الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا - المطروح للحسم ومرغريت اللندنية!

عصام مخول

2011 / 11 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



الان اصبح واضحا للنظام وللمعارضة ان الوضع الذي كان قائما قبل انفجار الازمة في سوريا لا يمكن ان يعود. وان قواعد العلاقة بين الشعب والنظام لا بد ان تتحدد على اسس جديدة وعقد اجتماعي جديد. فمطالب المعارضة الوطنية مشروعة ولا مستقبل للحلول الامنية في التعامل مع الحراك الشعبي السياسي والمطالب الاجتماعية والنضال المطلبي

حل الازمة في سوريا– ليس في اطار المشروع الامبريالي وانما في اطار مقاومته*

في المراحل الأخيرة من الحرب العالمية الثانية تعرضت الأحياء الآهلة في مدينة لندن إلى غارات جوية ألمانية عنيفة، وتمكنت طواقم الإنقاذ من العثور تحت أنقاض بناية شاهقة على العجوز مرغريت، وإنقاذها سالمة أمام كاميرات الصحفيين، الذين ابدوا اهتماما كبيرا بتصريحات العجوز الخارجة من قلب الدمار تقول: "أعيش منذ ولادتي قبل تسعين عاما في الطابق العاشر من هذه البناية،ولكنها المرة الأولى التي يحدث فيها أن أسحب السيفون في دورة المياه فتنهار البناية كلها وتنهار البنايات المجاورة لها".
حضرتني مرغريت اللندنية خلال النقاش الدائر حول تفاعل الحراك الثوري وحراك الثورة المضادة في العالم العربي اليوم، وحول ما تتعرض له سوريا من مؤامرات داهمة ومن مشروع مخطط للتضليل وخلط الأوراق. فالقول بأن هناك مشكلة في الحريات الديمقراطية وفي الحريات السياسية وفي مستوى معيشة الفئات الشعبية في سوريا، وخصوصا في السنوات الاخيرة فهذه حقيقة. والقول ان الجماهير السورية العريضة تئن تحت وطأة هذا الواقع، ومعنية بإحداث اختراق فيه فهذه حقيقة أيضا. ولكن وجود مؤامرة امبريالية رجعية سافرة، لم يعد يتخفى عليها أصحابها أنفسهم، تهدف الى إسقاط سوريا وتفكيكها وإخضاعها للهيمنة الامريكية، هي حقيقة صارخة أيضا. وهي الحقيقة المقررة فيما يحدث في سوريا اليوم، في علاقة السبب بالنتيجة، تماما مثلما كانت الغارة الألمانية وليس "سحب السيفون"، هي العامل المقرر في الانهيار الذي تحدثت عنه العجوز اللندنية.
إن المعادلات من المعركة على سوريا في هذه المرحلة باتت واضحة، إلا لأولئك الذين يختارون التساذج هربا من تحمل المسؤولية عن مواقفهم. وبدأ الفرز يأخذ مجراه ليس على الساحة الدولية فقط، ولا على الساحة العربية وقرارات التبعية الذليلة التي اتخذتها الجامعة العربية مؤخرا، توطئة لعدوان امبريالي على سوريا، وإنما بات الفرز أكثر وضوحا على ساحة المعارضة السورية أيضا. وبات اصطفاف القوى والفرز حتى في صفوف القوى المشاركة في الانتفاضة الشعبية يشكل خط توزيع المياه السياسي بين معارضة وطنية واجتماعية مشروعة، وبين قوى معارضة تمثل أجندات ليست وطنية بالضرورة، معنية بالوصول الى الحكم، بالتعاون مع قوى خارجية، في خدمة المشاريع الامبريالية، حتى ولو على جثة سوريا ووحدتها واستقلالها وسيادتها.
لقد أسقط هذا الفرز تلقائيا، الثنائية المشبوهة التي حاولت ان تؤسس لوعي قوامه اقتصار الخيار المطروح امام السوريين، بين قتل المتظاهرين ورجال الامن في الشوارع، وبين إسقاط النظام، واعتبار كل المخاطر والتهديدات السافرة، والمؤامرات والمخططات المحيقة بسوريا، ليست ذات بال.
لقد حاول بعض المتساذجين زجرنا على طول الطريق، عن التمييز بين معارضة وأخرى، وبين بديل سياسي وآخر، ما دامت المظاهرات تنطلق، والدم يسيل، وبعض الفضائيات العربية تقدم على "اغتيال العقل"، وهندسة الوعي، وغسل دماغ الملايين على مدار الساعة. وما دام إسقاط النظام، هو الهدف المحدد والدور المنوط سلفا بالثورة المضادة بكل ما تغدقه عليها القوى الامبريالية والرجعية من وسائلها العسكرية والاعلامية والاقتصادية والسياسية، وليكن من بعدها ومن بعد سوريا الطوفان.
رفضنا ولا زلنا نرفض الإصغاء إلى هذه النصائح، ليس تنكرا لتضحيات المتظاهرين من بنات وأبناء الشعب السوري، من المدنيين والعسكريين وآلامهم، ولا استخفافا بالمطالب العادلة للشعب السوري في انتزاع حرياته وحقوقه وكرامته الإنسانية والاجتماعية،. وإنما رفضنا هذه الأصوات احتراما وإكراما لتضحيات الشعب السوري، وتمسكا بحقوقه ومنعا لتشويه مطالبه العادلة، ورفضا للخلط المنهجي الخبيث، بين نضاله المشروع لنيل المزيد من حرياته ورفع مستوى حياته ورفض الحلول الامنية، وبين المؤامرة الخارجية المفضوحة لإسقاط سوريا وتمزيقها وإخضاع سياساتها.
لقد حذرنا من الثورة المضادة في المنطقة والتي تأخذ في هذه الايام منحى الهجوم الذي تشنه سلطة الجنرالات على المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة ، وتعاملنا مع اندساس قوى الثورة المضادة في الحراك الشعبي في سوريا، ليس كجزء من "الربيع العربي" الذي انطلق في تونس وفي مصر، وانما جزءا من الرد على هذا الربيع وجزءا من التآمر للالتفاف عليه. إن تحذيرنا من الثورة المضادة في سوريا، لا ينطلق من القلق على النظام أساسا، وإنما ينطلق من القلق على سوريا، وعلى فرصة التغيير الثوري والإصلاح التقدمي الحقيقي، الذي تستحقه وتطمح إليه أوسع الشرائح الشعبية السورية، من العمال والفلاحين وصغار الموظفين، ويتجاوب مع مطالبها العادلة.
إن القطاعات الشعبية التي تشكل غالبية الشعب السوري، لها مصلحة مشروعة في نظام اقتصادي منتج يناهض التبعية والليبرالية الجديدة والفساد، ونظام اجتماعي عادل لا يقوم على الخطاب الطائفي الأصولي ولا على التفكيك والتصارع الاثني، ونظام سياسي فيه متسع للحريات الديمقراطية والمدنية، يتجاوب مع احتياجات الناس الحياتية وطموحاتها من جهة، ويحفظ سوريا ويعمق التزامها ودورها الوطني المناهض للهيمنة الأمريكية وإملاءاتها ومشروع الشرق الأوسط الكبير من الجهة الأخرى.
إن ما تقود إليه قوى الثورة المضادة في سوريا، المدعومة والممولة من المراكز الامبريالية والرجعية العربية والعثمانية الجديدة، بعيد كل البعد عن هذه الطموحات الشعبية المشروعة وعن فئات واسعة في داخل المعارضة الوطنية. إن محاولة "المجالس الوطنية" على ألوانها الركوب على المطالب الشعبية العادلة لتبرير انضوائها في المشروع الدولي المتآمر على سوريا، يلطخ القضايا العادلة والطموحات المشروعة للشعب السوري ويخضعها لأجندات إقليمية ودولية يرفضها كل سوري وطني.
الان اصبح واضحا للنظام كما هو واضح للمعارضة ان الوضع الذي كان قائما قبل انفجار الازمة في سوريا لايمكن ان يعود. وان قواعد العلاقة بين الشعب والنظام لا بد ان تتحدد على اسس جديدة وعقد اجتماعي جديد. واصبح واضحا ان مطالب المعارضة الوطنية هي مطالب مشروعة وان لا مستقبل للحلول الامنية في التعامل مع الحراك الشعبي السياسي والمطالب الاجتماعية والنضال المطلبي.
واصبح واضحا للمعارضة من الجهة الأخرى أن تحقيق إسقاط النظام ليس قاب قوس وادنى، وليس في متناول يدها، وليس مطلبا يلتف من حوله الشعب السوري بما في ذلك غالبية العاملين والفلاحين والموظفين الصغار. واصبح واضحا، أن الامتناع عن التحرك لانهاء الازمة من خلال حوار وطني شامل وصادق، سيجر كارثة على سوريا وربما على المنطقة كلها ولن يزيد اوضاع الفئات الشعبية إلا بؤسا.
السؤال الحقيقي الحاسم الذي لا زال مفتوحا، هل سيتم البحث عن الحل من خلال المشروع الامبريالي والتبعية للهيمنة الامريكية؟ أو من خلال مقاومتها؟ هل يكون المخرج من الأزمة السورية في إطار الموقف الوطني التحرري الذي يحفظ سوريا ويعمق التزامها بسياسة معادية للمشاريع الامبريالية والهيمنة الامريكية، أو سيتم في الاطار الامبريالي التآمري في المنطقة. هذه هي الخيارات وعلى هذا يدور النقاش، وعليه يدور الصراع في سوريا وخارج سوريا. ومن حوله سيقوم الفرز ليس على الساحة السورية والاقليمية والدولية فقط، بل على ساحة المعارضة السورية نفسها ايضا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و