الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مراجعات فكرية
محمد المرباطي
2011 / 12 / 5ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات ؟ و إلى أي مدى؟
ج- من خلال هذه الأسئلة علينا ان نلامس ازمة الانتماء والهوية والثقافة والفكر لتيارات قوى اليسار الديمقراطي التقدمي فى اجلى صورها وتعابيرها ، وعلينا ان نؤصل ما هو حقيقى من المواقف والافكار والثقافات ، ونرفض ما يخرج عن الصواب من خلال حركة نقدية علمية تجعل احكامها مرنة لكى تقارب الواقع ، وتكشف اسباب عجز قوى اليسارعن إعادة إنتاج ذاته ، وتجسده فى الطاقات الشابة المتجددة ، ونتيجة لهذا العجز أخذ البعض باسلوب التجميع والتجييش فى ادنى مستوياته الهلامية ، ورغم الجهود لم توصل اصحابها الى ارقام يحسب لها اى حساب فى المعادلات السياسية ، وبالتالى اخذ البعض يحلق بأثواب وعمائم الآخرين ، ويتفق ان هناك ازمة وتشتت وحالة من الشللية ، ومع ذلك فكثيرا ما نتحاور او يتحاور غيرنا ولكننا لا نتفاهم ولا نصل الى تحديد واضح لطبيعة ازمة اليسار العربي ومظاهرها ، وقد يكون ذلك لاسباب عدم القدرة وإن لم نقل عدم الجرأة فى الافصاح عن طبيعة هذه الازمة ، هذا الى جانب ان للبعض مصلحة كبيرة فى تعميقها من خلال اجترار عبارات لم تعد مبررة وليس لها مكان فى واقعنا الراهـن ، والتي تأخذ ابعادا تتعلق بطرق تفكيرنا التقليدية ، وقد يفضل بعضنا ان يتحكم فى اتجاهات وطرق تفكير الآخرين ، مما جعل اى حوار بين اطراف وشخوص هذه القوى يخضع فى حقيقته لجدل عقيم بين اشخاص لا يتحدثون عن هم مشترك واحد ، وذلك لسبب جوهرى واحد لا غير وهو اننا فقدنا المثل الاعلى لإنتماءنا وثقافتنا العلمية المبنية على جدلية المعرفة واحترام العقل الذى كان يجسد لدينا العلو الى اقصى درجات التكوين الروحى والاخلاقى ، وما لم تكن هذه الثقافات بعمقها العلمى المبنى على جدلية التفكير والانتماء والهوية تكوينا باطنيا تلقائيا بحيث لا يعود عناصر هذا التيار للضياع والتشتت المفتعل ، عندها فقط نقول ان ثقافة الديمقراطية ومبادئها التقدمية العلمية اصبحت مندمجة فى شخصياتنا ، خاصة الذين يعتقدون بسمو العقل والعلم ، بحيث تشكل انظمة تعكس قيمنا وإتجاهاتنا وتشكل عملية صقل لشخصيات مستقلة ، وتهذيب لمساراتنا ونقطة البدء لحياتنا الواعية ، ولن يكون ذلك بعيد المنال إذا امتلكنا مقومات عناصر التحليل والمراجعات النقدية لتجربتنا اليسارية والديمقراطية ، خلالها تتكشف الابعاد الحقيقية لازمة اليسار الصامته التى يجب على جميع المخلصين لهذه المبادئ استنطاقها والابتعاد عن حالة السلبية والانتظار او الخضوع لمنطق التفرد فى تحديد المسارات السياسية لمستقبل قوى وشخصيات اليسارالوطنى الديمقراطى التقدمى ، ولكن قبل ذلك لا بد من وقفة مع الذات من خلال بعض المراجعات النقدية لمرحلة تاريخية فى العمل السياسى لكي نتوصل من خلالها لقراءة سليمة لمعطيات المرحلة الراهنة .
لقد كنا نستعير الثقافة ، ولم ننتجها كغيرنا ، وكنا نعتمد الطابع المدرسى ، فى تلقين ثقافة الآخرين بدليل اننا استعرنا حتى كلماتنا ومصطلحاتنا ، مثل الوطنية والتقدمية والقومية ( القوم - ية ) كترجمة لكلمة ( NATION ) بمعنى الامة ، لهذا فإن القومية بمفهومها المعرب عجزت عن التطور فى مسارها الحضارى ، نتيجة لعجز القومية العربية فى إعطاء الاجوبة المقنعة لحل المشكلات المادية والاجتماعية ، وإختزالها الهدف القومى فى المسألة السياسية ، والتى اختزلت بدورها فى محاربة الاستعمار ، وابتعدت عن قيم الحداثة والديمقراطية بكل مضامينها ومدلولاتها الحضارية ، وكان التناقض يقع عندما يتخرج طالب اللغة العربية ويجد ان الوطنية والتقدمية والقومية العربية كلمات مستعارة لا اساس لها فى قاموس اللغة العربية ، وبالتالى يبحث عن الاساس التاريخى لهذه المصطلحات وغيرها ، فيجد جذرها فى كلمة ( تقدم – وطن - قوم ) واقوام ( وهى اقرب للشعب ) من القومية ، ويجد ان ( القوم - ية ) ما هى إلا كلمة ( قوم ) مضافا اليها كلمة ( ية ) المستوردة من مصادرها الاوربية لتعطى مصطلحا غريبا على مصادر اللغة العربية ( القومية ) التى لا اساس لها فى التراث الثقافى والفكرى العربى ، ولا تعطى المعنى الدقيق لمصادرها الاوربية ، التى تعنى الامة والامة الالمانية او الايطالية او الفرنسية ليست كالقومية العربية الممزقة .
إن قرار التحول للماركسية لم يجعل حركة القوميين العرب حزباً شيوعياً ، وهذا ما تؤكده وثيقة شباط الصادرة عن اللجنة التنفيذية القومية لحركة القوميين العرب ( 10 / 2 / 1969 ) في الفقرة الثانية على النحو التالي : (( إنه من المستحيل ان تتحول حركة القوميين العرب بمجموعها كجسم سياسي ذو ميول برجوازي صغير الى تركيب طبقي وايدلوجي أي إلى حزب عمالي ماركسي لينيني ، ولذلك فإن اقصى ما يمكن ان تتطور اليه الحركة هو ان تفرز من بين صفوفها عناصر وطلائع طامحة الى الإلتحام بالطبقة العاملة والإلتزام بإيدلوجيتها الماركسية اللينية )) .
إن هذه العقلية انتجت فيما بعد اشكالا مشوه لحركات تدعي الماركسية ، ولكنها على خلفية العداء الشديد للإحزاب الشيوعية والقومية ، خاصة بعد ان اصبحت الماوية احد مصادرها الفكرية ، وقد لعب اليسار الفلسطيني في تعزيز هذا التوجه من خلال الإتحاد العام لطلبة فلسطين ، عندما قامت إحدى فصائله بإرسال وفدا الى الصين عام 1964 برئاسة تسير قبعة ، وعلى سبيل الإستدلال سوف نستحضر بعض المواقف لبعض فصائل اليسار ، ومنها مقتطفات من وثيقة الإجتماع الموسع القومية حول ابعاد هزيمة يونيو حزيران 1976المنشورة في صحيفة الحرية ( بيروت – العدد 424 تاريخ 5/ 8 / 1968) والتي ادانت بشدة القوميين العرب ، وانتقدت نفسها لمساهمتها في خلق الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا ، لأن : (( الإشتراك في الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا كانت خطوة برجوازية صغيرة وخاطئة ، ولأن الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا لا تختلف في شئ عن جبهة الحكم المؤلفة من البعث القطري والحزب الشيوعي السوري ، وبعض التكتلات الإنتهازية الأخرى )) ، كما عملت حركة العرب على تشكيل لجان مقاومة الشيوعية في العديد من البلدان العربية ردا على موقف الحزب الشيوعي السوري من الوحدة السورية المصرية التي سميت بوثيقة الإنفصال الصادرة في شهر 12 / 1958 وهي عبارة عن برنامج طرحه الأمين العام للحزب الشيوعي السوري ( خالد بكداش ) يدعو فيها الى قيام إتحاد فيدرالي عربي بدلا من مشروع الوحدة الإندماجية ، وكانت الوثيقة معدة قبل إعلان الوحدة بين سوريا ومصر ، وكان ابرز هذه اللجان في العراق والكويت عندما تطوع عدد من اعضاء وكوادرحركة القوميين العرب ومعهم البعثيين في هذين البلدين ضمن لجان تسمي بلجان مقاومة الشيوعية ، وقاموا بتقديم اسماء العشرات من الشيوعيين العرب المقيمين في الكويت للسلطات الكويتية لترحيلهم ، نتج عنها تسليم 200 شيوعي اردني للسلطات الأردنية ممن لجؤا للكويت .
لقد حاولت بعض القوى اليسارية الجمع بين الدين والماركسية بعد الفشل في الجمع بين الماركسية والقومية ، واخذ هذا اليسار إتجاه يحمل خليط من الأفكار ، وبدأت تنتشر بينه ادبيات ما سمي باليسار الإسلامي ، واخذ البعض في التنظير لهذا التوجه ، وكان الحزب الشيوعي السوداني مثًلا رائجاً ومحبباً فقد اشيع بأنه يضم في صفوفه كوادر وقيادات من اأمة المساجد ، واخذ بعض اليساريين العرب بترجمة تجارب المناضلين الدينيين الذين تحالفوا مع الماركسيين في امريكا اللآتينية ، وهكذا اصبحنا امام خليط من اليسار الذي يحمل بدوره خليطاً من المتناقضات .
لم نكتفي بوطنيتنا بل كنا نوزع هذه الوطنيات حسب مقاييسنا وفهمنا نحن للوطنية ، وكنا على قناعة تامة وإيمان راسخ بأننا وطنيون دون جدال او مؤاربة ،فنحن اليسار خير ما انتجته البشرية من الوطنيين والتقدميين ، هكذا كنا نعتقد قبل ان نستفيق من حلمنا الجميل ونكتشف اننا كنا مفلسون ، وكنا نشكل جماعات يسارية معزولة عليها ان تقف بكل شجاعة وجرأة لمراجعة نقدية لذاتها ولتجاربها .
يتضح مما سبق ان تجربتنا الفكرية كانت خليط من التناقضات بعد ان اصبحت محصلتها صفراً ، لسبب ان شخصيتنا الفكرية والعقائدية لم تنبع من ذاتنا وانما محصلة لجهود وتجارب اخرين ، وكنا نصف انفسنا ( بالتقدمية ) وهي من الكلمات المحببة لدينا ، والآخرين بشتى إنتماءاتهم ( بالرجعيين ) ، ونتيجة لهذه العقلية الإستعلائية تحول الأعضاء الى طابور من التابعين الذين لا قرار ولا رأي لهم اللهم قدسية الملقن والخضوع لرأيه دون جدال ، مما تسبب في الغاء المصداقية الفكرية لدى هؤلاء ولدينا جميعاً ، فالرجعية اصطلاح يعني بالضرورة إيقاف حركة التطور ، اما التقدمية فهي دفع حركة التطور نحو الأفضل ، ويشترط لتحقيق ذلك مقياس تطور الأهداف المجتمعية وتحقيقها نحو الأفضل كمضمون حضاري ، فمقياس اليسار للأهداف الإجتماعية تحددها عقائد اليسار بما ينبثق عنها من فكر وتشريع ، كذلك الأمر ينطبق على جميع العقائد الأخرى ، ومن هنا يمكننا قياس الفكر إذا كان رجعياً او تقدمي ، فالقوانين والتشريعات والقيم والأفكار التي تهدف لتطوير المجتمع يمكننا اعتبارها تقدمية والتي تعيق التطور الإجتماعي والعلمي وتقيد الحريات فهي رجعية بغض النظر عن مصادرها .
لقد اصبح اليوم من الضروري ان نقف امام مراحل تاريخية ، ونقوم بمراجعات سياسية وثقافية وفكرية لقوى اليسار حتى نستدل على اخطائنا واسباب جمود حركتنا ، ومن ثم دراسة المرحلة الراهنة في التاريخ العربية ، واسباب غياب اليسار عن المشهد السياسي للثورات العربية .
لقد كانت هذه المقدمة ضروروية قبل الإجابة على اسئلة الحوار المتمدن ، ولأهمية هذا الموضوع سوف إستعرض دور القوى اليسارية من خلال استعراض طبيعة الحركة النقابية في بلدان الثورات العربية كأهم قوة جماهيرية وإجتماعية ونقابية وسياسية وميولها السياسية والعقائدية (الأيدلوجية ) وذلك للإجابة عن مدى مشاركة القوى اليسارية في الحركة النقابية والعمالية العربية ن إضافة للاتحادات الجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني المؤثرة في هذهِ الثورات .
إن معطيات التاريخ تؤكد ان طبيعة تكوين هذه المنظمات ( الجماهيرية ) جاءت بفعل الأنظمة الحاكمة ، لذا لم تكن على نفيض من سياساتها بقدر كونها اهم روافدها ، فعندما نأخذ الحركة العمالية وهى من أهم القوى التي يفترض أن تكون المرتكز الأساسية لقوى اليسار تاريخياً نجدها في محور الأنظمة العربية ، فعلى سبيل المثال نجد الاتحاد التونسي للشغل والذي لعب دورا محورياً في إحداث تونس خرج من حاضنة الحزب الحاكم ، حيث نجد الحبيب عاشور الشخصية النقابية التاريخية الذي كان على راس هذا الإتحاد والذي شغل منصب الرآسة في قيادة الحركة العمالية والنقابية التونسية كان من الشخصيات الهامة في الحزب الدستوري التونسي والمؤيدة لسياسات ( المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية التونسية ) ونتيجة لصراعات سياسية بين أركان الحزب الدستوري او بألأحرى بين اهم شخصياته ( السيدة وسيلة زوجة بورقيبة والسيد المصمودي ) في سبعينيات القرن الماضي أنحاز الإتحاد التونسي للشغل بقرار من رئيسه الحبيب عاشور للمحور المضاد لنظام حكم الحبيب بورقيبة وقرر اسقاطه وقام بتسليح العمال والدخول في صدامات مسلحة ، ثم تعاقبت قيادات نقابية على ألإتحاد التونسي للشغل اولهم بعد الحبيب عاشور السيد اسماعيل سحباني حتى القيادة الحالية جميع هؤلاء كانوا من الحزب الدستوري ، ولم يكن للقوى اليسارية دورا في صناعة القرار النقابي او السياسي ، حتى التيارات الإسلامية كان دورها مغيباً لأسباب ذاتية وموضوعية حيث كانت القوى الجماهيرية تحت السيطرة بالرغم من القمع والفقر والتفاوت الحاد بين الطبقات والفئات الشعبية ، إلا ان القوى اليسارية لم تستظع استغلالها لخلق حالة صراع إجتماعي تقود لهزات سياسية ممنهجة مما فسح المجال لسيطرة الشارع وغياب القيادات السياسية او القوى اليسارية او الدينية , وترك فراغاً سياسياً وأيدلوجيا سمح للقوى الدينية ان تتبوأ دور الريادة في قيادة وتوجيه الشارع من خلال معطيات تاريخية اسلامية تراثية إيمانية مغروزة في اعماق الوجدان الشعبي ، لم تتمكن قوى اليسار استغلالها وليس محاربتها ، وإنما الدخول في اعماق التاريخ الإسلامي لإبراز الجوانب الكثيرة المنسجمة تماما مع منهج وسياسات القوى اليسارية كما فعلت القيادات الدينية .
إن الحالة التونسية التي لا تخلو بطبيعة الحال من بعض الشخصيات اليسارية الغير مؤثرة في الوضع العام التونسي قبل الثورة وانعكاس ذلك بعد الثورة ، يمكننا اخذها كنموذج لدور اليسار من عدمه في الثورات العربية ، وعليه نجد الوضع الليبي اسوأ بكثير حيث الغياب التام لقوى وشخصيات اليسار على امتداد عقود من الزمن خلال حكم القذافي ، حيث كانت الحركة النقابية من صناعة معمر القذافي فقياداتها تاريخياً كانت متوارثة من عائلة جلود ، ومن بينهم شقيق عبدالسلام جلود وابن عمه ، والجميع كان يهتف بحياة القائد معمر ويسميه الجميع القائد ، وبالتالي قامت الثورة الليبية نتيجة الأسباب والظروف الموضوعية ذاتها التي حدثت في تونس ، وغلب عليها طابع العفوية مع غياب لمنهجية الثورة الليبية ، وجاءت بقيادات دينية وتكنقراط غير معروفة على الساحة السياسية العربية والدولية ، لذا نستطيع الجزم ان اليسار تم القضاء عليه بعد إنقلاب القذافي مباشرة ، ولم نتلمس أي فعل او دورا لقوى او احزاب يسارية على الساحة الليبية ، كذلك الحال بالنسبة للساحة المصرية فبالرغم من التاريخ العريق لقوى اليسار المصري إلا انه غاب عن المشهد السياسي ، واصبحت قوى الإسلام السياسي المؤثر في الثورة وفي قيادتها ، بدليل ان الثورة المصرية تفجرت نتيجة لتراكمات اخطاء وفساد النظام السياسي عندما تمكنت مجموعة شبابية ( شباب الثورة ) دون علاقات مباشرة بعضها ببعض وإنما من خلال محادثات عبر الفيس بوك وتوتر تمكنت من خلق حالة اجتماعية والبدأ من خلالها بالتحرك الشعبي العفوي دون قيادات سياسية او احزاب فاعلة ، بل كانت تبحث عن الرمز وقد سبق ان وجد البعض رمزه في السيد البرادعي الذي نزل من الطائرة امام حشود جماهيرية لم يكن يصدقها او يحلم بها ، كذلك وجدت قائدها في السيد انور نور ، وهكذا جرت هذه التطورات التي تحتالج لبحث عميق .
قد تكون الحركة النقابية المصرية مؤشرا يعكس بوضوح الغياب التاريخي لقوى اليسار’ ولكي لا أطيل في الإجابة حول هذه الأسئلة فأنني اجد في الحركة النقابية المصرية بذات التوجه والتكوين للنقابات العربية الأخرى , فمنذ انقلاب ( ثورة ) يوليو العسكرية اعلن مؤسس الإتحاد العام لعمال مصر ومؤسس الأتحاد الدولي لنقابات العمال العرب السيد فتحي كامل تأييد الحركة النفابية المصرية لقيادة عبدالناصر ، وقد تمكن عبدالناصر تأطير الحركة النقابية المصرية من خلال اتحاد عمال مصر كأحد مؤسسات النظام السياسي ومن اهم روافد دعم سياساته بعد الجيش المصري ، وكان عبدالناصر حاضناً للقيادات النقابية المصرية التي تميزت بألإنتهازية ومحابات السياسات الرسمية على مدار تاريخها ، وكان سهلاً توجيه هذه القيادة لإحتضان الحركة النقابية العربية والدعوة لتأسيس الإتحاد الدولي لنقابات العمال وترأسه واحتضان مقره وفرض شروط بان يكون أمينه العام مصري الجنسية بحجة دولة المقر والتي هي مصر ، وهكذا تولت القيادات النقابية المصرية دور القيادة العمالية على الصعيدين المصري والعربي منذ الخمسينات من القرن الماضي عندما تولى رآسة الإتحاد الدولي لنقابات العمال العرب السيد فتحي كامل وفوزي السيد وانتهى بالسيد محمد سعد احمد رئيس اتحاد عمال مصر ووزير القوى العاملة المصرية وامين عام اتحاد عمال العرب الذي رافق الرئيس انور السادات للقدس .
لم يكن اليسار المصري مؤثرا على الصعيد النقابي لأسباب كثيرة اهمها القمع الشديد والزج بقياداته العمالية والشعبية في السجون ، فعلى سبيل السيد عبدالمنعم الغزالي مؤلف كتاب تاريخ الحركة العمالية العالمية كان من العناصر الشيوعية البارزة والذي انتهي به المطاف ان يستقر منذ سبعينات القرن الماضي في العراق ويعيش على بعض مساعدات النظام العراقي ، لقد تمكنت النظم السياسية المصرية التلاعب بالحركة النقابية وحرف نضالاتها ، وحتى تلك الإنتفاضة التاريخية في 17- 18 يناير 1977 كانت بدوافع عفوية نتيجة للزيادة في بعض اسعار المواد الإستهلاكية ، وقد تمكن الإتحاد العام لعمال مصر السيطرة على مساراتها واختوائها ، وكان ابرز شخصية نقابية في قيادة هذه الحركة هو السيد انور عشماوي ، هكذا استطيع القول ان المحاولات التى قام بها بعض النقابيين ذوي الميول اليسارية لم تحقق نجاحات تذكر .
لم تكن سوريا استثناءا عن هذه القاعدة مع بعض الملاحظات التي ميزت سوريا بقوة انتسار اليسار الماركسي من الحزب الشيوعي السوري ( جماعة بكداش ) الذين تميزوا بقيادات نقابية وسط الحركة النقابية والشعبية السورية ، كذلك جماعة يوسف فيصل ورياض الترك ، وغيرهم من الذين لعبوا دورا مميزا في فيادات الحركة النقابية السورية ، ولكن في الأطار العام لسياسات النظام السوري نتيجة لحالة الأنسجام والتوافق بين احزاب وقوى الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة حزب البعث العربي الإشتراكي ، لذا كان من الصعب على المواطن السوري البسيط التمييز بين البعثي والشيوعي او الناصري حتى من النواحي الفكرية ، فقد تميز حزب البعث العربية الإشتراكي السوري عن باقي الأحزاب البعثية الأخرى بمنطلقات نظرية تصب وتتوافق تماماً مع المنهج الماركسي ، فالمعهد المركزي للنقابات السورية الذين تخصص في اعداد الكوادر النقابية السورية والعربية على مدى عام قد اعتمد المنهج الماركسي ، فالأقتصاد السياسي ومنهج التحليل الجدلي الماركسي والإشتراكية العلمية والصراع الطبقي والتقسيم الإجتماعي للعمل ولقوى المجتمع كان هو ذاته الذي يدرس في معهد جورجي دمتروف قبل انهيار المنظمومة الإشتراكية , وكانت اهم شخصية في إدارة هذا المعهد البرفسور فلورش من الحزب الشيوعي الألماني ، إضافة لعدد عدد من الشيوعيين العرب والسوريين ، مع بعض المحاضرين البعثيين ، وفي هذه البوتقة كانت تتماهى الأبعاد النظرية بين البعثي والشيوعي .
ان خصوصية الحالة السورية تضعنا امام اسئلة حائرة منها من هم اليسار ، ووفق أي منهج نستطيع تنصيف القوى اليسارية .
اخيرا تبقى الحالة اليمنية ، وقد تكون قريبة من الحالة السورية مع فوارق اجتماعية ، فاليمن الجنوبي حكم من قبل اليسار الماركسي ، وكانت الحركة النقابية والمنظمات الشعبية الأخرى مجرد منظمات حزبية لا قرار لها ، وتتبع جميعها الحزب الإشتراكي اليمني الذي دخل بدوره في صراعات وتصفيات لأهم قياداته النقابية والسياسية التاريخية ، فمنذ اعدام قائد الثورة اليمنية سالم ربيع علي وعبدالفتاح اسماعيل وعلي عنتر وتصفية العديد من الكوادر النقابية والشعبية المناضلة ، وهروب على ناصر ولجوئه لسوريا ، وكذلك على سالم البيض ولجوئه لسلطنة عمان البلد الذي دخل حرباً شرسة على مدار عشرون عاماً مع الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل ثم الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي ، واخيرا الجهة الوطنية لتحرير عمان ، هذه القوى اليسارية الخليجية المحتضنة من اليمن حتى بعد انهار الجنوب وقيام دولة الوحدة اليمنية بقيادة الرئيس علي صالح استمر النظام اليمني بتقديم الدعم لهذه القوى اليسارية . إن هذه الصراعات والتحولات الإيدلوجية والسياسية من التوصيف الرجعي لأنظمة الخليج إلى الحليف الإستراتيجي جعل من اليسار اليمني وبألأخص الحزب الإشتراكي ومنظاته بعيدة عن ثقة الجماهير اليمنية التي ثارت بعفوية كغيرها من ثورات الوطن العربي .
2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟
ج – 2
من الطبيعي ان يكون القمع والأستبداد عاملاً مؤثرا في اضعاف الحركة السياسية عامة ، ولكن القمع والإستبداد كان موجها ضد القوى الأسلامية اشد منه بكثير مما كان موجها ضد اليسار ، وقد عانت الحركة الإسلامية من بطش الأنظمة العربية كغيرها من القوى السياسية ، لذا يجب علينا البحث في الأسباب الحقيقة التي جعلت اليسار مهمشاً .
اعتقد ان العامل الحاسم في تهميش اليسار عندما اصبحت جزءا من النظام السياسي في عدد من البلدان العربية ، لأسباب انها كانت تؤيد تلك الإنقلابات العسكرية وتصفها بالثورات ، مما جعل خلطاً في الفهم وعدم التمييز بين الثورة والإنقلاب العسكري لدى المواطن العربي ، فمن قائد ثورة يوليو وآذار وانتهاءا بجعفر النميري وقائد ثورة الفاتح وامين الأمة القذافي الى جبهة الصمود والتصدي وقوى الممانعة العربية التي احتضنت ما سمي بقوى التقدم والأشتراكية في دول التحول الإشتراكي حسب تصنيف الحزب الشيوعي السوفيتي الى دول الطريق الآراسمالي مثل ايران الشاه وغيره ، هذا الخلط في المفاهيم جعل الإنسان العربي عاجزا عن الفهم الصحيح لطبيعة هذه الإنظمة العربية وقد برز سؤال هام في تراكمات الأسئلة ، هل هذه الأنظمة الدكتارية العسكرية تقوم على اسس ومعطيات وطنية ، ويمكننا تصنيفها كما فعل اليسار العربي بألأنظمة الوطنية التقدمية ، وبأي مقياس كان اليسار يحدد وطنية وتقدمية هذه الأنظمة .
لقد دخل اليسار في متاهة تاريخية على خلفية التباين الحاد في فهم تحالفاته ’ فعلى سبيل المثال كيف نفهم التحالف الإستراتيجي بين احزاب يسارية واخرى رجعية وعنصرية ، إن هذا التماهي بين الأنظمة ومكونات قوى اليسار كان عاملا هاماً في اضعافها ، بدليل حالة الجمود ، فهذه القوى تعجز ان تعيد تجديد نفسها بعد ان وقفت عند نخب عمرية تجاوز بعضهم عقده السبعين مع ندرة القوى اليسارية الشابة .
3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
إذا كانت ( الثورات العربية ) جميعها بدوافع عفوية ، فالتاريخ يشهد ان جميع الثورات العفوية كانت كارثية على شعوبها ، واهم مثال ثورة القاهرة الثانية ، او حركة الصفوة او ثورة عمر مكرم (1750 - 1822) نقيب الأشراف في مصر الذي قاوم الفرنسيين سنة 1800 من خلال ثورة شعبية عفوية اطاحت بالوالي العثماني خورشيد باشا ، وبعد إنتصار هذه الثورة على جيوش نابليون ، وعلى الدولة العثمانية لم يجد الشعب المصري حاكماً او والياً لمصر غيرمحمد على باشا الرجل الأمي والذي لا يجيد العربية لا كتابة ولا لغة وجاء للتو من مدينة قولة اليونانية الى مصر وكان بائعاً للتبغ ليحظى بثقة الشعب المصري بعلمائه ( رجال الدين ) ليكون حاكماً على مصر وسلطاناً على الحجاز والسودان واجزاء من سوريا عام 1805 وقد استمر حكمه بالتوارث بين اولاده واحفاده حتى حركة الضباط الأحرار التي جاءت باللواء محمد نجيب ثم جمال عبدالناصر ، واليوم نلاحظ ذات المشهد العفوي ، فمن الصعب التنبأ بمستقبل المنطقة امام حالة الهجيان الشعبي وكأنها (فوضى خلاقة ) حسب تعبير كوندليزا رايس ( الواشنطن بوست" في الـ 9 /4 /2005م ) ، وحينما استقرت الأمور لمحمد علي نفى عمر مكرم لدمياط ثم طنطا الى ان توفى ، وبنفس المسارات جرت احداث ربيع الشعوب الأروبية عام 1848.
لقد انحازت الولايات المتحدة لقوى الإسلام السياسي الشيعي في العراق والسني في باقي الدول العربية ، بعد ان وجدت عجز اليسار الليبرالي العربي الوصول للسلطة عن طريق الانتخابات او من خلال الديمقراطية لعدم شعبيته، لذا نلاحظ منذ احتلالها للعراق وهي تعمل على كسب الأسلاميين التقليديين ومحاولة اشراكهم في السلطة لكسب شعبيتهم ، وتخلت عن دعم القوى الليبرالية ، ونلاحظ ذلك في السودان عندما اتجهت نحو التفاهم مع النظام السوداني الأصولي التي قطعت شوطا بعيدا في تحقيق سياساتها دون حاجة لتغييره او اسقاطه ، إنها قضية شائكة ومعقدة تحتاج من اليسار العربي الوقوف عندها وتشخيصها ، كما يحتاج الى مراجعات نقدية لأساليب عمله وتحالفاته ، وتقييم بنائه التنظيمي ومنهجية عمله الفكري ، فاليسار كان جزءاً من تحالف الأنظمة العسكرية التي صنفت في إطار القوى الوطنية والتقدمية ، فعندما نأخذ على سبيل المثال ألأحزاب التي تصنف ضمن المسار اليساري كقوى سياسية نجدها خليط من التناقضات والضبابية ، فكيف يمكننا رفض سياسات النظام العراقي السابق والنظام السوري ونجده حليف استراتجي مع الحزب الشيوعي السوري والبعث العراقي في محور القوى اليسارية في عدد من البلدان العربية ، كذلك التنظيمات الناصرية التي جاءت كنتاج لإنقلاب حركة الضباط الأحرار في مصر والتي تحولت الى نظام دكتاتوري غابت خلال فترة حكمه جميع المظاهر الديمقراطية ، وسمى إنقلاب القذافي بثورة الفاتح وامين الأمة .
علينا تحديد مفهوم اليسار ومناهجه وآليات عمله ومراجعات فكرية لمساراته ، ومن ثم تقييم اسباب غياب اليسار العربي او ضعفه في التأثير على المشهد السياسي العربي ، ولماذا كان مغيباً عن مجريات الثورات او الإنتفاضات العربية ، وماهي الأسباب الموضوعية والذاتية .
4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟
ج - ان تؤسس لطريق ثالث كحالة سياسية ممتدة جماهيرياً في الأوساط الشعبية بمختلف إنتماءاتها ، وتقوم بإعداد كوادر ذات قدرات عالية من الثقافة السياسية والدينية واليسارية ، لديها القدرة على تأطير القوى الإجتماعية على خلفية مصالحها وصراعاتها الإجتماعية والإقتصادية ، كذلك على اليسار إيجاد او خلق مرجعية فكرية وسياسية في إطار التعددية والحرية في التفكير والنقد المنهجي ، ثم إعداد الكوادر النقابية القادرة والمؤهلة شخصياً واجتماعياً على قاعدة الحركة العمالية والحركة الطلابية والشبابية ، وإقامة المنتديات الفكرية اليسارية والعمل على تحديد الفكر والمنهج اليساري بوضوح امام الرأي العام ، وتنويع المواقع الإلكترونية المتخصصة ، مثل المواقع والمنتديات النسائية ذات التوجه اليساري ، والنقابية والإجتماعية ، وإقامة الفعاليات الشعبية المشتركة من خلال الإستعانة بالمنظمات والجمعيات الأحزاب اليسارية العربية على ان تكون مفتوحة لجميع الراغبين في المشاركة بغية التأثير ونشر ثقافة اليسار ، قد تكون هذه خطوات اوليه لتبيان المساحة السياسية الفاصلة بين قوى اليسار والقوى الأخرى .
5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
ج- 5 – ليس بالبساطة الإجابة على هذا السؤال بنعم او لا ، لأسباب ان اليسار العربي يعاني خللآً بنيوياً وفكرياً ومنهجياً بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي ، وقد تداخلت المفاهيم والمصطلحات ، فلم نعد نقييم القوى الرجعية كما السابق ولم تصنف الأنظمة الرجعية في ذات السياق ، ونحن امام حالة يتماهى فيها اليسار باليبرالية والقومية والرجعية من منظور تاريخي ، فلم تعد المقاييس او الأبعاد التي كانت لدى اليسار في تقيمه لتحالفاته وتصنيفه لقوى المجتمع الدينية والسياسية كما كانت ، لذا اقترح بمناسبة الذكرى العاشر لتأسيس الحوار المتمدن ان تؤسس لمرجعية يسارية ، ومن خلالها تتبلور الأفكار والمناهج اليسارية او ذات الميول اليسارية ، لتشكل القاعدة الفكرية والمنهجية التي يمكن لقوى اليسار ان تجد ضرورة التسيق والعمل المشترك، وصولا الى تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية العربية .
6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
لا تستطيع مالم تغادر بعض الممارسات والسلوكيات القديمة التي ابقت على القيادات التاريخية المهيمنة على معظم القوى والتنظيمات اليسارية ، وقد عمل بعضها على تحويل هذه القيادات التاريخية لقديسين ، وتحولوا لمرجعيات سياسية وفكرية ، مما جعل الشباب يشعرون بفوارق عمرية وثقافية وتاريخية كبيرة داخل هذا الأحزاب والقوى اليسارية ، لدرجه ان بعض هذه الأحزاب تحول سلوكها إلى طقوس دينية في تخليد وتمجيد بعض القيادات التاريخية ، ووصل الأمر ببعضها ان تحجز لأمينها العام كرسي في مؤتمراتها بعد وفاته ، كذلك دخلت في حالة من الإنتقائية والمفاضلة الداخلية بين تلك القيادات والعناصر ، التي تسببت في الجمود السياسي والعقائدي لهذه القوى والمنظمات اليسارية ، ومعظم هذه التنظيمات تم اختزالها في الأمين العام ( كأن نقول الجبهة الشعبية جماعة ( ... ) او الجبهة الديمقراطية جماعة ( ... ) او جماعة ( ... ) او الحزب الشيوعي جماعة ( ... ) او التجمع الديمقراطي جماعة ( ... ) وهكذا من جماعة الى جماعة يبتلع فيها الأمين العام التنظيم برمته .
هذه الحالة المتأصلة في اليسار نتيجة لغياب الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي والتعبير ، وهو ارث جاء بفعل التنظيم الحديدي او السياسات المركزية ، او تأطير الحياة الفكرية والمنهجية بطريقة مقدسة لا تقبل النقد او التشكيك ، ففي حالة الأحزاب الماركسية والشيوعية كانت لمقولات لينين وماركس وانجلز نوع من التقديس ، ولا تقبل النقد او المراجعة ، كذلك الحال لدى البعثيين والناصريين .
إن مدعي الليبرالية والعلمانية اليوم هم ذاتهم الذين كانوا يرفضونها ، فالليبرالية كانت تصنف في إطار الفكر والمنهج الرأسمالي او الإمبريالي ، والعلمانية لم ترقى لمستويات الفكر العلمي الماركسي الليني او البعثي او غيره من المكون الفكري لقوى اليسار ، لذا فمن الضروري ان نقف عند هذه المحطات في مراجعاتنا الفكرية والسياسية .
7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
بتفعيل دور المرأة ذاتها ، وتعزيز شخصيتها ، ودفعها للعمل ، وتثقيفها ، وتعليمها بحقوقها ، واحترام كيانها ، وتقبلها ليس كأنثى ، وإنما كشخصية بكيانها الإنساني المستقل مع إحترام خصوصيتها الأنثوية ، وقبولها كزوجة وليس كوسيلة للمتعة ، عندها نستطيع الإدعاء اننا نملك نساءا كما روز اليوسف نعم روز اليوسف هذه المرأة العظيمة التي جاءت في عصر وزمان ليس بزمانها ، ولكنها ابدعت وانتجت عميد الأدب والثقافة والفكر والسياسة ، حتى قال النحاس باشا ،إنني افاخر بأمرأة كروزى اليوسف ، هذه المرأة التي جاءت من اليتم والتشرد من قرى لبنان الى الإسكندرية لتكون رمزا لزمانها ولا تزال خالدة .
8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟
نعم تستطيع إذا ملكت الجرأة في نقد الفكر الديني ، ورفض المزج بين الدين والسياسية ، ورفع صوتها جهارا بفصل الدين عن الدولة ، وحددت تحالفاتها على قاعدة تقدمية ، كذلك على اليسار ان يعي الأبعاد التاريخية للدين بعيدا عن الجوانب الطقوسية ، فالدين هو المكون الرئيسي للحضارة ، ويحمل تأثيرا قوياً في الفكر والثقافة ، ومقوماً اساسياً من مقومات المجتمع ، لأن الدين يدخل بصورة يومية في خصوصيات الأفراد من الأحوال الشخصية والقيمية والإخلاقية ، لذا علينا فهم تاريخ الدين كثقافة وفكر متشعب ممزوج بالحضارات والأفكار الإنسانية ، فللفكر الديني اوجه كثيره يمكن لليسار اذا فهم الدين وثقافته ومراحله التاريخية ان يحلق بين ثناياه ، ويكون مأثرا فيهه .
9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
صحيح هذا الذي فاجأ الأنظمة العربية ، التي سقط بعظها بفعل تخلفها ، عندما اوجد الفوارق الزمنية العميقة في التقنية بينها وبين الأجيال الصاعدة ، التي لم تعد بحاجة لإستعمال الممنوعات القديمة ، مثل الكتاب والمنشور والبيان والمقولة النقدية للنظام ، كما انه ليس بحاجة النزول للشارع او التواصل عبر الأندية او المقاهي او في اماكن سرية ، فلقد خلقت هذه التقنية عالماً من التواصل الإجتماعي ، واشكال من المنتديات والمقاهي وجماعات الحوار والتحدث دون ان يعرف احدهم الآخر ، انه زمن آخر لم تعييه الأنظمة والحركات اليسارية ، بقدر فهم الحركات الإسلامية لهذه التقنية ىالعلمية واستغلالها اكثر بكثير من القوى اليسارية ، ولا شك ان اليسار عليه ان يبدع ويبتكر في هذا المجال .
10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟ .
ج – اولاً اتقدم لكم في الحوار المتمدن بأجمل التهاني واتمنى المزيد من التقدم والنجاح ، واعتبر الحوار المتدن منبراً يسارياً هاماً لجميع الشخصيات والقوى اليسارية ، وقد ابدعت في مواضيعها من حيث التنوع ، وقدرات كتابها ، كذلك احلم ان يكون الحوار المتمدن مرجعاً فكرياً وثقافيا وسياسيا وإجتماعياص لجميع اليساريين .
مع الشكر والتقدير لجهودكم
والف مبروك للحوار المتمدن
الثلثاء 29 نوفمبر 2011م
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من
.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال
.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار
.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل
.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز