الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهستدروت تبارك حكومة الوحدة

داني بن سمحون

2004 / 12 / 21
الحركة العمالية والنقابية


قبل ان يجف الحبر عن تصريحات زعيم الهستدروت، عمير بيرتس، ضد ايهود براك وتشبيهه بتاتشير وبوزير المالية بنيامين نتانياهو، اعلنت الصحافة عن توصل الهستدروت ووزارة المالية لاتفاق حول ميزانية عام 2005.
التوقيت كان مثيرا: في نفس اليوم الذي بدأت فيه بشكل رسمي المفاوضات بين شارون وبيرس على تشكيل حكومة الوحدة، يقوم عمير بيرتس بتفكيك اللغم الكبير في طريق الوحدة، وهو الموقف من السياسة الاقتصادية الاجتماعية التي قادها وزير المالية نتانياهو منذ تأسيس حكومة شارون عام 2003.
في الاتفاق الجديد بين المالية والهستدروت تنازلت المالية عن بعض الامور الهامة التي تخص موظفي الدولة وبعض العمال. ومن ذلك مثلا النية لفرض ضريبة على تعويضات الفصل من العمل، وعن العمل في الورديات، والتراجع عن النية لخفض اجور الموظفين الحكوميين. في المقابلات الصحافية اعتبر بيرتس هذه التنازلات على انها مؤشر على تغيير جذري في موقف المالية، ودليل على نجاحه الباهر في التفاوض.
مسؤولو وزارة المالية يدعون العكس، ويبدو من جوهر الاتفاق ان الحق معهم. اذ لم يطرأ اي تغيير في موقف المالية في الامور الجوهرية: ومنها النفقات في مشاريع البنية التحتية وفي خلق اماكن عمل؛ التقليصات الخطيرة في جهازي التعليم والصحة وفي مخصصات العاطلين عن العمل، المسنين والمعاقين. زعيم الهستدروت الذي توقع الجميع ان يكون حجر عثرة امام حكومة الوحدة مع الليكود، اصبح اليوم الحاخام الذي منح الصفقة الفاسدة ختم "كوشير".

حركة "آدم" مناورة اعلامية

قبل اسبوع من ابرام الاتفاق المفاجئ، بادر بيرتس لحركة تتنافى للوهلة الاولى مع الاتفاق. القصد هو المبادرة لتشكيل حركة اجتماعية جديدة باسم "آدم"، والتي ستشكل القاعدة الانتخابية لبيرتس في منافسته على رئاسة حزب العمل. انضمام بيرتس لحزب العمل قبل نصف عام، رافقته سلسلة من المناورات الاعلامية، كانت اولها حملة اعلامية مكلفة حول ضرورة رفع الحد الادنى للاجور، والآن اقامة الحركة الاجتماعية الجديدة.
تم تأسيس حركة "آدم" في مؤتمر بتل ابيب في 28/11 بحضور الف من انصار بيرتس، من بينهم رجال اعمال مثل بيني غاؤون (من مديري مجمع "كور" الاقتصادي سابقا)، زعيم العمل شمعون بيرس، اعضاء كنيست من حزب العمل و"عام احاد"، وعدد من الوجوه المعروفة كقيادات المنظمات الاجتماعية. بيرتس استغل المناسبة لتوجيه اصبع الاتهام لمنافسه على قيادة العمل براك، واتهمه انه "توأم بيبي وصاحب نظرية اقتصادية تاتشرية".
عمير بيرتس الذي اسس حزب "عام احاد" المستقل عن حزب العمل، فشل في الانتخابات الاخيرة في ضمان كتلة برلمانية كبيرة، وقرر العودة لحزب العمل، بتشجيع من زعيم الحزب المؤقت، شمعون بيرس، الذي يشجع بيرتس على بناء كتلة مستقلة له وترشيح نفسه لقيادة العمل. ورغم ادعاء بيرتس بان حركة "آدم" الجديدة هي اطار مستقل يهدف الى اغراض اجتماعية، يدرك الجميع ان القصد منها هو بناء كتلة داعمة لبيرتس في منافسته على رئاسة العمل.
د. اوري زلبرشايد، زعيم حركة "مجتمع الآن"، انتقد المبادرة لتأسيس حركة "آدم"، وسماها "احتيالا على الجمهور". في مقال بموقع الانترنت التابع له، كتب زلبرشايد انه كان بالامكان تأسيس حركة تؤيد عمير بيرتس، والتوجه بشكل علني للجمهور، وليس من خلال ايجاد حركة اجتماعية تعمل في الواقع لاهداف انتخابية.
الكاتب المذكور انتقد ايضا الحضور البارز لزعيم العمل شمعون بيرس في الاجتماع التأسيسي للحركة الجديدة، مشيرا الى ان بيرس كان الاول الذي فتح الطريق في الثمانينات عندما كان وزيرا للمالية، لضرب مؤسسات دولة الرفاه. إشراك بيرس في الاجتماع التأسيسي، يقول زلبرشايد، يعكس غياب العمود الفقري الاجتماعي لدى المبادرين.
زلبرشايد انتقد ايضا اهداف الحركة الجديدة المعلنة، وتحديدا البند الذي ينص على دعمها لبناء "دولة رفاه عصرية". هذا المصطلح، في رأيه، هو اسم مستعار للقبول بمفاهيم الرأسمالية الجديدة التي تقلص مخصصات التقاعد. بعض ردود الفعل في موقع الانترنت على هذا المقال دعمت نفس الاتجاه. احد الكتاب ذكر ان "حزب العمل هو الحزب التقليدي لاصحاب المال العقلانيين، ولذا فمن المفروض ان يقوم بيرتس بتجنيد رجال الاعمال، امثال بيني غاؤون، اذا اراد الانضمام لهذا الحزب".

منظمات اجتماعية في تراجع

بين القوى التي اجتمعت مع الهستدروت لاقامة الحركة الجديدة، برز الحضور الكبير لقيادة المنظمات الاجتماعية. هؤلاء انضموا اليوم الى بيرتس، ومن خلاله لحزب العمل، على امل بناء قوة سياسية لتغيير طبيعة الحزب. بين الحضور شخصيات من منظمة عوديد، يسود، مهباخ، مجتمع، حركة خريجي حركات الشبيبة ومركز نضال المعاقين. وقد شارك هؤلاء بصفتهم الشخصية وليس كمندوبين عن منظماتهم.
دعم هذه الشخصيات لبيرتس ولحزب العمل، يبدو اليوم غير مبرر. في العقدين الاخيرين تبنى حزب العمل جدول عمل رأسماليا نيوليبراليا، وغض الطرف عن مفاهيم دولة الرفاه. رؤساء الوزراء من حزب العمل، بيرس، رابين وبراك، التزموا جميعهم بجدول العمل الخاص برأس المال الامريكي والعولمة، وكانت لهم مساهمة كبيرة في خصخصة الاقتصاد الاسرائيلي، ودفع مئات آلاف العمال الى الهوامش. تدمير قوة العمال المنظمة، سيطرة شركات القوى البشرية والسماح باستيراد العمال الاجانب لتشغيلهم كالعبيد، كانت من انتاج حزب العمل عندما ترأس الحكومة.
الفراغ الاجتماعي الكبير في وضع ترتفع فيه نسبة الفقر وتتسع الفجوات الاجتماعية، يفسر النشوء السريع للمنظمات الاجتماعية البديلة خلال السنوات الاخيرة. فاذا كانت في الثمانينات 3.000 جمعية تقريبا، فان العدد وصل اليوم بعد 20 عاما الى اكثر من 30 الف جمعية. وكلما قلصت الدولة المخصصات والخدمات الاجتماعية، كلما زاد الطلب على الخدمات التي توفرها هذه الجمعيات.
يذكر ان هذه المنظمات ابتعدت عن الاحزاب السياسية، وادعت العمل على خلق جدول عمل اجتماعي بديل. فكيف نفسر انضمامها اليوم لحزب العمل، عشية انضمامه لحكومة شارون ونتانياهو؟ عن هذا اجابنا احد قياديي جمعية "يديد" د. يوفال البشان بالقول ان حركة "آدم" هي محطة انتقالية بين السياسة والمجتمع المدني.
الدكتور داني غوتواين قال انه لا يرى في العدد الكبير من المنظمات الاجتماعية امرا ايجابيا. السبب في رأيه ان هذه الجمعيات تأتي لتبدل الدولة وتعفيها من مسؤولياتها تجاه المواطنين. وربط غوتواين بين زيادة عدد الجمعيات وبين خصخصة الخدمات، واوضح انه ليس بالامكان الابتعاد عن السياسة اذا ارادت الجمعيات فعلا التأثير على مجرى الامور.
الانضمام لحركة "آدم" لا يشير الى نية للتغيير، بل بالعكس. انه مثابة اعتراف بفشل الجمعيات في طرح نفسها كطرف مستقل يعمل خارج النطاق البرلماني. نظرة دقيقة لجدول عمل المنظمات الاجتماعية التي انضمت الى بيرتس، تكشف نقاط ضعفها التي ادت بها اليوم الى الطريق المسدود. كل هذه المنظمات اكتفت بالنشاط في اطار المجتمع اليهودي الاسرائيلي، ورفضت اتخاذ موقف ازاء العمال العرب والفلسطينيين الذين هضمت حقوقهم بسبب البطالة والاحتلال.
انضمام بيرتس لحزب العمل كان اعلانا عن تراجعه عن المحاولة لبناء البديل العمالي والعودة للحضن الرأسمالي. ولذا كان المفروض ان يشكل هذا فرصة لمراجعة الذات، لدى من يدعمه اليوم. الحاجة لا تزال ماسة وملحّة لبناء حركة للتغيير الاجتماعي. ولكن هذا يحتاج الى طرح بديل يساري نضالي يتحدى المؤسسة الحاكمة بكل احزابها وسياساتها، ويؤطر في صفوفه العمال الذين تم تهميشهم، وضمنهم العمال العرب، في مواجهة سياسة الخصخصة والرأسمالية المفرطة. دعم عمير بيرتس وحزب العمل ليس خطوة في هذا الاتجاه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شركة بوينغ تكتشف مخالفات وتلاعب بين الموظفين العاملين في طرا


.. شركة بوينغ تكتشف مخالفات وتلاعب بين الموظفين العاملين في طرا




.. طلاب يعتصمون بجامعة كومبلوتنسي الإسبانية تضامناً مع الفلسطين


.. عشرات الطلاب يعتصمون داخل مقر جامعة أكسفورد البريطانية تضامن




.. احتجاجاً على استمرار الحرب على غزة.. طلاب مؤيدون لفلسطين يعت