الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المشير يمر الى العرش على جثة الجنزوري

جمال الهنداوي

2011 / 11 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قد يكون من الصعب ان نتهم بالمحاباة كلمات اشادة..تصدر عن شخص ما في حق من كان له معه تاريخ طويل من التقاطع والتناقض والخلاف العلني..وقد تقترب من الشهادة ان كان الخلاف يصل الى تموضع الطرفين في اقصى طرفي المناكفات المعهودة ما بين الحكومة والمعارضة البرلمانية..وهذا ما يجعلنا لا نجد من الانصاف تجاهل كلمات السيد ايمن نورفي حق رئيس الوزراء المكلف كمال الجنروزي وحديثه عن:" طهارة يد الرجل، وعلمه الغزير وخبرته فى التخطيط، وصناعة الموازنة العامة وإدارة المراحل الصعبة" و" خبرته الطويلة فى الإدارة كوزير للتخطيط لسنوات طويلة، ومحافظ، ورئيس للوزراء"و" جدية الرجل وصرامته وخبرته ربما تجعله قادراً على مواجهة هيمنة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى هذه المرحلة الحرجة والدقيقة"..
ولكن هذه الشهادة قد لا يلقى اليها الكثير من البال من قبل الشخصيات التي رأت فيه" استمرار لمسلسل أخطاء المجلس العسكرى وتحدى الميدان، بل واستمرار لمسلسل تصعيد المواجهات بين المجلس العسكرى والثوار."كما صرح السيد عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية معتبرا ان"أن اختيار الجنزورى يعنى بوضوح أن المجلس لا يرغب فى حكومة حقيقية بل مجرد سكرتارية".
وهذا ما قد يجعل البعض محقا في اعتبار التكليف " خارج عن السياق"او معبرا عن" فقدان الخيال السياسى للمجلس العسكرى"واستمرارا لاخطائه السياسية خلال فترة توليه مسئولية حكم البلاد..وان هذا التكليف لن"يرضى طموحات ميدان التحرير ولا يعتقد أنه سيحقق الهدف من تغيير الحكومة، وهو التصالح مع الشعب من قبل المجلس العسكرى".
وقد يكون القول الفصل والابلغ والاكثر تعبيرا عن نبض ساحات التغيير هو تلك اللافتة الكبيرة التي تم وضعها بقلب ميدان التحرير مكتوب عليها "لا لرموز النظام السابق.. لا للجنزورى".
فلن يكون من التجني لو نظرنا الى تكليف السيد الجنزوري من حيث الاصل على انه نوع من ادامة الازمة اكثر منه بحثا عن الحل لكونه خلاف ما تم الاتفاق عليه مع بعض رؤساء الأحزاب السياسية ومرشحى الرئاسة والمفكرين من ضرورة تشكيل حكومة إنقاذ وطنى تقترب خطوة من مطالبات الثوار التي تتجاوزها كثيرا حد الدعوة الى هى تشكيل مجلس رئاسى مدنى انتقالى، تنتقل إليه صلاحيات المجلس العسكرى، ويتولى إدارة المرحلة الانتقالية، وإتمام الانتخابات..
فالرجل كان احد أعمدة النظام السابق، ومن اهم رجالاته ..ومعبأ بأفكار ورؤى وسياسات ومتبنيات النظام ومسؤولا لسنوات طوال عن تنفيذها..كما انه كان معروفا بتقييده للصحافة ووضعها تحت سطوة الرقابه وتضجره من حرية الرأي..عدا عن السبب الاكثر تفهما وهو عمره الكبير وحالته الصحية التي قد لا تساعده على تحمل مكابدة المشاق المنتظرة من حكومة عليها ان تتقافز في طول وعرض الالغام السياسية والامنية والمجتمعية التي تنتشر في كل منعطف وزاوية في المشهد السياسي المصري المفتوح على كل الاحتمالات..
وكمراقبين مهتمين بالشأن المصري ..ومتحصلين على ترف التفلسف الذي يتيحه لنا الاطلاع عن الاوضاع المتفجرة عن طريق الريموت كونترول..نرى ان تكليف المؤسسة العسكرية للدكتور كمال الجنزورى ومنحه صلاحيات كاملة كرئيس للوزراء ،وتجييش وتحشيد الجموع للتظاهر تأييداً لها في ميدان العباسية بهدف إحداث إنشقاق في الصف الشعبي.. لا يعد الا حلقة اقرب للختامية في مسلسل اعادة انتاج النظام الديكتاتوري اعتمادا على نفس تقنيات الحزب الوطني المنحل ورموزه السياسية..وليست الا استكمالا للعديد من الخطوات التي لا يمكن عزوها الى قلة الخبرة في ادارة الملفات السياسية الشائكة بقدر تعبيرها عن سياسة متدرجة ثابتة ومدعمة بالعديد من المواقف الاقليمية الساندة الوجلة من نجاح الثورة المصرية في بناء الدولة المدنية التعددية كونها الرافعة الاساس المؤملة لجميع آمال واهداف الانتفاضات العربية والعنصر الاساس لتشكيل صورة المآلات التي ستصل اليها..
كما اننا لا نستطيع ان نرى هذا التكليف الا حلقة في سلسلة تشويش المشهد السياسي المصري والخلط المستمر لاوراقه تجاه التأثير على الانتخابات باتجاه منع القوى الثورية من الوصول الى مراكز القرار واضعاف بصمتها على الدستور الجديد الذي سيحدد شكل اسلوب الحكم والادارة في الدولة المصرية والذي يحاول الجيش تضمينه ما يجعله يتبوأ مركز يشابه مركز الولي الفقيه في ايران وهو ما يمكن تأمينه بسهولة من خلال الاتفاق مع القوى الاسلامية اللاهثة للوصول الى السلطة لتطويع الدستور لهذه الغاية..
فليس من الصدفة تكرار الممارسات التي تصب في خانة الارباك المتعمد للانتخابات التأسيسية وما بعدها من خلال اتخاذ عدة قرارات وبتوقيتات مريبة تستهدف عرقلة المجلس القادم من خلال اغراقه بالطعون المنتظرة بسبب قرارات العزل السياسي وتمديد فترة الااقتراع ليومين في حماية عناصر الداخلية الذين هم في موضع الاتهام من قبل شباب الثورة باستهداف العملية السياسية الديمقراطية وافراغ الاشراف القضائي الضامن من محتواه مما يهدد العملية الانتخابية بالتزوير والتلاعب ويفسح المجال للطعن في صحة الاقتراع ونزاهته ويؤثر على شرعيته وشرعية القرارات الصادرة عنه..
ان من الواضح ان الساحة السياسية المصرية تعاني الان من مرحلة اخلال قصدي وممنهج لمنظومة القيم والرؤى التي قامت وبنيت عليها الثورة..وان هناك صراع افكار ومفاهيم وحتى اهداف بين قوى الحرس القديم التي تحاول ترميم النظام السابق وإعادة إنتاجه بشكل يحول الثورة الى حركة اصلاحية محدودة ..وبين القوى الثورية من أبناء الشعب المكافح المثقف من العمال والفلاحين والطبقة الوسطى التي تناضل من اجل إحداث تغيير هيكلي في بنية النظام السياسي وإقامة نظام ديمقراطي يؤمن بالحريات والحقوق.
كما ان هذه الاحداث التي استبدلت فيها تقنيات معركة الجمل البدائية بقنابل الغاز والهراوات والرصاص المطاطي كشفت عن الدور المداهن لجماعة «الاخوان» والتيارات السلفية الذين تخلوا عن التضامن مع الشعب المصري مغرقين ميدان العباسية بهتافات "الجيش والشعب والشرطة ايد واحدة" و"شمال يمين .. بنحبك يا مشير"مروجين للمشير طنطاوي كصورة اكثر ملائمة لولي الامر واكثر تقبلا من القوى الثورية التي قد تؤرق نجاحاتها القوى الاقليمية الممولة..
كما ان هذه الحراكات اظهرت ان النظام لم يكن عائلة مبارك وملاصقيه من كبار المسؤولين بل انه هيكل ضخم متممد على جميع مؤسسات الدولة يتكون من جيش من الوزراء والمحافطين والقيادات الامنية ورؤساء المدن والعمد ورجال الاعمال التي كانت ترى في الرئيس ربا وفي جمال مبارك رسولا وقد تجد في المشير الان خليفة كضامن وحيد لاستمرار تموضعهم على رقاب ومقدرات الشعب المصري النبيل..
والاهم..ان هذه الايام ابانت المعدن الحقيقي للشباب المصري الرافض للخطاب المتطرف والشعارات الطائفية..والمتسلح بالوعي والقراءة السليمة لطبيعة الصراع والاسلوب التآمري الذي تدار به الامور والمحاولات المدعومة اقليميا لتشكيل نوع من الحكم المدني الهزيل مرتبطة بحكم عسكري قمعي مستبد بقفازات ديمقراطية..وتستبدل التطلعات الشعبية بالحياة الحرة الكريمة بالمحاكمات العسكرية للثوار، وقوانين منع التظاهر والاعتقالات التعسفية للاقلام الحرة ..والتحريض وبث بذور الانقسام الشعبي وانتاج مولدات الازمة الطائفية في البلاد..
لا جدال في ان ثورة الغضب الثانية التي تفجرت نتيجة الاعتداء الغاشم على عائلات مصابى الثورة ستنتهي بالتأكيد من خلال الانتصار الكامل للقوى الثورية..وحتما سيتم فتح كل الملفات التي تقدم التفسير الكامل لتصرفات المجلس العسكري وطموحاته في الاستمرار بالسلطة عن طريق الخوض في الدماء حتى الوصول الى عرش مصر ولو كان على سمعة وتاريخ وجثة الجنزوري السياسية .
فالثورة المصرية لم تعد مكفنة بطموحات فرد ما او هواجس طرف آخر بقدر كونها الرمز والمثال والهجوم المعاكس الاقوى والانقى تجاه قوى الثورة المضادة المستهدفة لحرية واستقرار الشعوب والتي قد تجد في امثال المشير ضالتها في اعادة عقارب الساعة الى الوراء واعادة المارد العربي الى قمقم الاستلاب والارتهان ..وجنرالات المجلس العسكري سيعيدون السلطة للشعب وخياراته الحرة عن يد وهم صاغرون..فان مصر ليست رهينة بيد النظام السابق ..وشبابها وقواها الحرة ليسوا في محضر مقايضة احلامهم بالحرية والعدالة والتنمية والدولة المدنية التعددية بصور الحاكم الفرد الصمد المنتشرة في الشوارع والاسواق..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى