الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المصرية الثانية

نوال السعداوى

2011 / 11 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


خرجت ملايين الشعب المصرى من بيوتها فى الصباح الباكر ٢٥ نوفمبر ٢٠١١ تسير، إلى ميدان التحرير، وكل الميادين والشوارع فى محافظات مصر، من نساء ورجال، من الشباب والأطفال والتلاميذ والتلميذات إلى الكهول والعواجيز، أغلبهم فى ربيع العمر، فقراء وطبقة وسطى وتحت الوسطى.

الأمهات منهن، نزفت الأم مع نزيف ابنها أو ابنتها، كم من الآباء بكى إلى جوار جثة فلذة كبده المركولة مع القمامة، أو المتراكمة مع الجثث فى المشرحة، كم جدة أو جداً حمل الحفيدة أو الحفيد المقتول برصاصة نفذت من الأذن إلى الأذن الأخرى أو من العين أو الأنف إلى مؤخرة الرأس، الأم المذهولة الذاهلة، بأصابعها المشققة المحروقة بالشمس والفأس، تقلب رؤوس القتلى، تبحث بين الجثث عن وجه ابنها، الملامح كلها تشابهت تحت الكدمات وطبقات الدم المتجمد، تفتش الأم فى اليدين أو القدمين عن أصابع ابنها، عن العلامة أو الوشم أو الوحمة فى عنقه أو البطن أو الصدر.

يقولون إن القتلة من الأمن يقدمون اعتذارا عما حدث، تلطم الأمهات الثكلى صدوغهن، يقطعن بأظافرهن شعورهن، يضربن الأرض برؤوسهن، تجحظ عيونهن بالغضب والجنون، هل كلمة اعتذار تعيد لابنها دمه المراق وروحه المزهوقة، هل تعيد الضوء لعينه المفقوءة، هل تعيد الذهب والمال لمصر المسروقة؟

والذين اختنقوا وماتوا بقنابل الغاز السام، منهم الطبيبة الشابة حديثة التخرج «رانيا فؤاد»، صورتها فى الصحف الخميس ٢٤ نوفمبر، تطل بوجهها المستدير بدهشة الطفلة، عيناها واسعتان مملوءتان حزنا عميقا، كالجرح الغائر فى بؤرة الجسد والروح. غاز سام شديد الخطورة على الجهاز التنفسى، يؤدى إلى الاختناق ثم الموت، تم تحريم استخدامه فى الحروب حسب معاهدة جنيف.

المحاولات لإجهاض الثورة الأولى فى يناير وفبراير، تحالفات الخارج الاستعمارى مع الداخل الاستبدادى السياسى والدينى، التحرش بالنساء والفقراء والشباب الثائر، تم اتهام الشابات الثائرات بالعهر والفساد وتم القبض عليهن وإجراء فحص العذرية عليهن بالقوة المسلحة، تم القبض على الشباب الثائر واتهامه بالبلطجة والحصول على تمويلات أجنبية وخيانة الوطن.

انقلب الثائر إلى بلطجى فى الإعلام، وانقلب البلطجى إلى زعيم حزب وطنى ثورى، انقلبت العاهرة إلى قائدة نسائية، وأصبحت المرأة الثورية المناضلة مأجورة للغرب منحلة، طالت اللحى والشوارب وزبيبة الصلاة الزائفة، وتحول اللصوص وقطّاع الطرق إلى زعماء دينيين ونجوم الإعلام والفضائيات، بأموال النفط العربى والدولار الأمريكى، تم تحجيب الأطفال البنات، وبيعهن لعجائز الأثرياء فى موسم البغاء السياحى، حتى تمثال الإلهة المصرية القديمة إيزيس تم فرض الحجاب عليه، خشية الفتنة، وإثارة غرائز المؤمنين الأتقياء، تتهيج شهوتهم لمجرد النظر إلى تمثال من الحجر، تم تقديم الثوار الحقيقيين إلى المحاكم العسكرية بتهمة السرقة أو الخيانة الوطنية، مبارك وأعوانه ممن خانوا الوطن ونهبوا قوت الشعب بالبلايين، حولوا إلى محاكمات مدنية شكلية لم تسفر عن عقاب، أو استعادة الأموال المسروقة المهربة إلى الخارج.

فى هذه الثورة المصرية الثانية سقطت القوى المضادة للثورة الأولى، سقطت الحكومة الانتقالية، رأسها وزير فى عهد مبارك، قفز على الثورة بالباراشوت مثل التيارات الدينية السلفية، مع المجلس العسكرى والإخوان وفلول النظام، تعاونوا معا فى السر والعلن، الدماء تسيل فى الشوارع والميادين وهم يصرون على إجراء الانتخابات فى موعدها. لماذا التشبث العنيد بانتخابات ٢٨ نوفمبر؟ أهو اتفاق سرى بين الفلول والعسكر والإخوان لاقتسام مقاعد البرلمان؟

يحاول هؤلاء المتاجرون بالدين أن يتاجروا أيضا بالقضية الفلسطينية، يحاولون شق صف الثورة المتحدة، بمظاهرة أخرى منفصلة، تخرج فى الوقت نفسه من الجامع الأزهر تحت اسم مناصرة المسجد الأقصى ضد الاعتداء الإسرائيلى.

نجحت هذه الثورة الثانية فى كشف الحجاب عن وجه القوى المتاجرة بالدين وعلاقتها بالعسكر وفلول مبارك، كما كشفت أيضا عن الانتهازية، ونفاق الأحزاب القديمة أو الجديدة، التى حاولت ركوب ثورة يناير وتفاوضت مع أصحاب السلطة بينما كانت دماء الشباب تراق فى الشوارع والميادين، اليوم يصرون على انتخابات مصطنعة قبل إصدار الدستور الجديد، همهم القفز إلى الحكم، وإن تم ذبح الشعب وخربت مصر.

تخلوا عن قواعد العقل والمنطق، وضعوا العربة أمام الحصان، وضعوا الانتخابات قبل الدستور، بالدم ونور العين يضحى شباب الثورة الثانية، كما ضحوا فى الثورة الأولى، الأهداف نفسها: الحرية، العدالة، الكرامة، المساواة.

لا يكفى تكوين حكومة إنقاذ تحظى بالصلاحيات المطلقة، لأن السلطة المطلقة مفسدة لمن يتولى الحكم، لابد من تشكيل مجلس جماعى ثورى من الكفاءات الثورية وجميع الأعمار والخبرات، ليتولى متابعة أعمال حكومة الإنقاذ وتصحيحها، إن خرجت عن الأهداف.

ثورة نوفمبر الثانية سوف تكنس الفساد السياسى والدينى والنفاق، سوف ترفض الثورة الثانية الوجوه المنافقة المتكررة التى أثرت فى ظل النظم السابقة، لم تقدم تضحية واحدة لكشف الفساد السابق، ولماذا يقدم المجلس العسكرى وجها من العصور الماضية مثل كمال الجنزورى ليكون رئيس حكومة الثورة الثانية ؟.. أليس هناك شخصية ثورية شابة جديدة تصلح؟

أهى مراوغة أخرى لكسب الوقت وإجهاض الثورة الثانية؟

نجحت الثورة الثانية بملايين الشعب التلقائية المبدعة الصادقة، نجحت بدون الأحزاب القديمة والجديدة، ومنها الأحزاب الدينية: الإخوان والسلفية والصوفية والشيعية والسنية وغيرها. نجحت الثورة الثانية وإن حاولوا إجهاضها فسوف تولد ثورة ثالثة ورابعة من بطن الشعب المصرى، إلى ما لا نهاية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثورة ثانية وثالثة ورابعة
اكرم ابراهيم ( 2011 / 11 / 29 - 11:50 )
نعم ثورة ثانية وثالثة ورابعة ولن نسمح لفلول المعارضة الانتهازية ( وهم جزء لم يتجزأ من النظام السابق الفاسد ) بسرقة ثورتها والمتاجرة بدم شهدائها .تحية خاصة للشباب المتعلم الثائر الذى لم يتلوث باى ايدلوجية حتى ولو كانت مقدسة فى نظر الاخرين . شباب حالم بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة.


2 - الثوره المصريه
samar aldesokey ( 2011 / 11 / 29 - 13:43 )
دكتوره نوال هذا المقال وصف رائع حقيقى للثوره المصريه ولكن ما
والتنبؤ بالمستقبل بعد سيطرت الاخوان على مقاعد البرلمان


3 - مصر ام الدنيا
ندى فاضل ( 2011 / 11 / 29 - 21:26 )
شكرا دكتورة نوال على هذه المقالة التي تعبر بصدق عما يحدث للشباب المصري الثاثر.لم استوعب وصول الاسلاميين الجهلاء والمتخلفين للحكم في مصر ليعيدوها الى العصور الوسطى,مصر ام الدنيا المعروفة بحضارتها وفنونها وكتابها لا يمكن ان يصل اليها عصابة تتستر بغطاء الدين.الثورة الثانية تعيد الامل لجميع البلدان التي طالها التغيير.شباب الثورة الثانية في مصر شجعان وقفوا امام هولاء القتلة وتحدوهم بارواحهم ودمائهم الطاهرة وسيستمرون الى ان تتحقق احلامهم في العدل والحرية والمساواة والعيش بكرامة.


4 - مصر نحو الكارثه
على سالم ( 2011 / 11 / 30 - 06:29 )
ان من دواعى الاسف ان اقول ان الشعب المصرى لايزال يتمتع بقدر هائل من السذاجه والجهل والعبط ويتخيل ان المجلس العسكرى المجرم صادق فى نواياه بخصوص الانتخابات ,المجلس العسكرى الخائن القذر هو اكبر فلول المجرم الملعون مبارك ,المجلس المجرم هوتشكيل عصابى اجرامى وقتله وغرضه اذلال المصريين لاانهم خلعوا شيخ منصرهم اللص القبيح مبارك الاثيم ,لقد كانوا ادوات فساد وافساد ,.لقد كان هدفهم استعباد المصريين واهدار كرامتهم وسرقتهم وتجويعهم ,انهم انذال سفله بالطبيعه واكبر عدو للشعب المصرى ,الاخوان المسلميين الاغبياء لاانهم وثقوا فى هذا المجلس السئ السمعه وسوف يروا الويلات على يد هذا المجلس النجس ,بدون جدال المجلس سوف يزور الانتخابات كعاداتهم دائما وسوف يحيلوا حياه المصريين الى جحيم لايطاق ,انهم يتصرفوا مثل طبقه الموامس العاهرات ,لاامان لهؤلاء الخنازير العفنه ,يجب على الشباب ان يزيح هذا المجلس حتى لو كان الثمن الاف الضحايا ؟,انهم اكبر عدو للشعب المصرى ويجب على الشباب الاستعداد لمواجهه طويله مع هؤلاء الخونه المجرمين وايضا فضحهم فى جميع المحافل الدوليه ؟وانهم ميكروبات عفنه الواجب قتلهم والقضاء عليهم


5 - يجب ان تستمر الثورة
فؤاد محمد ( 2011 / 11 / 30 - 21:02 )
الرفيقه المناضلة العزيزة نوال نحية
ستبقين رمز للثورة ثورة الحرية والكرامة والدبمقراطية والعلمانية
اعانقكم


6 - نحن فى حاجة لمن يعلمنا الآخلاق
عبدالله صقر ( 2011 / 11 / 30 - 21:55 )
يسدتى الفاضلة هذا السلوك كنا نتوقعه دائما هنا حيث ثقافة القتل هى التى ترجح ثقافة العقل , فى دول العالم المتخلف نجد أمتهان كرامة الآنسان دون وازع من الضمير الحى , ثقافة القتل والسحل وضياع أبسط الآمور لكرامة المواطن , تكون فى الآمم التى ليس بها أى أعتبارات للبشر ومعاملتهم كالحيوانات , رأيت بعينى أسلوب صيد المتظاهرين كالحيوانات , أنه أسلوب لا يرضاه أى بشر , وكان لزاما على هؤلاء التعقل لآن المتظاهرين هم أبناء الوطن ولهم مطالب مشروعة , إننا أعطينا فكرة جديدة من أجندة القتل وسفك الدماء على أننا شعوب يلزمها دروس من جديد فى تعلم أبجديات الحياة وكيفية معاملة بعضنا لبعض بشئ من التحضر , نحن فى حاجة ماسة لمن يعلمنا دروس فى الآخلاق لآننا فى محنة لآننا نفتقد الآخلاق ولا نجيد معاملة الآخر مهما أختلف معنا فى الرأى , أننا لن نتطور إلا بعد أن نستوعب الدرس ( الآخلاق )


7 - تحليل رائع من ارض الحدث
طارق عيسى طه ( 2011 / 11 / 30 - 22:07 )
دكتورة نوال المحترمة تحية طيبة
ان مفاهيم ثورة 25-1-2011 ستبقى مثل البوصلة لتقود الشعب المصري الى النصر المحتوم ان
كانت ثورة ثالثة او رابعة فالنصر للقوى الديمقراطية العلمانية الشريفة وان طالت المعركة فالنصر للتقدم والتقدميين دائما


8 - سبب الخلل
nainiabdu ( 2011 / 12 / 2 - 14:20 )
ان السبب الاول لهذا الخلل وفوز الاسلام السياسي والسلفي على حد سواء هو أن الشعب المصري في غالبيته مغسول الدماغ وقد اتبث ذالك مما لا يدع مجالا للشك انه بالفعل مغسول الدماغ وسيلزم اذالك وقت كثير لتجند الشباب والبيراليين لنشر الوعي من جديد.والشىء الأكيد أن الاخوان سيخطؤون حتما وأخطاءهم كثيرة وقاتلة اذ ذاك ربما ستتغير مصر الى الأحسن.تحياتي


9 - تلميذكِ لايوافقك ألرأي
أحمد البغدادي ( 2011 / 12 / 2 - 23:38 )
تحية حب من تلميذ لك منذ السبعينيات.
مبدئياً إني لازلتُ أتصيد مقالاتكِ وتحليلاتكٍ حيثُ أجد لذة متناهية في ألأستماع إليكِ...ولكن...
لقد بعث الفكر ألأسلامي من جديد وعادة هذه الشعوب إلى سبتها وألأرتماء تحت أحذية ألخلفاء الجدد أمثال قرضاوي وزعبلاوي دون معرفة المصير المشؤوم ألذي ينتظرهم.
وألأسباب معروفة لغفلة الشعوب أهمها إضطهاد المثقفين المتنورين وأنتِ واحدة منهم على يد ألأنظمة المتعاقبة بمساعدة رجال الدين من ألأزهر إلى صحراء ألجزيرة ألأغبر .
هذه الغفلة ستكلفنا عقود من الزمن ودماء غزيرة. أعتقد أن بقاء المجلس العسكري هو أفضل من سيطرة ألأسلاميين بالكامل على مصر.
وأخيراً أتمنى أن تبقي بصحة جيدة لتكوني دائماً شمعة في طريق النور.


10 - D. nawal is honest
suhail ( 2012 / 2 / 15 - 09:18 )
I want to agree with Dr. nawal , yes you are right , but talking is not enough people have to be conscious how! HERE the role of thinkers and authers all , also the media. people must understand they are living under passive institutions control( patrirachal society)

اخر الافلام

.. لحظة ضرب مستشفى للأطفال بصاروخ في وضح النهار بأوكرانيا


.. شيرين عبدالوهاب في أزمة جديدة وصور زفاف ناصيف زيتون ودانييلا




.. -سنعود لبنائها-.. طبيبان أردنيان متطوعان يودعان شمال غزة


.. احتجاجات شبابية تجبر الحكومة الكينية على التراجع عن زيادات ض




.. مراسلة الجزيرة: تكتم إسرائيلي بشأن 4 حوادث أمنية صعبة بحي تل