الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدع يا باشا!

إكرام يوسف

2011 / 11 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


أبلغتني صديقة العمر الدكتورة شهرت العالم أنها، ومجموعة من الصديقات، ذاهبات لزيارة أبنائنا المصابين في مستشفى دار العيون.. اتفقت معها على أن ألتقيهن في المستشفى. وعندما وصلنا كان الناشط والمدون الشهير مالك مصطفى، والزميل أحمد عبد الفتاح مصور المصري اليوم، وطبيب الأسنان أحمد حرارة، قد خضعوا لعمليات جاهد فيها الأطباء لإنقاذ أبصار ثلاثة من أنبل وأطهر شباب الوطن. غير أن مهارة الأطباء لم تنجح إلا في إنقاذ عين عبد الفتاح، ليواصل دوره كواحد من أخلص مصوري الصحافة في مصر؛ ناقلا الصورة الحقيقية لما يحدث على أرض هذا الوطن.. ويفقد مالك إبصار إحدى عينيه، كما يفقد أحمد عينه االيسرى لتلحق باليمنى التي فقدها في 28 يناير! ويتحول إلى رمز لبسالة وفداء الشباب المصري، الذي قد تنجح رصاصات النظام في إفقاده البصر، لكن كل قمع العالم لايستطيع أن يفقده قوة البصيرة، والرؤية الثاقبة لحق هذا الوطن وأبنائه في حياة تليق بهم.. قبل أن أغادر، سألت أحمد حرارة"مش عايز حاجة يا أحمد؟" قال لي بابتسامته الرائعة " سلميلي على زمايلي في الميدان وقوليلهم يثبتوا.. لازم نجيب حقنا.. وأول ما أخرج من هنا حاكون معاهم"! وكذلك أكد زميلاه اعتزامهما على العودة لمواصلة ما بدأوه من نضال، بإصرار أكبر.
بعدها بيومين، كنت أشارك في مسيرة الصحفيين إلى مكتب النائب العام لتقديم بلاغ في المسئولين عن الاعتداء على الصحفيين، فإذا بي أجد وسطنا الزميل أحمد عبد الفتاح واقفا أمام مكتب النائب العام يردد الهتاف "علي، وعلي، وعلي الصوت.. ضمير الصحفي مش بيموت".."ياسيادة النائب العام ضربوا الصحفي في الأقسام".. بعدها ذهبت إلى ميدان التحرير لأجد هناك أحمد حرارة! رافضا عرض رفاقه إعادته إلى منزله قائلا "يكفي إني مش قادر أقف معاهم قدام الأمن، على الأقل أحمسهم".. يا الله!.. يحميك ربي يا ولدي.. مازلت أقوى بصيرة من آلاف في وزارة القمع لديهم أعين مفتوحة لكنهم لا يبصرون!.. ويصبح أحمد حرارة أيقونة للصمود واستمرار الثورة.. يطالب الثوار بإطلاق اسمه على شارع محمد محمود.
وعلى الرغم من كثرة أعداد من فقدوا أعينهم بفعل مهارة المجرمين في التصويب، وشهادات الأطباء على أن إصابات الأعين متعمدة، يتلذذ بها وحوش ـ لا أعرف كيف يستطيعون النظر في عيون زوجاتهم وأولادهم وأمهاتهم، بعدما حرموا زهور الوطن من نور العيون ـ إلا أننا قرأنا قبل يومين أن النائب العام أصدر أمرا بضبط وإحضار "الضابط" المسئول عن ضرب المتظاهرين بالخرطوش.. ضابط واحد خارق هو المتهم بقتل أكثر من أربعين شاب وإصابة أكثر من ألف وسبعمائة؟ ما شاء الله.. لو كان لدينا عشرة ضباط فقط من هذا النوع لكنا حررنا فلسطين منذ زمن.
"جدع يا باشا!" عبارة يستحقها كل من ضباط الشرطة الذين أبدوا جسارة هائلة في مواجهة شباب مصر الأعزل ـ فأردوا العشرات منهم شهداء، وأصابوا المئات ـ بينما لم نشهد مثل هذه "الجدعنة" طوال تسعة شهور، في مواجهة البلطجية! .. فإذا كانت المسألة "جدعنة" ألا يجدر بنا أن نعيد تطبيق تقاليد "الجدعان" والفتوات القديمة، وننادي بتتويج الفتوة المنتصر "الأجدع" على الفتوة القديم؟.. فنعيد تشكيل وزارة الداخلية من البلطجية الذين أعيوا جميع ضباط الشرطة وانتصروا عليهم طوال تسعة شهور؟ وألا ينبغي التحقيق بسرعة وبجدية في بلاغ مساعد أول وزير الداخلية السابق الذي يؤكد أن هناك أكثر من تسعين ألف بلطجي يعملون لحساب الشرطة، كانت تستخدمهم في ترويع ناخبي المعارضة خلال الانتخابات في عصر المخلوع؟
وماذا عن لقطات الفيديو التي رأيناها في برنامج المذيع اللامع القدير يسري فوده، لبلطجي يحمل على كتفه قنابل المولوتوف في صندوق زجاجات مياه غازية، ويمازحه ضابط "جدع" معلقا على طريقته في حمل صندوق الموت قائلا :"انت بتبيع حاجة ساقعة؟". ألا تستحق تحقيقًا هي الأخرى؟
وهل يكون ذلك الطرف الثالث الخرافي الذي يتحدثون عنه، هو جيش البلطجية، أو السحر الذي انقلب على الساحر، أو العفريت الذي حضرته الداخلية ولم تستطع صرفه؟
ماذا تنتظرون لإعادة هيكلة وزارة صار هذا حالها؟ تسعة أشهر يتعللون بالانفلات الأمني لتغطية تخاذلهم، وعجزهم عن مواجهة حفنة من الخارجين عن القانون، بينما يستأسدون على الشباب المسالم.. وعندما يواجهون بما اقترفوه، لا نجد لديهم سوى التملص والإنكار بدعاوى خائبة لاتقنع طفلا من أمثال أن الداخلية ليس بها قناصة، ولم يكن أفرادها مسلحين بالخرطوش، وأقصى ما كان لديهم هو قنابل مسيلة للدموع، أو أن هناك طرفا ثالثا.. غير مدركين أن هذه الادعاءات ـ لو صحت ـ تكشف قصورا شديدا واختراقا وعجزا معيبا عن حماية البلاد من الاختراق، لا يستحقون معه الاستمرار في الخدمة.
يقولون أن العاقل من اتعظ بغيره، ألا يتعظ هؤلاء من تجارب قريبة العهد، تؤكد صحة المقولة "إن الشعوب إذا هبت ستنتصر"؟ ألم يسمعوا هتاف الشباب "عمر القهر ما غير فكرة.. عمر السجن ما أخر بكره"؟ ألم يدركوا أن معظم النشطاء في الميدان، تعرضوا من قبل للسجن والاعتقال والتعذيب، ولم تزدهم وحشية الأمن إلإ إيمانًا بالثورة؟ ألم يتعلموا من درس من فقأوا أعينهم، فعادوا إلى الميدان أمضى عزما وأكثر تصميما؟ ألم يتعلموا من موقف أهالي الشهداء الذين دفنوا أبناءهم أو أشقاءهم، وجاءوا يقفون مكانهم، وبعضهم يحمل في يده آثار دم الشهيد يحمس بها الشباب على الأخذ بثأره؟ ألم يتعلموا الدرس من والدة خالد سعيد وشقيقته، ووالدة مينا دانيال وشقيقته، ووالدة بهاء السنوسي وشقيقته، وغيرهن من سيدات مصر وبناتها اللاتي لم يكن لديهن من قبل اهتمام بالشأن العام، فنجحت جرائم الطغاة في تحويلهن إلى مناضلات من أجل تحقيق أحلام الشهداء؟
ألا فلتعلموا يا أيها الباشوات، أن الشعوب لا تتنازل عن حق الدم، ولا يزيدها القهر والقمع إلا إصرارا.. وعندما يسقط الطاغية، سوف تدفعون معه الثمن كاملا.. ولتتذكروا مظاهرة رجال الأمن التونسي، وهم يتوسلون العفو من الشعب، باكين ومتعللين بأنهم إنما كانوا ينفذون الأوامر!
عليكم أن تبادروا ـ قبل فوات الأوان ـ بالاستجابة لمطالب الشعب، لأن القرارات التي تماطلون في اتخاذها الآن، سوف تضطرون بالتأكيد لاتخاذها: إن عاجلا ـ فتقللون حجم تضحيات الوطن، من ناحية وتخفضون الثمن الذي ستدفعونه، من ناحية أخرى ـ أو آجلا؛ ووقتها ستكون تضحيات الشعب فادحة، لكنه سوف ينتزع مقابلها حرية مستحقة، أما أنتم فسوف تدفعون ثمنا أفدح وأشد قسوة.. هكذا تقول دروس التاريخ، وتراث البشرية، وتعاليم الأديان.. "العين بالعين، والسن بالسن".. و"من قتل يقتل ولو بعد حين".. "من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا".. مازالت الفرصة أمامكم لتقديم اعتذار جدي وتطهير صفوفكم، ومحاسبة المجرمين.. انتهزوها الآن، فبعد قليل، يفوت الأوان، ووقتها لن يجدي الاعتذار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح والعلاقات بين مصر واسرائيل .. بين التوتر والحفاظ على الم


.. الجدل المتفاقم حول -اليوم التالي- للحرب في غزة.. التفاصيل مع




.. حماس ترد على عباس بشأن -توفير الذرائع لإسرائيل-.. فما انعكاس


.. قتلى ومصابون في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #ر




.. جدل مستمر وخلاف إسرائيلي وفلسطيني حول مستقبل حكم غزة | #التا