الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هكذا تورد الإبل يا أستاذ بيانوني

جان كورد

2004 / 12 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في سوريا تحتكر الدولة ، في ظل عقيدة البعث الانقلابية، كل شيء، السلطة والمعارضة معا والإعلام الذي من المفترض أن يراقب العلاقة بينهما ويكون عين الشعب الساهرة، ورأس النظام على حد تعبير أحد فلاسفتها الذين تم شراؤهم في سوق النخاسة السياسية، هو رأس المعارضة في الوقت نفسه، وهناك دائرة مرسومة من قبل الحاكم يسمح العمل بداخلها من أجل حقوق الإنسان وانتخاب ممثلي الشعب وممارسة "المعارضة الوطنية" ، وما خارجها إن هو إلا "حثالة" على حد قول أحد أئمة حقوق الإنسان السوري مؤخرا ، وهو غير وطني وغير واقعي وغير ناضج، لا فكريا ولا تنظيميا ولاعربيا... فهل هناك أخطر من هذا في تاريخ الشعوب التي تؤمن بالتقدّم من خلال الاختلاف في الرأي؟!

في الثلاين سنة الماضية، وهي عقود مظلمة من الاعتقال الكيفي والظلم المستمر وهدر الحقوق والكرامة والاقصاء والاستلاب وكل ما يتخيّل المرء من مظاهر وسمات الحكم التوتاليتاري الدموي والإرهابي بحق الشعب السوري، كان السوريون ومن يراقب المشهد السوري من الخارج عندما يتحدث عن السياسة في سورية يذكر نظاما بعثيا "عبثيا" يحمل صخرة سيزيف لوحده ومعارضة من أبرز حرابها الدامية في بعض الأحيان "الإخوان المسلمون"، وبخاصة من منتصف سبعينات القرن الماضي إلى نهاية السنة الثانية من ثمانيات ذلك القرن. كما كان يذكر وجود بعض منظمات حقوق الإنسان التي نبتت مع الأيام منبّهة الرأي العام العالمي بإمكاناتها المحدودة والمعرّضة لرقابة صارمة ومؤذية.. ولكن منذ سنوات قلائل وبخاصة بعد سقوط الشق الثاني من نظام البعث وفلسفته بدأ عقرب هذه المعارضة يقترب من عقرب النظام الذي لايكاد أحد يلاحظ حركته على ساحة الزمن لبطئه الشديد، وفي الوقت نفسه شرعت منظمات حقوق الإنسان، مرغمة على الانكماش في الزاوية الميّتة، تعلن عدم رفضها "الوصاية" من قبل النظام وتقبل بالعمل ضمن الدائرة الحمراء التي رسمها النظام حول حديقته كما فعل البعث العراقي بأن جعل في وسط بغداد منطقة خضراء لاتقترب منها أية قوّة سياسية أو شعبية إلا تحت أنظار الأمن وبموافقته أو بطلبه...
هذه الهرولة باتجاه الركون إلى النظام، وبخاصة بعد صدور برنامج "الإخوان المسلمين" المستقبلي والمقابلة البيانونية الشهيرة في قناة المستقلّة يوم 18/12/2004 بعد أن سبقتها مقابلة للدكتور هيثم المنّاع بيوم واحد، وهو الآن يحمل رتبة القائممقامية في مسائل حقوق الإنسان السوري ، سببه هو عجز منظمات حقوق الإنسان وعجز "المعارضة الإسلامية" عن زحزحة شيء من النظام، كما هو في الوقت نفسه نتيجة وخيمة للتضحية بدماء عشرات الألوف من السوريين وإهانة لكل المعاقين أو الذين استشهدوا بسبب التعذيب أو الذين قضوا أعمارهم في معتقلات البعث الرهيبة أو فقدوا وهم أحياء... ولذا كان لا بد من ستر هذا الركون بشعار لا تحمله المعارضات الساعية حقا من أجل التغيير في أي مكان من العالم، وهذا الشعار الذي أطلقوه تم خطّه بماء الذهب البرّاق هو " المصالحة الوطنية ورفض الاستقواء بالأجنبي والوقوف في وجه الامبريالية والصهيونية والتأكيد على عروبة سوريا في وجه العدو الداخلي الذي يحمل نزعة الأقلياتية.." والأقلياتية هي تحديث للشعوبية التي كانت سائدة في التاريخ العربي الذهبي أيام هارون الرشيد الذي كانت توضع على وسادته الحريرية كل خراج العالم الإسلامي الواسع الممتد.
الإخوان المسلمون – حسب ما يقال - لم يستقووا بأمريكا وأوروبا أثناء الحرب التي أعلنها النظام عليهم ورفضوا كل أنواع المساعدات التي عرضت عليهم في ابداية الثمانينات، كما رفضوا مساعدة البعث العراقي المجرم بحقهم وبحق غيرهم ورفضوا عون النظام الملكي العضودي في الأردن الذي "كان ديدنه تصفية الثورة الفلسطينية" أثناء التجاء قادته إليهما بعد الهزيمة المريرة وخسران القاعدة الشعبية والانشقاقات التي دبّت في صفوفهم، ولم يكونوا مع هذه "الامبريالية" في خندق واحد ضد "الشيوعية" و"السراب الاشتراكي"، كما أنهم لم يكونوا في يوم من الأيام عروبيين على الرغم من أنهم يؤكّدون باستمرار منذ تأسيسهم على عروبة الشعب السوري الذي هو لوحة فسيفسائية واضحة كالشمس لكل قريب وبعيد، وقد يكون العرب السوريون لدى التمحيص والتدقيق أقل من 50% من المجموع السكاني ، إذا ما أحصينا الأقليات التي ترفض إطلاق صفة العروبة على وجودها، ومنهم الكورد والتركمان والسريان والآشوريون والكلدان والدروز والشركس وغيرهم.. وهذه الادعاءات عن رفض الإخوان الاستقواء بالأجنبي وبالامبريالية سيتّم حشرها في الدفاتر التاريخية لهم وتربية الأجيال بها، على الرغم من أن الحقيقة غير ذلك.. ومن كان في الماضي ضد "المصالحة الوطنية" سوى الإخوان الذين كانوا يتهمون الآخرين بالتخاذل والذبذبة والتبعية للنظام "الكافر الملحد التابع الضعيف...!" حسب أدبيات ووثائق هذه الحركة المنشورة في عموم أنحاء العالم.
الأستاذ البيانوني كان في مقابلته يعرض الحقائق عن أصغر الأمور، كمعاملة موظفي سفارة سورية لبعض المنفيين "طوعا وخوفا" في بلد أجنبي، حتى نبّهه مقدّم البرنامج إلى أن الأمر يقتضي الترفّع عن صغائر الأمور، كما كان يعود باستمرار إلى مسألة المحرومين من الحصول على جوازاتهم وهوياتهم الشخصية من الملاحقين والفارين من البلاد، ولكنه لم يذكر كلمة واحدة – حسب متابعتنا البرنامج- عن المأساة المتعددة الأشكال والوجوه للشعب الكوردي الذي يعاني منها منذ استيلاء البعث العنصري على الحكم في عام 1963 ومن تلك المظالم حرمان جزء كبير منه من حق المواطنة السورية وتطبيق حزام أمني عروبي بعرض (15) كم وطول يقارب ال(300) كم، أي أطول وأوسع وأشنع وأبشع وأشد تدميرا من الجدار الأمني في فلسطين... ولربما ذكر الرجل شيئا بسيطا عن الكورد وحقوقهم لم أسمعه... فهل نسي زعيم الإخوان المسلمين ذكر قضية شعب يعيش داخل سورية ويتعرّض للمهانة والاضطهاد الشامل، لا في مقابلته الوديعة مع قناة المستقلّة ولا في برنامج حزبه، أم أن ذلك "الإهمال المقصود" مقابل التركيز على سجناء الإخوان والقانون 49 المتعلّق بالمعارضين من الإخوان دون قوانين التعريب القسري للكورد، تكتيك سياسي حتى يتّم عدم تخويف البعث المعادي لأي إصلاح يتعلق بوضع الشعب الكوردي، أم أن دم الكوردي وأملاكه وحقه في الحصول على هوية وحق المواطنة لايلعب أي دور في سياسة هؤلاء الذين يحملون الرسالة المحّمدية على يد ومشروع الإصلاح السوري الكبير على يد؟ والإسلام كما نعلم قد ساوى بين المسلمين في الدم والعرض والمال... وإذا كانت القومية الكوردية أدنى مقاما من القومية العربية ، والجدار الأمني الاسرائيلي أخطر من الحزام العربي، فهل مشروع الإصلاح سيستثني هذا الجزء الكوردي الشعب السوري من الحقوق البشرية فيما إذا تمت المصالحة مع عدو الأمس الحاكم؟ ولماذا لم يتم الحديث عن مأساتهم في الوقت الذي أبدى فيه الأستاذ البيانوني الاهتمام بأمور بسيطة حقا وبمطالب سطحية لاتقترب من جوهر النظام وسبب رفض الشعب السوري له، ونعني بذلك "دستور البعث" و"دستور البلاد" ، هذين العائقين الكبيرين في وجه أي إصلاح حقيقي في البلاد.
لا أعتقد بأن الضغوط الأمريكية على سوريا، وهي متزايدة باضطراد ولكنها غير مؤذية بعد، هي التي دفعت الإخوان المسلمين إلى طرح برنامجهم الإصلاحي هذا، بعد سنوات الحرب الشاملة على النظام، ولكنه العجز الحقيقي عن إسقاط هذا النظام رغم ممارسة المعارضة الحقيقية لعقود من الزمن، فالنظام لن يكون هدف أمريكا الأوّل أو الأهم حاليا لأن النظام الايراني قد انتزع المكانة الأولى منه في قائمتها السوداء المنظّمة حسب الأهمية والخطور والأولوية بالنسبة للمصالح الأمريكية...
كيف سيتّم ازاحة البعث والمستفيدين من دوام حكمه بدون معارضة؟! فهل حقق الشيوعيون والناصريون والاشتراكيون والوحدويون شيئا بدخولهم في خدمة السلطان تحت إسم "الجبهة الوطنية التقدمية"؟! وهل حقا يمكن اعتبار تنظيم أو حركة أو جمعية أو شخص ما من المعارضة وهو في وضع "المصالحة" مع النظام الذي حاربه طوال حياته السياسية وقدّم من أجل ذلك تضحيات عظيمة وحشر الشعب والبلاد في معركة دامية ثم فضّل الهرولة إلى أحضان الخصم حتى وصل الأمر إلى ترسيخ مرحلة تاريخية جديدة هي مرحلة "الهروب الجماعي" من خدمة الشعب في صف المعارضة؟ هل يمكن اعتبار الإخوان المسلمين إن تحقق لهم العناق مع النظام جزءا من المعارضة؟
ما هكذا تورد الإبل يا أستاذ بيانوني؟ وما هكذا تكون المعارضة يا من هرب من المعركة مع الاستبداد واحتكار السلطة وشريعة استعباد الشعب السوري البعثية العبثية ويا من اعتبر نفسه حتى الآن "إمام" المعارضة... طبعا في مثل هذا الوضع لن تبقى إلا "الحثالة" التي طلب من هيثم المناع ازدراءها في التصريحات الصحفية وهذا ما سيحكم عليه التاريخ مستقبلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة : شهادة طبيب • فرانس 24 / FRANCE 24


.. -يوروفيجن- في قلب التجاذبات حول غزة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الذكاء الاصطناعي يفتح جولة جديدة في الحرب التجارية بين بكين


.. إسرائيل نفذت عمليات عسكرية في كل قطاع غزة من الشمال وصولا إل




.. عرض عسكري في موسكو بمناسبة الذكرى الـ79 للانتصار على ألمانيا