الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التردد في التغيير: من الفوضى في التفكيرالى الفوضى في السلوك

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2011 / 11 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


لا خلاف في ان الجنة لا ُتدرك بالنوايا الطيبة فقط، وان الاشياء بخواتيمها، كما ان المقدمات الصحيحة تؤدي الى نتائج صحيحة، وان ما بني على باطل فهو باطل، بيد ان ذلك لم يمنع قط اخضاع الحتميات الى وجهات نظر حتى متناقضة، وان للمتناقضات درب للقاء والاتحاد وحتى الامتزاج. ففيما بين الابيض والاسود مساحة ُتجسر الى زوال يحتم الى رمادي ليس حتمي، اذ يراوح بين شدتي البياض والسواد ليكون العود على بدء في تخارج يعيد الاشياء الى متناقضات تجدد اصطراعها اللانهائي.
لا نقدم لكي نتجاوز، بل لاجل تأكيد اهمية وحتى ضرورة تحديد موضع القدم في الطريق من المجهول الى المجهول. ففي لحظات التاريخ المضطرب، وحيث يكون التغيير عاصفا وُيلاشي كل امكانية للتأمل فان السرعة في بناء القرارتصبح اقل خطرا من اللاقرار او التأجيل باتخاذه لاي سبب كان، لانعدام ضمان تكرار الفرصة في موعد قريب.
فبعدما اعتبراها مارتن أنديك مدير مركز سابان لدراسات الشرق الأوسط بمؤسسة بروكنجز، وتمارا كوفمان مسؤولة برنامج الإصلاح في العالم العربي في نفس المركز ذلك الحين، 2006-2008 السنتين الاسوأ في تاريخ الرئاسة الثانية لبوش الابن، والاكثر تهديدا للمصالح الامريكية الشرق اوسطية، وفي اطار بحثهما عن الاستراتيجية الاسلم لاحتواء الوضع، رآ أن تبدأ هذه الاستراتيجية من خلال فهم ما يحدث هناك على أرض الواقع، ثم تحديد ما يمكن للولايات المتحدة القيام به ضمانا للسرعة في اتخاذ القرار المناسب.
وقد خلصا انديك وتمارا الى هذا الرأي على ضوء ما قالا انه انقسام المنطقة بين تيارين شيعي بقيادة إيران، وسني بقيادة السعودية ومصر، وانخفاض قدرة الولايات المتحدة على التأثير في مجريات الأوضاع بالمنطقة، حيث تعاني الهيمنة الأمريكية عليها من انحسار ملحوظ، بسبب الوضع المزري في العراق انذاك، فضلاً عن إهمال ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وازدياد تأثير الصين وروسيا.
ومن بين ما اسمتها دراسة انديك-كوفمان بمجموعة الأهداف الاستراتيجية الملّحة التي يجب على الرئيس الأمريكي القادم – اوباما حاليا - العمل على تحقيقها من أجل حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، دعم قوى الاعتدال في العالم العربي، التي يمكنها أن تقف في مواجهة النفوذ الإيراني ومنع هذه الاخيرة من تطوير سلاحها النووي والحيلولة دون انتشار التيارات الراديكالية فيها، ودعم سياسات التحرير الاقتصادي وتوسيع نطاق الإصلاح السياسي كي يتوافق مع تطلعات شعوب المنطقة.
وزيادة على هذا فقد قيل قبل ذلك وفي اعقاب الحرب على العراق لاخراج قواته من الكويت، ان الهدف الحاسم لتلك الحرب هو منع نشوء اية قوة عربية ذات حد من الاستقلالية في قرارها السياسي يشجع على تكوين دينامية توحيد اقليمية تقلب المعادلة الجيو-سياسية في حوض المتوسط والعالم، وهو ما فسر ذلك التفاهم الغربي الشامل، ربما لاول مرة بعد التفاهم الغربي المماثل الذي حدث في القرن التاسع عشر ضد محمد علي باشا في ظروف مماثلة لظرف العراق في تلك الاثناء.
اذن كان وما زال مضمون الاستراتيجية الامريكية والغربية عموما في المنطقة العربية هو اجهاض اي تغيير من شأنه اعلدة صياغة سياساتها لاخراجها من نطاق الهيمنة الخارجية، وان افضل وسيلة لتحقيق ذلك هو الاسراع في اتخاذ القرار المناسب لعدم السماح ببروز قوة عربية قد تشكل حالة استقطاب في طروحاتها وبرامجها.
ولكن هذه الثوابت في الاستراتيجيات الغربية بالاضافة الى انها ليست اقدارا فانها ايضا تخضع لقواعد التوازن في لعبة القوة، التي تتحرك في المكان كما في الزمان على محور الصراع على السلطة بمعناها المطلق، اذ انها لن تعرف الاستقرار، بيد انها تحدد اتجاهها العام حتى وان توقفت لحظة او حتى استدارت الى ان يستقر حجم القوة في ظروف محددة قبل ان تلحقة دورة اخرى من اللااستقرار.
ورغم ذلك فانها تسبب لنا اكبر إشكاليات الصراع المفهومي لدى محاولة مثقفي المنطقة العربية التموضع ازاء اي حدث داخلي او خارجي من احداثها سيما ان كان من طبيعة الاحداث الكبرى كتلك التي تعيشها الان ويؤثر في اعادة بناء مكونات وتراتبية النسيج الاجتماعي والسياسي لدولها، مما قد يبدد امكانية الامساك باللحظة التاريخية للتغيير، ويمكّن اعداء هذا التغيير من التموقع في اطار المشهد الجديد.
ويقصد بهذه الاشكاليات فقط تلك التي تمتد الى صفوف المستفيدين من التغيير والذين يقعون ضحايا ماكنة الدعاية للقوى المحافظة وممثليها من مثقفي السلطان، فينقسمون على سبيل المثال في توصيف ما يجري الان في المنطقة الى من يعتبرانها ثورة الخبز والحرية والكرامة من معارضي النظم القائمة، ومن يرى فيها مؤامرة خارجية تستهدف الامن والاستقرار والحداثة والنيل من بعض مكتسبات دولة ما بعد الاستقلال من الموالين لتلك النظم بشكل مباشر او عن طريق التقاء مصالح او التواجد المشترك في نفس خانة التصنيف الاجتماعي لقواه الساسية من حيث الفاعلية لا من حيث الشعار.
ومما يكون قد سهل الوقوع في هذه الثنائية، هو غياب ثقافة المواطنة التي ترسي طابعا من الثقة المتبادلة بين مكونات المجتمع وقواه السياسية واختياراتها، اذ عاشت الشعوب العربية طيلة الخمسين سنة الماضية على ثقافة المؤامرة وعدم الثقة في الاخر التي كانت تشيعها اجهزة امن الانظمة، بالاضافة الى انتشار ثقافة الانتماء والولاء الجزئي لكيانات ما دون الدولة، الناجم عن غياب دولة القانون والمؤسسات، هذا الى جانب ارث ثقافي يضخم من الشعور بالانا نحو الاخر.
كذلك فان الفهم الاستثنائي للتفويض التاريخي في الاستخدام الشرعي للقوة من قبل سلطة الدولة العربية، قد ارسى هو الاخر شبكة امان زائفة لفئات من المواطنين تقوم اسسها على الولاء المطلق لصاحب السلطة في محاولة بائسة لنيل رضاه الذي حل محل مفهوم الكفاءة في تحديد المكانة. وبالتالي فان الشعور بافتقاد شبكة الامان هذه يدفع لمحاولة مقاومة كل ما قد يتسبب في تهتيك تلك الشبكة الامانية وخاصة من قبل الفئات الاقل كفاءة والانتهازية والوصولية.
وفي المقابل فان الساعين الى التغيير من الذين نالت منهم انظمة الحكم القائمة ومن مكانتهم على سلم التراتب الاجتماعي، سيكونوا اكثر حساسية نحو اية محاولة لاعادة انتاج سبل اضطهادهم. وهو المدخل الذي يوفره الدخول الامريكي على خط احداث المنطقة ان مباشرة او بواسطة الاخرين، بصفة الولايات المتحدة الدولة الاكثر رعاية لهذه الانظمة، خاصة ان ذلك يترافق مع اعتقاد ساذج لدى البعض بالقدرة الامريكية المطلقة على تقرير نتائج الاحداث، وان مجرد المحاولة يكفي للتسليم المسبق بما ستؤول اليه الامور، دون قدرة على التمييز بين المحاولة لتغيير مسار الاحداث وبين كونها تنفيذا لمخطط مسبق.
صحيح ان للولايات المتحدة مصالح استراتيجية في المنطقة، وانها ستدافع عنها، غير انها لن تكون قادرة على ضمان نتائج جهدها، بل ان ما اثمرته سياستها في العراق وافغانستان يؤكد على حاجتها لاستراتيجية جديدة تأخذ فى حسابها احترام رغبة الشعوب العربية فى اختيار انظمة حكم ديمقراطية. واحترام سيادة دولها وعدم التدخل فى شؤونها الداخلية والتوقف عن دعم الانظمة الديكتاتورية.
ان ما يشهده ميدان التحرير في القاهرة منذ يوم الجمعة الماضي ومختلف شوارع المدن المصرية، يؤكد حقيقة انحسار الخيارات الامريكية، وفشلها في اعادة انتاج الانظمة المنهارة عبر ما تبقى لها من فلول في كواليس السلطة، و يبرهن على ان الثورات العربية لم تكن إلا نتاج ازمة دولة ما بعد الاستقلال، وانها ابعد ما تكون عن اي تخطيط خارجي كما ان محاولات افشالها عبر سياسات التشكيك والمماطلة، لن تجد طريقها نحو الاستمرار، وانه لم يبق للمترددين سوى الاسراع في الانخراط بالعمل التغييري، لان قدم الشعب في موضعها، وان البديل قد يكون فوضى في التفكير محصلتها فوضى في السلوك.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 200 يوم على حرب غزة.. ماذا جرى في «مفاوضات الهدنة»؟| #الظهير


.. مخاوف من اتساع الحرب.. تصاعد التوتر بين حزب الله وإسرائيل| #




.. في غضون أسبوع.. نتنياهو يخشى -أمر- الجنائية الدولية باعتقاله


.. هل تشعل فرنسا حربا نووية لمواجهة موسكو؟ | #الظهيرة




.. متحدث الخارجية القطرية لهآرتس: الاتفاق بحاجة لمزيد من التناز