهرين جدد لهم كـ«رد فعل» لعنف الشرطة حتى تمكنوا من الاعتصام وطرد الشرطة لأحد الشوارع الجانبية للتحرير (محمد محمود) ولم تكتفي الشرطة بذلك؛ فحتى الآن تخترق قنابل الغاز قلب ميدان التحرير والشوارع المحيطة حتى أضطر الأطباء لنقل المستشفى الميداني أكثر من مرة.
- زعم الكاتب أن الهدف من ذلك هو إسقاط هيبة الشرطة وبالتالي إثبات أنهم عاجزين عن تأمينها حتى يكون هذا مبررا لإلغائها. لكن لو كلف أستاذنا نفسه بالنزول للتحرير سيتأكد أن هذا لم يخطر ببال واحد من المتظاهرين كما أن أهدافهم أرقى وأدق نظرا من مجرد تأجيل الانتخابات لمدة أسبوعين أو ثلاثة كما نادت بذلك بعض القوى السياسية.
بل شباب التحرير يوازنون بين ثورة عظيمة تريد بناء دولة عصرية، واستقرار مزعوم يسمح لنظام مبارك بالعودة مرة أخرى لترجع مصر لظلامها وفقرها والتحكم في أرزاق شعبها وكان شيئا لم يكن.
شباب التحرير لن يرضي بانتخابات يرجع فيها حزب مبارك (الوطني المنحل) في صورة 8 أحزاب جديدة (فضلا عن مرشحيهم في حزبي «الوفد» و«الحرية والعدالة» وغيرهما).
كنت أتمنى من الكاتب أن تأخذه حمية وطنية – بل إنسانية - على دماء شباب وطنه ويطالب بمحاكمة القتلة أو حتى إقالة الوزير، أو إعادة هيكلة الشرطة وتغيير عقيدتها. لكن للأسف.
هذا ما نراه يتعلق بجانب مفهوم هيبة الدولة في مقال الكاتب والتي نظن أن دوافعه سياسية لا ثقافية، وثمة جمل سياسية في مقاله الصغير لا نوافقه عليها. لعلنا نفرغ للكتابة عنها في وقت لاحق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا