الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعا عن التعليم الديمقراطي الشعبي

منصف القابسي

2011 / 11 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


تتعرّض الجامعة والمدرسة العمومية في تونس اليوم إلى هجمات من طرف مجموعات سلفيّة دينية عنيفة تحاصر الأساتذة والطلبة والطالبات والحريات الأكاديمية وحرمة الفضاء الجامعي ومن ورائه نظاما تعليميا يفخر التونسيين بتضمّنه لفسحة كبيرة من المكاسب التنويرية والتقدمية والوطنية الناتجة عن نضالات أجيال من التقدميين والنقابيين. وكلية الآداب والإنسانيات بمنوبة-تونس هي من بين الصّروح الشامخة في الجامعة التونسيّة، وقد تأسّست في ثمانينات القرن العشرين وتخرّج منها أجيال من الطلبة والطالبات هم اليوم عماد البلاد وأهمّ الفاعلين في مؤسساتها وقد احتضنت طيلة عقود مختلف التعبيرات الفكرية والسياسية داخل جموع الطلبة والمدرّسين ولا تزال، إلاّ أنّ ما حدث يوم الاثنين 28 نوفمبر 2011 من هجوم على الكلية ومحاصرة الطلبة والأساتذة من طرف مجموعة من "الملتحين" مطالبين بدخول طالبة منقّبة إلى قاعة الامتحان رغم وجود نصّ صادر عن المجلس العلمي للكلية يمنع ذلك ثمّ تجرّؤهم على طلب الفصل بين البنين والبنات في فصول الدراسة وتدريس البنات من طرف مدرّسات من نفس الجنس والبنين من طرف مدرّسين من الرجال يدفع إلى ضرورة الانكباب على هذه الواقعة.
فالمدرسة العموميّة والمعاهد والجامعات في تونس مكاسب تعدّ وطنية وشعبية بمعنى أنّها تؤسّس لبثّ المعارف والعلوم التي بها تستنير العقول وتتفتّح الملكات وتتحدّى الأوطان الجهل والتّخلّف وغلبة الطغيان.
وقد رفعت العديد من الشعوب والأمم قيود الجهل والتخلف بفضل المدرسة، وهذا ما لا يمكن أن يشكّ فيه أحد. إلاّ أنّ المدرسة وككل المؤسسات تخضع لمنطق الصراع الاجتماعي وهي في صلب هذا الصراع ولذلك هي مجال من مجالات المراهنة لمختلف الطبقات الاجتماعية، حيث أن الطبقات المسيطرة توظّف التعليم ومؤسساته لخدمة مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية... ولكنّ الطبقات الأخرى ترفض سياسة الأمر الواقع فتسعى إلى الاحتجاج على السياسات التربوية المتّبعة رافضة إياها جزئيا أو كلّيا، وتطرح إصلاحات أو رؤى ثوريّة مقوّضة للبرامج القائمة. فالطّبقة العاملة مثلا، ومن خلال العمل النقابي تطرح باستمرار مبادرات لإصلاح المنظومة التربوية القائمة من خلال شعارات تؤكّد فيها خاصّة على أحقّية كلّ أبناء الشعب في التّعليم دون تمييز من أي نوع وخاصّة ذاك القائم على البعد الاقتصادي-الاجتماعي، لذلك كان النضال النقابي لمختلف نقابات التعليم بمستوياته موجّها ضدّ التعليم بسرعتين وأحيانا بأكثر فينادي بتساوي الحظوظ التعليمية وبالتعليم الدّيمقراطي الشّعبي (جامعة شعبيّة تعليم ديمقراطي). وهذا الشعار بالذّات هو شعار له بعدان، واحد مرحلي وآخر استراتيجي، فمرحليا لا نستطيع تحقيق ديمقراطية التعليم وتعميمه على عامّة أبناء الشعب دون تحقيق مجانيته وتقريبه من المواطنين، مهما نأت أماكن سكناهم، وإجباريّته التي يجب أن تتدعّم بالنّص القانوني الزّجري وخاصّة لمن يتجرّأ على حرمان أبنائه والفتيات منهم على وجه الخصوص من نعمة التعلّم لظروف ما. وهذه الشعارات ممكنة التّحقق حتّى في ظل أنظمة لا شعبية ولا ديمقراطية بفضل نضالات العمّال وأبناء الشعب من طلبة وتلاميذ وفقراء، ويبقى شعار الثقافة الوطنية كمحتوى مركزي ضمن برامج التعليم محلّ صراع مرير ومدّ وجزر، لأن الأنظمة الاستبدادية والعميلة لا يمكن أن تقبل بالثقافة الوطنية لأنها تنسف أسس حكمهم وتهدّد مصالح أسيادهم الامبرياليين والصّهاينة. أمّا البعد الاستراتيجي فإنّه مجال النضال السياسي للطبقات العاملة والمضطهدة في إطار برنامج عام وشامل يجعل التعليم فعلا في خدمة الشعب ويؤسس لديمقراطية حقيقية، ديمقراطية شعبيّة تسمو بالشعب عبر قيم راقية، هي قيم العدالة والمساواة وغياب استغلال الإنسان للإنسان أو اضطهاد شعب لشعب أو عنصر لعنصر...
ومجتمعنا الذي تشقّه تناقضات بين الطبقات المضطهدة والمسيطرة، وهي خليط من الرأسماليين الكمبرادور وبقايا الوجاهات الاجتماعية المتمعّشة من الامتيازات السياسية الممنوحة لها من النظام القائم أو من ملكياتها الموروثة عن النظام الإقطاعي المتفكّك أو تلك التي نهبوها من أملاك الفقراء أو من الملك العمومي... يتعرّض اليوم ومنذ ما قبل الانتفاضة المجيدة إلى هجوم على بعض المكتسبات على قلّتها رغبة في التراجع عنها أو القضاء عليها، وهم يبدؤون اليوم بمسائل تبدو غير ذات بال كمحاولة فرض المساجد داخل المؤسسات التعليمية والإيهام بأن المدرسة التونسية الحديثة هي مدرسة لائكية وبالتالي ملحدة. ولمزيد الابتزاز تجد صفوف الرّدة تتكاتف وتتكثّف في مجموعات تبدو قادمة لتوّها من القرون الوسطى، قرون الظلام والتّخلّف، أو هي لتوّها قد نفضت عنها غبار جبال "طورا بورا"، ثمّ تغيّر من سرعة هجومها لترهب الطالبات والتلميذات عبر عصابات تأتي من خارج المؤسسات وأحيانا من داخلها (تلاميذ، طلبة أو أساتذة..) تأمر بلباس الحجاب أو النقاب أو البرقع للطالبات أو للأستاذات (رغم وقوف أغلب مكوّنات المجتمع المدني والعديد من الأحزاب السياسيّة مع حقّ المتحجّبات في لبس الحجاب زمن حكم بن علي)، وتواصل الزحف حتّى تتجرّأ على محتويات التدريس وعلى البرامج التي كان لشعبنا وقواه المناضلة النقابية والسياسية الفضل في فرض أجزاء منها تعدّ زوايا نيّرة في المنظومة السائدة. إنّ هذه القوى الرجعية المتخلفة تعبيرة طبقية عن قوى اجتماعية متسلّطة تريد تأبيد التخلف والتّبعيّة والاغتراب والخنوع خاصّة مع موجة العولمة النيوليبرالية الزاحفة، رغم ما تلاقيه هذه الموجة في التطبيق الفعلي من فشل حتّى في الأقطار الحاضنة لها أي الدول الرأسمالية والامبريالية. وهذا يؤكّد بما لا يدع مجالا للشّك أنّ هذه التيارات هي الاحتياطي الفعلي للامبريالية والرجعية. لذلك لا بدّ من الجبهة الوطنية الديمقراطية التّقدّمية الواسعة لا للحفاظ على المكتسبات القليلة فقط بل ولتدعيمها. فكلّ تخاذل أو تراجع من قوى التقدم والنضال سيقابله زحف كاسح للقوى الظلامية والعميلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أونروا: فرار نحو 360 ألف شخص من رفح وليس هناك أمان دون وقف ل


.. نيويورك تايمز: ملفات حماس السرية تظهر كيف كانت تتجسس على الف




.. سوليفان: لا نعتقد أن ما يحدث في غزة إبادة جماعية وينبغي على


.. كيف يرى الإسرائيليون حرب غزة؟




.. فلسطينيون عالقون في العريش يبحثون عن فرص عمل