الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جولة في الزمكان

هشام غصيب

2011 / 11 / 29
الطب , والعلوم


تبين لدينا في المقالتين السابقتين أن الزمن يتغير، إذ ننتقل من مرجع إسناد قصوري إلى آخر، بكيفية شبيهة جداً بالكيفية التي تتغير بها الأبعاد المكانية، وذلك وفق علاقات لورنتس التحويلية التي تشكل أساس نظرية النسبية الخاصة. فالأبعاد المكانية والزمن تختلط معاً بالكيفية ذاتها تقريبا إذ يتم مثل هذا الانتقال. وتبين أيضا أن مربع طول الخط المستقيم الواصل بين حدثين في المكان مطروحاً منه مربع حاصل ضرب سرعة الضوء في الزمن كمية لامتغيرة تظل كما هي بالنسبة إلى جميع مراجع الإسناد القصورية. ويسمى الجذر التربيعي لهذه الكمية الفترة الرباعية. ويذكرنا ذلك بتغير الإحداثيات المكانية إذ ندير نظام الإحداثيات المكانية بزاوية معينة حول محور ثابت. ذلك أن إدارة هذا النظام تؤدي إلى اختلاط الإحداثيات المكانية معاً، لكنها تبقي على الطول كما هو من دون تغيير. ويقودنا هذا التشبيه إلى اعتبار الانتقال من مرجع إسناد قصوري إلى آخر مكافئاً لإدارة نظام إحداثيات رباعي يتكون من ثلاثة أبعاد مكانية وبعد زمني واحد بزاوية معينة في فضاء رباعي مكاني زماني. وقد أسمى الرياضي الألماني هيرمان منكوفسكي هذا الفضاء المتصل الزمكاني، أو الزمكان. كما يقودنا هذا التشبيه إلى اعتبار الفترة الرباعية بمثابة المسافة أو الطول في الزمكان، وإن كانت تتمتع بخصائص طولية غريبة وغير مألوفة. فهي تساوي صفراً في حال حركة الضوء بالنسبة إلى جميع مراجع الإسناد القصورية. وهي يمكن أن تساوي في حالات معينة رقما تخيليا، أي رقماً يتضمن الجذر التربيعي لسالب واحد.

والنقطة الجوهرية هنا هي أن الأطوال المكانية والفترات الزمنية لا تحافظ على قيمها، أي إنها تتغير، إذ ننتقل من مرجع إسناد قصوري إلى آخر. أما الكمية المكانية الزمانية التي تحافظ على قيمتها، فلا تتغير، عند إجراء هذا الانتقال، فهي الفترة الرباعية. ويشير ذلك إلى أن الفضاء الطبيعي الذي يحقق نوعاً من الاكتمال هو الزمكان، وليس المكان الثلاثي الأبعاد. وبتعبير آخر، فإن الزمان يرتبط عضويا بالمكان، يؤثر فيه وبتأثر به على أساس من التكافؤ بينهما، وكأنه بعد مكاني رابع. من ثم، فإن المكان الثلاثي الأبعاد لا يشكل نظاما هندسيا متكاملا، وإنما يشكل جزءاً من فضاء رباعي الأبعاد يمكن أن يعدّ نظاماً هندسيا متكاملاً. وبالطبع، فإن الزمان هو جزء عضوي لا يتجزأ من هذا الفضاء، هذا الزمكان.

ويمكن فهم جميع قوانين النسبية الخاصة ونتائجها “الغرائبية” على أساس الخصائص الهندسية للزمكان. بل يمكن القول إن مبادىء النسبية الخاصة وقوانينها ليست سوى تعبيرات عن خصائص الزمكان (فضاء منكوفسكي) وبناه.

ويمكن تمثيل الزمكان على النحو الآتي. نرسم خطا أفقيا يمتد يمينا ويساراً من نقطة معينة نعتبرها نقطة الصفر (نقطة الأصل). ثم نمد من هذه النقطة خطا عموديا إلى أعلى وآخر إلى أسفل. ونعتبر الخط الأفقي تمثيلا للمكان، أو، بالأحرى، لبعد مكاني واحد. أما الخط العمودي فنعتبره تمثيلا للبعد الزماني، ماضيا ومستقبلاً. ويمثل هذا النظام الإحداثي الزمكان تمثيلا دقيقا وكافيا فيما يتعلق بجميع الحركات التي تتم في اتجاه مكاني ثابت، أي في بعد مكاني واحد. ويمكن تمثيل الأجسام الساكنة في مرجع إسناد قصوري بخطوط مستقيمة عمودية موازية للبعد الزمني. أما الأجسام التي تتحرك بسرع ثابتة في خط مستقيم، فنمثلها بخطوط مستقيمة مائلة بالنسبة إلى المحور الزمني. وأخيراً، فإن الأجسام المتسارعة، أي تلك التي تتغير سرعها مع الزمن، نمثلها بمنحنيات. وإذا كان هناك مرجع إسناد قصوري آخر يتحرك بسرعة معينة بالنسبة إلى الأول، مثلناه بنظام إحداثيات من هذه القبيل مدار بزاوية معينة بالنسبة إلى الأول.

والآن، فلنتدبر حدثين متزامنين بالنسبة إلى مرجع إسناد قصوري، لكن تفصل بينهما مسافة مكانية محدودة (مثلا انفجاري نجمين). لما كانا يقعان في اللحظة ذاتها، فإن الفترة الواصلة بينهما يمكن تمثيلها في نظام الإحداثيات الزمكاني، الذي يناظر مرجع الإسناد المعني، بخط مستقيم أفقي موازٍ للمحور المكاني. ولكن، كيف يبدو هذا الخط من منظور مرجع إسناد آخر يمثله نظام إحداثيات زمكاني مدار بالنسبة إلى الأول؟ إذا أنزلنا من كل طرف من طرفي هذا الخط عموداً على كل من المحورين المدارين، تبين أولاً أن الفرق بين العمودين الواقعين على المحور الزمني لا يساوي صفراً. وهذا يعني أن الأحداث التي تبدو متزامنة بالنسبة إلى مرجع إسناد قصوري لا تبدو كذلك بالنسبة إلى مراجع الإسناد القصورية الأخرى. وهي نتيجة رئيسية من نتائج النسبية الخاصة، تتبدى بجلاء وبصورة مباشرة من منظور الزمكان. كذلك، فإن هذا التحليل الهندسي يظهر بجلاء أن الفرق بين العمودين الواقعين على البعد المكاني المدار يقل عن نظيره في نظام الإحداثيات غير المدار. وهي نتيجة مهمة أخرى من نتائج النسبية الخاصة، تلك المعروفة بتقلص لورنتس وفتزجيرالد السالف ذكره. وهكذا، فإنه يمكن اشتقاق نتائج نظرية النسبية الخاصة جميعا، بما في ذلك علاقات لورنتس التحويلية، من خصائص الزمكان على نحو ما بينا أعلاه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | خرائط غوغل.. أعطال متكررة وتقييمات متراجعة


.. ميزة جديدة غير متوقعة.. غوغل تطلق -الهمهمة- لتذكر الأغاني




.. وزارة الصحة بغزة تحاول إعادة تشغيل بعض مراكز غسيل الكلى وتعا


.. أسماء الأسد تعلن إصابتها بالسرطان على غرار إعلان الأميرة كيت




.. تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لحرب الفضاء.. ما القصة؟