الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


د. محمد عزة العبيدي.. في مقهى الزهاوي

وديع العبيدي

2011 / 11 / 24
سيرة ذاتية


د. محمد عزة العبيدي.. في مقهى الزهاوي
قد لا يحضر الاستاذ الدكتور محمد عزة العبيدي يوميا في مقهى الزهاوي ولكن لحضوره نكهة خاصة تنعكس في جوّ المقهى. ميال بطبيعته للهدوء والتأمل، وروح النكتة لا تفارقه، والابتسامة عنوان أحاديثه واستقبالاته. ربما كان الوحيد الذي حمل لقب دكتور في تلك المجموعة، وهو دكتور باطنية، قضى جانبا كبيرا من خدمته الطبية في جنوب العراق، ولكنه إضافة للعمل الطبي لم يفارق الثقافة ولم يفارقه الأدب والشعر يوما. كان متزوجا وابنته طبيبة كذلك.
الدكتور محمد عزة العبيدي طويل القامة نسبيا (حوالي 1.8م) صحيح البنية أنيق الهندام مهيب الصورة تنطوي شخصيته على خبرة وحكمة. تذكرك رؤيته بصورة المقاتل الآشوري الواثق بنفسه وقدراته. وما يزال كثير من أهل نينوى وسكان شمال بغداد يجتمعون في خصلة خصائص جسمانية وشخصية عديدة. يضع على عينيه نظارة طبية سوداء، تناسب لون وجهه الحنطي الفاتح. ولد في الموصل ودرس (الطب) في سوريا وعمل في جنوب العراق، شاغلا مراكز عدة منها مدير صحة المحافظة ومراسل مجلة طبيبك أيام الستينيات.
نشر الدكتور محمد عزة العبيدي (1921- 1998) قصائد كثيرة في الصحافة العراقية والسورية معظمها يدخل في باب الرومانسية العاطفية في أجواء ما يعرف بالمدرسة اللبنانية، تدور حول المرأة والحب والحياة والطبيعة. كما نشر بحوث طبية عدة منها دراسة عن مرض السكري. لكنه في تلك الفترة أواخر الثمانينيات كان منقطعا عن النشر، وأدنى إلى الصمت الثقافي. مع أواخر الثمانينيات ظهرت حركة نشر أدبية لأسماء من أجيال مختلفة، وذلك في مجال النشر الشخصي أو الخاص، في حين اختصت منشورات الثقافة الرسمية بما يخدم سياسات الدولة والمعركة. وكانت بعض تلك الاصدارات الخاصة تصل المجموعة من خلال المؤلفين أنفسهم. وكانت الكتب الصادرة تحظى بمناقشات ومداولات لأيام وأسابيع حسب ما يتخاطر من أفكار أو تحظى بردود وتعليقات من باب "رأي على رأي" بين مدافع ومنتقد.
وقد أصدرت مجموعة شعرية تلك الفترة وزعت نسخا منها بين الأخوة وكانت من شعر التفعيلة والشعر الحديث. والمعروف أن الذائقة الأدبية لمجموعة رواد المقهى لم تكن تخرج عن حدود القريض أو تفعيلة الأربعينيات والخمسينيات في أحسن الأحوال. في تلك الفترة صدرت مجموعة شعرية للشاعر الدكتور باقر سماكة* (1924- 1994)، فكان تعليق الدكتور عزة العبيدي، أن الصورة الشعرية في مجموعة وديع العبيدي أفضل منها في ديوان الدكتور. وكانت كلمة الديوان أكثر تداولا لدى الجيل التقليدي للدلالة على كتاب الشعر. وقد كان رأيه هذا مميزا داخل المجموعة التي تحفظت- أو كان لها تحفظات على الشعر الحديث أو قصيدة النثر المرفوضة من قبل معظمهم-. ولعلّ الملاحظة هنا أنه رغم المرجعيات الفلسفية والوجودية الغربية بينهم، فأن انماط التعبير واللغة بقيت تقليدية، وذلك جراء عدم اتصال الفجوة الزمنية بين عصرهم الثقافي خلال النصف الأول للقرن العشرين، مع الأجيال اللاحقة والمتواصلة. هذه الملاحظة التي تنطبق على كثيرين من المنقطعين جيليا، تؤكد الخصوصيات المميزة لشعراء معاصرين ورواد مثل عبد الوهاب البياتي (1926- 1999)، محمود البريكان (1929- 2002)، عبد الرزاق عبد الواحد (1930)، سعدي يوسف (1934)، صلاح نيازي (1935)، تجاوزت لغتهم الأدبية خانة التقليد إلى الحداثة. مع ملاحظة أن مسألة التواصل الثقافي الجيلي هي رديفة التواصل الوظيفي المؤسساتي، فيما الابتعاد عن المؤسسة يؤذن بنوع من قطيعة أو جمود ثقافي.
عندما وصلت المقهى ذات يوم بعيد الظهيرة، أشار الدكتور عزة نحوي بابتهاج وهو يقول: دعونا نسمع رأي العبيدي!، فابتسمت متوجسا واقتربت. فسح لي مجالا بجنبه وقال هامساً فيما الآخرون ينظرون إلينا..
- منذ الصباح والجماعة في جدل عن هذا الشخص، هل هو حكيم أم مجنون فماذا تقول أنت، باعتبارك الأصغر سنا بيننا وربما تفكيرك غير تفكيرنا؟..
والشخص المقصود بذلك يومئذ هو طبعا الرئيس صدام حسين، يتم التحدث عنه باللمز. فابتسمت وقلت:
- لو اجتمع عراقيان لخرجا بثلاثة آراء، ولكن هذا الشخص يستطيع توحيد الملايين تحت رأي واحد، فهل يفعل مجنون ذلك!..
- هل سمعتم يا جماعة.. ما رأيكم؟..
- صحيح..
قال بعضهم، والبعض سكت معتلجا حيرته. الاشكالية الجدلية كانت المقارنة بين الشخص وبين اتجاهات سياساته. وكانت الحروب هي أكبر إشكاليات حكمه، وهي التي تفتقد أية أرضية حقيقية تصل لحدّ الاقناع. وقد بقيت المبررات السياسية المطروحة للاعلام الرسمي دون قناعات النخب المثقفة في البلاد. ومهما كانت الحرب بالضرورة فلابدّ أن لها بدائل وافية، وأضرار الحرب جديرة بالبحث عن بديل حتى لو اقتضى الأمر درجة من التنازل والتضحية. بعبارة أخرى، أن تدهور الحياة السياسية في العراق اضطرد مع انهيار تجربة ما دعي يومها بالجبهة الوطنية أواسط السبعينيات، وملابساتها التي جعلت الحرب مخرجا سياسيا لضبط الساحة الداخلية، الذي ما فتئ وبلغ مصيره المحتوم في الانهيار الشامل في التسعينيات. ان الانسان قد يحتمل الشقاء أو التعاسة أو حتى الموت، ولكنه بحاجة أن يفهم (ماذا ولماذا) لكي ينسجم مع ذاته. وأعتقد ان هذا هو العنصر الذي ما يزال مفقودا حتى اليوم. بعبارة أخرى، أن الناس تمشي بدون رؤوسها.
لو كان صدام قائدا حكيما، لاستفاد من دروس الحرب الأولى وسعى في معالجة آثارها، لكنه أولغ في معالجة الداء بالداء، يقول الشاعر علي الشرقي (1890- 1964)..
أنظرْ لحالِ بلادِنا غلطٌ يُصحَّحُ في غلطْ
وكأن هذا هو قدر العراق لا محيص عنه!.
*
لندن
الرابع والعشرين من نوفمبر 2011
وديع العبيدي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• المجموعة الشعرية الصادرة في الثمانينيات للشاعر الدكتور باقر سماكة هي مجموعته (هل تذكرين؟..) في الغالب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?غرب وا?طرف الخناقات بين ا?شهر الكوبلز على السوشيال ميديا


.. عاجل | غارات إسرائيلية جديدة بالقرب من مطار رفيق الحريري الد




.. نقل جريحتين من موقع الهجوم على المحطة المركزية في بئر السبع


.. سياق | الانقسام السياسي الإسرائيلي بعد حرب 7 أكتوبر




.. تونس.. بدء التصويت لاختيار رئيس الدولة