الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وزارة الثقافة والإخوان المسلمون المغاربة

محمد مقصيدي

2011 / 11 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


حتى لا تتحول وزارة الثقافة إلى حبل إعدام :
الفهم الخاطئ للديموقراطية يضرب أبطانه حتى النخاع في جسد أوطاننا , إذ يسود الإعتقاد بأن صناديق الإقتراع والإرادة الشعبية كافية لوحدها للإحتفال بأن تمتد جذور الديموقراطية في شرايين أوطاننا التي تعيش في أرض الموت . لحسن الحظ أو ربما لسوءه عند آخرين , فهذا المصطلح لا علاقة له بالذهاب كل دورة زمنية قد تكون أربع سنوات أو خمسا أو غيرها إلى حجرة معزولة للإدلاء بورقة يتيمة . الديموقراطية قبل كل شيء , هي ثقافة إنسانية وليست حتى ثقافة سياسية محض . الديموقراطية هي إحترام الآخر , كيفما كانت مرجعياته وهويته وأفكاره , الديموقراطية هي التدبير السلمي للإختلاف وليس اللجوء للعنف المادي والرمزي بذريعة الشرعية الشعبية ,إذ من الغباء إعتبار النظام النازي بالديموقراطي رغم الإنتخاب الشعبي النزيه لهتلر , فالنازية تبقى نازية ولو حققت الإجماع الجماهيري , والنظام الإرهابي يبقى بطبيعته نظاما إرهابيا ولو صوتت له الأغلبية الساحقة ..
كي أبقى مرتبطا بالأحداث الأخيرة بعد الفوز الإنتخابي لحزب العدالة والتنمية الذي نختلف معه جملة وتفصيلا في قناعاته السلفية السياسية والفكرية المبنية على التقية وتقسيم العالم إلى مؤمنين وكفار , ولا أعتقد أنه سيكون هنالك تغييرات جذرية استتنائية على مستوى الخط العام للدولة بسبب هيمنة السلطة الملكية على باقي السلط بما فيها ضمنيا البرلمان والحكومة , وهو الأمر الذي أشار له الأمين العام لحزب العدالة والتنمية , حيث يبقى رئيس الحكومة والقرارات الحكومية مجرد أدوات سياسية خاضعة للمجلس الوزاري الذي يرأسه الملك . وإذ نعرف التقاطعات التاريخية بين السلطة الدينية والسلطة الملكية , بل وحتى التحالفات التكيتيكية المرحلية بين القوى السياسية الإسلامية والمخزن , فيمكننا أن نجزم أن المرحلة القادمة سوف يتم تدبيرها في صورتها العامة بنفس الحبكة بتغيير في الديكور .
الأمر الخطير الذي يبعث على قلق مشروع هو الحقل الإبداعي الثقافي الذي سوف يعتبر الحائط القصير لإستعراض عضلات الفكر السلفي , ونعرف العداء الأبدي بين الإسلام السياسي والمجالات الإبداعية والفنية , ولا داعي أن نذكر بأول إنجاز تاريخي لنظام طالبان بعد وصولهم إلى السلطة والذي كان تكسير منحوتات فنية ذات قيمة حضارية بدعوى أنها من أعمال الكفر والشرك . وهو الأمر ذاته الذي دشنه حزب العدالة والتنمية بعد أن كان أول تصريح لأحد قادته حاملا سيوف الإسلام المسلولة بشكل فعلي هو الهجوم على الفن في إشارات إلى العرض المسرحي للمبدعة المغربية والممثلة لطيفة أحرار الذي اشتغلت فيه على مفهوم الجسد , متوعدا أن زمن السيبة والعري قد انتهى .هذا , في الوقت الذي تعامل قادة الحزب وعلى رأسهم عبد الإله بنكيران لحد الساعة مع كل تصريحات المواضيع الحساسة بمرونة ودهاء بما فيها تجارة الخمر في المحلات والبارات , ولباس المرأة وغيرها .
لقد كان الحقل الإبداعي هو أول فريسة لتصريحات استعراض العضلات , وهذا ليس بالغريب , فقد تعود الإسلام السياسي أن يلعب كرته جيدا في هذا الملعب لعقود طويلة , حتى في الوقت الذي كانوا فيه خارج السلطة . وما يزيد الطين بلة , هو هشاشة المؤسسات الثقافية في المغرب وضعف حركتها في مواكبة إيقاع المبدعين والفنانين المغاربة . إننا قد نتحول من حركية إبداعية مغربية فقدت ثقتها في الدعم المؤسساتي منتجة لحيويتها الذاتية وفضاءاتها الخاصة ,إلى حركة إبداعية تصارع طيلة الوقت ضد رقابة هذه المؤسسات الرسمية . إن كل الخوف من أن تتحول المؤسسات المشلولة الثقافية إلى آليات للقتل وحبال للإعدام .
إن المجال الأكثر حيوية لتسويق وهم مشروع الدولة الإسلامية هو مصادرة الكتب , ورقابة الأفلام , وتحويل المعارض الفنية إلى شكل من أشكال المساجد , والإجهاز على ما تبقى من دور السينما , وتعويض الموسيقى بالإبتهالات والأدعية الركيكة , وقتل الشعر والرقص والحياة عموما ... وهذا ,من الأمور التي لن يختلف فيها المخزن والقوى الظلامية من أجل توازنات ومصالح مشتركة .
لعقود طويلة , كانت وزارة الثقافة مجرد وزارة لا طائل منها , بل كانت فقط وزارة رمزية أكثر منها مؤسساتية . وحتى حصتها في الميزانية كانت من الأمور المثيرة للتفكه والضحك . ويمكنني القول , أن حضورها طيلة الماضي كان كغيابها , وكانت كل قيمتها جوهريا في شراكاتها مع المجتمع المدني والجماعات اللامركزية وغيرها , وليست في إنتاجيتها الذاتية . لكننا اليوم , أمام مرحلة قد تتحول فيها وزارة الثقافة إلى سلاح فتاك ضد الثقافة , إلى أشراك لقتل الأدب والفن . إنني أعتبر شخصيا أن الوزارة السيادية الوحيدة التي يجب أن تتدارس القوى السياسية كلها خطورة منصب وزيرها وأن يتم التعامل معها بحذر شديد في الوقت الراهن, هي وزارة الثقافة . وأتمنى أن ينتبه اليسار الذي سيشارك في الحكومة إلى هذه النقطة جيدا .
إن القرارات السياسية ومقترحات القوانين ومشاريع القوانين ستكون خاضعة لكونترول السلطة الملكية استراتيجيا كما كان في السابق تماما على مستوى المجلس الوزاري , وحتى تشريعيا , لا يمكن للعدالة والتنمية مطلقا أن تخلق أزمة سياسية في البلاد لأنها لا تملك سوى ربع أصوات البرلمان , أي أنها ستكون ملزمة من أجل تحقيق أغلبية نسبية لتمرير مقترحاتها إلى ما يعادل ضعف حجمها , ولا يمكن للقوى السياسية الممثلة في البرلمان مبدئيا أو براغماتيا أن تضع يدها في يد العدالة والتنمية لجر البلاد إلى أزمة سياسية .
لكن الإبداع بحكم طبيعته , يمكن عرقلته والتضييق عليه بحكم السلطة الإدارية للوزير وليس بحكم سلطته السياسية ,بحكم السيرورة اليومية والإحتكاك المباشر على الأرض , وبحكم كل ما اسلفت ذكره ... لهذا أكرر ندائي مرة أخرى : حذار , حتى لا تتحول وزارة الثقافة إلى حبل إعدام للثقافة . حذار , لأننا لن نسمح أبدا لحزب العدالة والتنمية ولكل أعداء الفكر والإبداع بذلك








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اهانة المثقفين
عبد الله اغونان ( 2011 / 11 / 30 - 10:42 )
ماذا فعلتم بالثقافة عندما تولاها المحسوبون عليكم سواء الاشعري او حميش الكل يعرف الجواب.تعبنا من الثقافة التغريبية التي لاتحترم خصوصيات الشعب وثوابته.موقفك ومخاوفك سابقة ومبنية على اديولوجيةلاعلى وقائع ملموسة.الحكومة لم تشكل بعد.والتصريحات المتوازنة لبنكيران والداودي تخالف هذه الهواجس


2 - ليس شرطا
أكرم نصيفة ( 2011 / 12 / 3 - 17:10 )
اخشى ان الخوة في المغرب العزيز قد استبدلوا كلابا تنهش بهم ب ذئاب لا ترحم

اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث