الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انتصار العدالة والتنمية واستراتيجية السلطة المخزنية

زكرياء الفاضل

2011 / 11 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


عندما بدأ التيار الأصولي في الانتشار بين شباب المغرب في السبعينيات، كانت تدعمه فكرة ميثولوجية تعد بظهور المنقد والمخلص الآتي من الشرق، لذلك اعتبرت فترة "الصحوة الإسلامية" مرحلة استعداد لاستقباله. بالطبع لم تكن هذه الفكرة إلا خدعة دعائية لترويج الفكر الأصولي في المجتمع كدرع واق من المد اليساري، الذي كان منتشرا في الوسط المدرسي والجامعي والمهني والنقابي..إلخ. ولدعم هذا الفكر الميثولوجي، الموروث عن الديانة اليهودية (المنقذ والمخلص، الذي تنتظره اليهودية إلى يومنا هذا)، أنشأت السلطة المخزنية شعبة "الدراسات الإسلامية" التي أصبحت فيما بعد معقل تيار الإسلام السياسي كما برمج لها النظام. وكان النظام يراهن على الحركات الأصولية للحد من المد اليساري بالمغرب لاعتقاده أن لقب "أمير المؤمنين" سيشفع له لدى أتباع الإسلام السياسي، على عكس أنصار اليسار، الذين ينادون بالاشتراكية ويعادون الرأسمالية ولا يؤثر فيهم اللقب الديني.
لم تكن محاربة التيار اليساري بالمغرب هي الخدمة الوحيدة التي قدمها الإسلام السياسي للنظام، بل ساعده في الحفاظ على الدعم الإمبريالي له، شأنه في ذلك شأن كل الأنظمة العربية، إذ هدد به كجنّي مارد داخل القارورة، قد ينفلت من داخلها إن فقد النظام المخزني سلطته. وهي خطة سياسية للحفاظ على السلطة لا زالت تعطي ثمارها لحد الساعة، حيث يستغل النظام المخزني سياسيا حزب العدالة والتنمية لمواجهة معارضيه والتلويح به في وجه الغرب، مما يعني أن النظام المخزني لا يرغب في التغيّير وتحقيق مطالب الشارع المغربي بملكية برلمانية، بل يبدل جهده للالتفاف والتحايل على هذه المطالب المشروعة وتزويرإرادة الجماهير الشعبية المحتجة بكل ما لديه من قوة ودهاء سياسي.
إذا حللنا الانتخابات التشريعية المغربية في ظل أوضاع شمال إفريقيا الراهنة ، فإنه لن يكون مفاجئا حصول حزب العدالة والتنمية على أغلبية نوعية بالانتخابات التشريعية (بغض النظر عن الخروقات التي طالت الانتخابات). فخوف النظام من تخلي الغرب عنه دفعه لإنجاح هذا الحزب في محاولة لتوجيه رسالة سياسية، لأقوياء هذا العالم، مفادها أنه في حالة تحقيق الملكية البرلمانية، على الشاكلة الأوروبية، فإن جارهم الجنوبي سيصبح قلعة من قلاع الأصولية والإسلام المتطرف. ولقد أعطت هذه الخطة ثمارها للنظام المخزني، حيث نرى أن المراقبين الأوروبيين نوّهوا بظروف الانتخابات رغم الخروقات التي طالتها باعتراف قيادي في العدالة والتنمية بمدينة وجدة، حيث قال: أن هذه الانتخابات، مهما كانت نتائجها، لا يمكن الاعتراف بها لأنها أثبتت أطروحة حركة 20 فبراير. وغدا سيكون يوم الصرخة القوية، أما اليوم فمجرد تسخين". فإذا كان عضو قيادي في الحزب المنتصر يشكك بنزاهة الانتخابات ويدعو لعدم الاعتراف بنتائجها أي كانت، فكيف يمكن لنا تصديق المراقبين الأوروبيين؟
إن خطة إخراج التيار الأصولي من الكواليس إلى خشبة السياسة الوطنية لبلاد الربيع هو محاولة لإفشال الانتفاضات الشعبية ضد الأنظمة الفاسدة والمفلسة. حيث تحافظ هذه الأنظمة على نهج استغلال الإنسان للإنسان والشكل الطبقي للمجتمع، ما دام الإسلام السياسي يؤيد الطبقية والرأسمالية وكل ما يدعو له هو فكرة تآخي الطبقات، وهي فكرة طوباوية سبق ونادى بها الاشتراكيون الإصلاحيون. كما أن قيادات تيار الإسلام السياسي لها ارتباط، بشكل أو بآخر، مع الأنظمة، نظرا لتلاقيهما عند نقطة معاداة الفكر الاشتراكي المناهض للإقطاعية والرأسمالية والمنادي بدولة سيادة الشعب لا الرأسمال. وبالنسبة لحزب العدالة والتنمية فإننا نجد أنفسنا وجها لوجه مع تنظيم سياسي ملكيّ أكثر من الملك نفسه وأكبر عدوّ للإصلاحات بالمغرب، حيث كان أكبر معارض لدسترة الأمازيغية، وعارض مطلب إقامة ملكية برلمانية بالمغرب ودافع عن سلطات الملك، وأول من وقف في وجه حركة 20 فبراير ومنع أعضاء حزبه الشباب من الخروج معها في الاحتجاجات، وعمل على ترويع وتخويف المواطنين من الربيع العربي مستغلا أحداث ليبيا.
إذا انتصار العدالة والتنمية لم يكن من باب الصدفة ولا نتيجة لشعبية، مشكوك فيها أصلا، بل جاء بوحي مخزني وإرادة وزارة الداخلية المغربية التي لعبت الدور المحوري والرئيسي في هذا النجاح. ولن يفاجئني قرار عاهل المغرب إن عيّن شخصية أخرى من الحزب الفائز، غير كاتبه العام، في منصب رئيس الوزراء. وذلك لتعزيز مكانة بنكيران على الساحة الوطنية، حيث سيدفع مثل هذا القرار تعاطف الكثير معه باعتباره شخصية شريفة النوايا وقوية لا تخاف في الله أحدا، ولذلك أقصيت من رئاسة الحكومة الجديدة. مما سيجعل منه بطل الساعة وربما يستطيع خطف الأنوار من حركة 20 فبراير لفترة ليست بطويلة.
لكن في القابل فقد تلقى النظام المخزني رسالتين، الأولى من نساء المغرب اللاتي خرجن في احتجاجات، تحت راية جمعية "النساء قادمات"، مطالبة بتفعيل دور المرأة والتعامل معها من حيث تشكل نصف المجتمع، وحذرت من محاولة إقصائها من المشاركة في بناء المجتمع المغربي. وهي رسالة واضحة المعالم للنظام المخزني وحزبه "العدالة والتنمية". أما الرسالة الثانية فكانت من ألمانيا، تحديدا على موجات إذاعتها، عندما طلبت من عاهل المغرب التحلي بالمزيد من الشجاعة للتقدم بالمسار الديمقراطي نحو الأمام، كما أشارت الرسالة إلى ضعف المشاركة في الانتخابات، وأرجعت هذا الضعف لتجاوب الناس، عن قناعة أو عفويا، مع دعوات المقاطعة لعدم إيمانهم من أن تحقق الانتخابات تغييرات ذات اهتمام.
إذا للنتظر الأيام القادمة، ولن ننتظر طويلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الجرح والتعديل
عبد الله اغونان ( 2011 / 11 / 27 - 03:33 )
بغض النظر عما في المقال من تبريرات وتناقضات من حيث ايراد شهادات معروفة واخرى لقيادي مجهول من وجدة.فان هذه الرؤية الراديكالية العدمية التي ما زالت تحلم بثورات على النمط الستاليني اصبحت على الهامش.الاسلاميون ليسوا ورقة يتلاعب بها في اي قطر لدى العرب والعجم.انها ظاهرة في كل بلد جديرة بالدرس العميق والتفهم والمحاورة بدل المواجهات الفارغة والمثيرة
المعبرةعن نقص وقصور سياسي ونزعة تسلطية
نتمنى للعدالة والتنمية المغربي العمل لخدمة قضايا الوطن والمواطن


2 - لست راديكاليا، لكن لست أيضا محتالا سياسيا
زكرياء الفاضل ( 2011 / 11 / 27 - 07:50 )
أشكرك على اهتمامك رغم أسلوبك العدواني، وأطرح عليك بعض الأسئلة:
1 ) من يتاجر مع الجيش بمصير الوطن في مصر، أليس الإخوان المسلمون؟
2 ) من قدم تعهدات للإدارة الأمريكية قبل الانتخابات بتونس، أليس حزب النهضة؟
3 ) من عقد صفقة مع السلطة بالمغرب قبل الانتخابات، أليس العدالة والتنمية؟
فيما يتعلق بالثورات فإن هذا شأن يخص الشعوب لا الأفراد، رغم أني ضد اللجوء إلى تسييل الدماء مهما كانت الغاية نبيلة، فقد درست بما فيه الكفاية الثورة البلشفية ولا أتمنى لوطني ذاك المصير. لكني لن أتراجع في الدفاع عنه ولو برهة إن كان لا خيار لديّ غير ذاك.
إن اليسار المغربي كان، ولا يزال، يطالب بالتغيير السلمي وخروجه في مظاهرات سلمية، رغم القمع، أكبر دليل. فلا تكرر ما يقوله أعداء اليسار من أصوليين أنصار الإقطاعية وادرس الفكر اليساري من منبعه لا عبر كتب القطبين /سيّد ومحمد/ أو القرضاوي الذي يعيش على فضلات أمير قطر.
إن اليسار لا يكن العداء لأي كان لأنه ليس إقصائيا ولا تكفيريا، والدليل خروجه جنبا لجنب مع العدل والإحسان. فلا تتحامل على اليسار وماضيه، وحاضره، شريف وحافل بالتضحيات في سبيل الوطن. أنصحك بالمطالعة من المنابع.


3 - احتماء ليس إلا
محمد بودواهي ( 2011 / 11 / 27 - 10:03 )
- انتصار - العدالة والتنمية في الانتخابات جاء ضمن نسق سياسة إقليمية متفجرة أراد المخزن الاحتماء منها ، فكان له أن خطط لها بعناية فائقة حتى يرمي الجمرة الحارقة من بين بديه ليلقيها في حضن التيار الإسلاموي الممخزن ضانا منه أن اللعبة ستنجح مرة أخرى كما نجحت لعبة التناوب التوافقي في إخماد حريق مرحلة السكتة القلبية التي كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تحقق انعطافا تاريخيا للمسار السياسي في المغرب
للمخزن نقول إن الظرف ليس هو الظرف ، وأن الوضع ليس هو الوضع ، فهناك متغيرات عدة لا يمكن للعدالة والتنمية أو لغيره أن يطمس حقيقتها وواقعيتها ... فالشعب المغربي قال كلمته في إطار حركة 20 فبراير وما على المخزن إلا أن يكون جادا في التعاطي معه وإلا فلينتظر مصيره المجهول
تحياتي للكاتب


4 - الفاضل زكرياء
عبد الله اغونان ( 2011 / 11 / 28 - 01:02 )
اعتذر لك.ان فهمت ان نبرتي عدوانية.فانت اخ ونحن نتحاور وكلانا له وجهة نظر مغايرة وذلك لايفسد للود قضية.نسال الله الصواب والسداد في النية والقول العمل
نضال الاخوان قديم قبل الاحداث الاخيرة.والظاهرة عالمية وليست قاصرة على مصر.امريكا واقع صارعها وحاورها لينين وستالين وعرب اليمين واليسار.اية تعهدات مخلة بالوطنية قدمتها النهضة.افدنا
هل لديك وثيقة الصفقة بين العدالة والتنمية والنظام.انقول نفس الشيئ عن الاتحاد الاشتراكي والتقدم.فوز العدالة ليس منحة بل استحقاق.كل الاحزاب بهذا المعنى جزء من النظام لانها التمست منه الاعتراف.اليسارلايقود 20فبراير جل المشاركين من اسلاميي العدل والاحسان
من لم يدرس الفكر اليساري لااسميه مثقفا.وعرفنا منه الكثير من ماركس وانجلز ولينين.وتلاميذهم العرب لكن لم اقتنع به.اذ تجاوزه التاريخ واقعا وبنية
الحق يعرف بالعقل.وقطب والقرضاوي رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.لانراهم معصومين
العيش مع الشعب القطري الشقيق ليس فضلات لاتنس ان كثيرا من اليساريين عاشوا في ومن الخليج كعرفات وغيره.تجاوزت مرحلة المطالعة ابدع واناضل شكرا


5 - صحوة اليسار آتية مع رياح الربيع..
زكرياء الفاضل ( 2011 / 11 / 28 - 08:55 )
انتصار العدالة والتنمية ستظهر حقيقته عما قريب وقد بدأت علاماته تطفو من خلال تصريحات بنكيران التي أبانت عن خطابه الشعبوي قبل الانتخابات. كما أن نسبة المشاركين ليست 45 بالمائة كما صرحت السلطات بل أقل بكثير، وحتى لو كانت كذلك فهذا يعني أن 55 بالمائة لم تشارك لذلك فالحكومة لا تمثل الأغلبية.
بالنسبة للقرضاوي فأقول العيش ببلد ما ليس عيبا لكن هذا الرجل لا يطلع علينا إلا بما يتماشى وسياسة الدوحة. أما قطب فهو من أدخل الفكر المتطرف لمجتمعاتنا وأقصى تعددية الفكر من ثقافتنا. فالدين لله والوطن للجميع أليس كذلك؟
أما عن الفكر الاشتراكي فكل ما يحصل بالعالم والمغرب يؤكدة صحته وواقعه، إذ نرى أن فعلا الطبقة المسيطرة تعمل على تشريع القوانين التي تخدمها دون بقية الشعب. فالدولة هي إطار لتنظيم المجتمع ومنه وإليه. بينما الدولة البرجوازية هي ملك لمن يحكم. وانهيار الاتحاد السوفياتي جاء نتيجة لخيانة داخلية والخونة هم من في السلطة اليوم والشعب حاليا ينظر لماضيه بحنين.
أعلم أنه لا يمكن إقناع الكل لأنه كما في القرآن: إنك لا تهدي من أحببت وإنما يهدي الله من يشاء.
سأحاول الرد في مقال لضيق الإطار.
تحياتي

اخر الافلام

.. أزمة القميص بين المغرب والجزائر


.. شمال غزة إلى واجهة الحرب مجددا مع بدء عمليات إخلاء جديدة




.. غضب في تل أبيب من تسريب واشنطن بأن إسرائيل تقف وراء ضربة أصف


.. نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي: بعد 200 يوم إسرائيل فشلت




.. قوات الاحتلال تتعمد منع مرابطين من دخول الأقصى