الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دروس متعددة ليسار يجب أن يتحد

مصطفى مجدي الجمال

2011 / 11 / 30
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


دروس متعددة ليسار يجب أن يتحد
مصطفى مجدي الجمال

يبدو من قبيل المقامرة نوعًا ما المسارعة بإصدار أحكام قاطعة بعد انتهاء الجولة الأولى من المرحلة الأولى للانتخابات النيابية في مصر. ولكن المسئولية الثقيلة جدًا الملقاة على عاتق اليسار المصري تتطلب منه ألا يضيع الوقت في تبادل الاتهامات والملاسنات، وأن يعمل سريعًا على استقراء الواقع واستخلاص الدروس، خاصة أن الاتجاهات العامة لنتائج الانتخابات، ولمحصلة العمل الكفاحي في ميدان التحرير والميادين الرئيسية بالمدن الأخرى، وأيضًا في شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت واضحة.
تقول النتائج الانتخابية إن أداء اتجاهات الإسلام السياسي جاء قويًا، بفضل الهيمنة الأيديولوجية وقوة المال ومتانة التنظيم والتأثير الهائل لقنواته الإعلامية وكفاءته والاتجاه الإقليمي العام المناصر له (فوز الإسلاميين في تونس وليبيا والمغرب ناهيك عن نفوذهم القوي في سوريا واليمن وفلسطين والسودان..)، وكذلك التحبيذ "المرحلي" للإدارة الأمريكية والحكومات الغربية لتنفيذ سيناريو مصري خاص يكون وسيطًا بين النموذجين التركي الباكستاني..
كما استفاد الإسلام السياسي من تاريخ الاضطهاد البوليسي له ومن زخم ثورة 25 يناير، ومن انصراف قسم من قوى الثورة عن الانتخابات- انشغالاً بالاعتصامات والصدامات والمراهنة الكاملة عليها- فضلاً عن تبعثر قوى اليسار الماركسي والناصري والديمقراطي الاجتماعي على ثلاث قوائم.. وفوق هذا كله استفاد الإسلام السياسي مما كشفت عنه الانتخابات من تردٍ هائل للثقافة السياسية لشعب حُرِم لعقود من العمل السياسي والتعبير عن الرأي فأصبحنا أمام مركب خبيث من الأمية السياسية والأمية الأبجدية، يضاف إليهما فقر عضوض أتاح شراء الأصوات لمن يقدر على الدفع، ناهيك عن التلويح بغرامة حوالي 90 دولارًا لمن يتخلف عن التصويت. وإذا كانت قوى الإسلام السياسي قد دخلت الانتخابات على قوائم متعددة فإن من الممكن، بل من السهل نسبيًا، أن تعقد فيما بينها ائتلافات جبهوية متينة في البرلمان المقبل، وربما تشكيل الحكومة أيضًا، وبالطبع في صياغة الدستور أيضًا.
وبوجه عام جاء أداء التيار الليبرالي باهتًا لأنه لم يستطع، وما كان ليستطيع، أن يقدم طرحًا اجتماعيًا مختلفًا في الجوهر عن الإسلاميين وفلول النظام المُزاح، على الرغم من امتلاك هذا التيار لإمكانيات مادية كبيرة وقنوات إعلامية قوية النفوذ.. كما دخل التيار الليبرالي الانتخابات على مستوى القوائم منقسمًا على قائمتي الكتلة المصرية وحزب الوفد.. أضف إلى هذا اهتمام التيار الليبرالي بحشد وتعبئة قطاعات طائفية في مواجهة اتساع نفوذ الإسلام السياسي.
أما اليسار المصري- وهو ما يهمنا في هذه المقالة- فقد دخل المعركة الانتخابية وهو مثخن بالجراح ويعاني من نقاط ضعف شديدة الخطورة. ولعل النقطة الأولى التي يجب أن نتناولها تتعلق بهذا الخلاف الشديد حول المشاركة في الانتخابات أم المقاطعة. وليس واردًا هنا استعادة الحجج التي طرحها كل طرف.. وقد ثار هذا الجدل أيضًا داخل كل حزب يساري على حدة.
ومن الملاحظ أن عشرات الألوف من شباب الثورة، اليساريين والقريبين من اليسار والمتأثرين به، كانوا ضد التعامل مع الانتخابات وما ستخلقه من شرعية لا يريدون الاعتراف بها، فلا شرعية في نظرهم إلا للثورة والميدان. لكن الدرس الذي كان لا بد أن يتعلموه هو أن الميدان والتظاهر والاعتصام هي أنشطة ذات طابع زمني، وأن لإمكانيات كل أسلوب نضالي سقفًا يتوقف على السياق وموازين القوى المتغيرة. كما ثبت ما كان من الواجب إدراكه مسبقًا عن الطابع الفضفاض للائتلافات الشبابية والذي يعرضها بالتأكيد لعوامل التعرية والتفكك على الأقل بفعل انتهاء زخم اللحظة الثورية الهائلة لاجتماع كل القوى الوطنية على الإطاحة بالنظام البائد.
وقد لعب كثيرون دورًا سلبيًا في اصطناع وتضخيم التناقضات والخصومات بين هذا الشباب النقي وبين الأحزاب والحزبية وحتى العمل السياسي، فضلاً عن التبرؤ ممن أطلق عليهم "العجائز"- رغم أن معظم هؤلاء الأخيرين لم يتخلفوا عن الميدان حتى جسديًا- كما حاولت بعض التيارات والحلقات ذات التفسير "الخاص" لمفاهيم الثورة الدائمة والديمقراطية المباشرة، دفع الشباب الثائر إلى صدامات دموية لم يحسب لها الحساب جيدًا مع خصوم لا تردعهم أي قيم إنسانية، بل امتلأ التدوين الإلكتروني والخطب الميدانية بالدعوة للعصيان المدني العام وحتى الكفاح المسلح.. وغيرها من شعارات ألهبت حماس الشباب لكنها كلفتهم خسائر ضخمة من الشهداء والجرحى والمعتقلين، دون أن تأتي للأسف بمكاسب ملموسة يمكن البناء عليها.
بالطبع كان لدعوة مقاطعة الانتخابات منطقها في هذا المناخ. لكن الداعين لها لم يكترثوا فيما يبدو لحقيقة أن قطاعات سياسية واجتماعية ممن اشتركت في الثورة أو التحقت بها متأخرةً قد نزلت من "قطار الثورة" في محطات رأت أنها تحقق لها ما أرادت.. وهذا أمر ليس له علاقة بالشجاعة أو الجبن، إنما هو تعبير عن مصالح طبقية محددة يجب أن تكون مفهومة ومحسوبة. فضلاً عن قطاعات أخرى واسعة أصابها الزهق والإرهاق من غياب الأمن وتردي الأحوال الاقتصادية.
كان يجب على الداعين للمقاطعة أن يشفعوا مقاطعتهم بحساب دقيق ومسبق لمحصلة دعوتهم هذه، أي هل يبشر المزاج الجماهيري بنجاح المقاطعة أم لا؟ فأنت لا تصدر شعارات ليسجلها لك التاريخ، وإنما للتنفيذ على أرض الواقع. أي أن الدعوة للمقاطعة يجب أن تكون إيجابية، وأن يتم بذل جهد هائل لإقناع القوى السياسية القريبة ومعظم فئات الشعب للحيلولة دون أن تجري الانتخابات، أو أن تأتي باهتة وبلا معنى. والملفت للنظر أن الإقبال على اللجان الانتخابية جعل بعض المقاطعين يصبون جم غضبهم على اليساريين الذين لم يقاطعوا بدعوى خيانة دماء الشهداء وإعطاء شهادة الشرعية للعسكر والإسلام السياسي وفلول النظام المُزاح، وجعل البعض الآخر يستسلم لإحباط قاتل أو التعويض في أنشطة ثانوية.
بالمقابل جاء أداء اليسار الذي دخل الانتخابات ضعيفًا لأسباب موضوعية (بلا إعلام أو موارد مالية لائقة)، وأيضًا نتيجة لانخراط الكثيرين في العملية الانتخابية بشكل مغالى فيه، حتى أنهم لم يقدروا قيمة الأنشطة الكفاحية في ميدان التحرير كعنصر ضغط مهم في العملية الانتخابية نفسها، والعملية السياسية ككل. كما أعطى يساريون كثيرون (في حزب التحالف الشعبي والحزب الاشتراكي المصري) معظم جهدهم لبناء أحزابهم الجديدة (وحتى لتحقيق شرط الخمسة آلاف عضو بأي طريقة كانت من أجل اكتساب الشرعية القانونية).. ولم يبذلوا الجهد الكافي للتعامل مع آراء الشباب "الصامد تحت النيران"، بمن فيهم شباب الحزب نفسه.
كما جاءت الانتخابات وحزب التجمع اليساري- أقدم أحزاب اليسار- في أسوأ حالاته، بسبب التراث الطويل لبعض قياداته التي ألحقته بركب السلطة، حتى أن سمعة اليسار كله قد تلوثت وسط الشباب بسبب هذه الممارسات. وفقد الحزب أهم كوادره وأكثرها ثورية التي ذهبت إلى إنشاء حزب التحالف الشعبي مع جماعات يسارية أخرى. وأصبح العشرات من المقرات الحزبية مغلقة أو خالية تقريبًا من الرواد، وانهار مستوى توزيع جريدة الحزب إلى الحضيض بعدما كانت من أهم الصحف المصرية. وقد دخل حزب التجمع الانتخابات على قوائم الكتلة المصرية، راضيًا بترتيب متأخر في القوائم.. ربما لأنه لم يعد لديه تلك الوجوه القوية التي كان من الممكن المساومة بها عند إعداد القوائم.
أما الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، الذي يتشكل أساسًا من كوادر ماركسية سابقة تبنت فكر الدولية الثانية، فقد حصل على تمييز لا بأس به داخل قوائم الكتلة المصرية. لكن يحسب عليه أنه لم يمد أيديه بجدية للتعاون مع بقية قوى اليسار المصري، واعتبر أن تحالفه مع القوى الليبرالية هو الأساس، بل قبل حتى أن يترشح على هذه القوائم عناصر من فلول النظام المُزاح.
تتبقى بعض الدروس الأخرى التي نتعرض لها بإيجاز نسبي:
أولاً: أمام مصاعب ومتناقضات العملية الثورية الراهنة لم يعد من المقبول أن تتفاقم الخلافات بين فصائل اليسار المصري بشكل يفقده إمكانات الصمود والنمو. وبالدرجة الأولى لم يعد مقبولاً أن تطغى الخلافات الأيديولوجية والتكتيكية والجيلية على إمكانية بلورة برنامج سياسي توحيدي. ولتكن الخطوة الأولى في هذا الصدد هي الدعوة إلى مؤتمر تداولي للبحث في الخطوات المستقبلية، ويمكن أن يتشكل من مائة عضو مثلاً، خمسة من كل حزب وعشرة من اليساريين غير المنظمين والبقية من الشباب اليساري. ومن الممكن أن يبادر خمسة من كوادر اليسار بصياغة الأوراق التحضيرية لهذا المؤتمر.
ثانيًا: لا بد من أن تدرك قوى اليسار أن برنامجها الاجتماعي هو من أهم عوامل قوتها في مواجهة الاستقطاب الأصولي- الليبرالي، ومن أجل فضح الطبيعة الدكتاتورية والرأسمالية لحكومة إسلامية محتملة. وهو ما يتطلب أن تولي فصائل اليسار اهتمامًا كبيرًا لتنسيق جهودها وسط الحركة النقابية والاحتجاجات الاجتماعية في ظل أزمة اقتصادية عنيفة ستعتصر المجتمع المصري في الشهور المقبلة. كما أن التأكيد على الطابع الوطني للثورة المصرية سيكون بالغ الأهمية في الفترة المقبلة نتيجة لتزايد متوقع للنفوذ الغربي وحتى الخليجي في السياسة المصرية.
ثالثًا: يبدد اليسار الكثير من طاقاته في المناقشات النظرية والتفاعل في الغرف المغلقة، وأصبح من الواجب عليه تجميع أنشطته في الواقع المباشر. كما أن كوادر يسارية مهمة أهدرت الكثير من طاقاتها في العمل في المنظمات الأهلية، وعليها الآن أن توظف تواجدها داخل هذه المنظمات للتمرد على أولويات الممولين وتوجيهها لخدمة الحركة الثورية.
رابعًا: ثبت أن اليسار يفتقر إلى أي وسائل اتصال جماهيري ذات شأن. بينما بات واضحًا مدى تأثير الإعلام التليفزيوني. ولتكن البداية المهمة هي الدعوة لاكتتاب عاجل من أجل إنشاء قناة تلفزيونية موحدة لكل أطياف اليسار. وبالمثل يجب البحث على الفور في إصدار جريدة موحدة لتكون لسان حال جبهة الديمقراطيين الثوريين.
أخيرًا.. لم تقم ثورتنا بين يوم وليلة فقد كانت ثمرة جهود وتضحيات اليساريين- مع الآخرين- على مدى عدة عقود.. ولا نملك ترف التبرع بها لآخرين نتيجة لكسلنا أو نخبويتنا أو استمرائنا للمشاحنات الأيديولوجية أو بعثرة إمكانياتنا..
هي ثورتنا.. ويجب أن نستعيدها ونطورها.. لهذا يجب أن نتحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جبهة يسارية مصرية موحدة بعد الانتخابات
ابوذر ( 2011 / 11 / 30 - 07:45 )
اظن ان يسار يمتلك الان حالة نهوض شعبي عارمة يمكن ان يتطور ويتسع لو ترك النقاش الداخلي وتحول الى التنظيم في الشارع، ايها الرفاق، الانتخابات يوم والشعب المصري دايم دوم، واليساري الجدي غير المحفلط، وعديم الممارسة، يدرك ثقل العبء المناط به.
لماذا لا يبادر اليسار الى ريادات شبابية منتجة بعيدا عن ضوضاء المدينة بدل العطلة لنزرع، وننتج ونقدم النموذج المنتج لا نموذج الاخوان الاغاثي الاستهلاكي، ايها الرفاق يمكن جعل كل الخلافات الفكرية والسياسية ساحة جدل ونقاش، مع توحيد الارادة على برنامج متفق عليه.
ابكي يسار فلسطين ويسار تونس ويسار سوريا ويسار مصر على هذه الشرذمة، وتحية لكم من فلسطين.


2 - اهدار الفرصة
رياض حسن محرم ( 2011 / 11 / 30 - 10:02 )
اوافقك فى المعظم
1-نعلم تشكيل ما يسمى بمؤتمر تمثيل الثورة فى الميدان مكونا من تنظيمات يسارية وليبرالية وقومية وشخصيات عامة ذات ثقل نخبوى وربما جماهيرى، وفى تقديرى انه يمكن البناء عليه من خلال تشكيل لجنة مكتب تتابع العمل اليومى، وفى الأسكندرية نبادر حاليا لتشكيل لجنة مماثلة.
2-فكرة الفضائية لا بأس بها ولكن تحتاج لتمويل جيد وظنى انه يمكن الاستفادة من قناة اليسارية التى تبث قريبا من الحزب الشيوعى اللبنانى وعدم الإنتظار


3 - مصرى يسارى ينتظر منذ 40 عاما
محمد حلمى ( 2011 / 11 / 30 - 14:45 )
كل من يتناول قضية اليسار المصرى يكون مجبرا لتقديم تقرير حالة قبل التطرق للموضوع لعوامل نفسية وموضوعية وذاتية - اعرف بنفسى - انا عاصرت اليسار القديم ولا اعرف لماذا لم اتنظم فى حزب شيوعى ابدا -رغم ان من اجابوا السؤال هنئونى على حظى هذا !؟ - المهم انتظرت طويلا تحت سقف معاناتى الفردية القاصرة نوعا فى تحصيل الوعى اللازم لمتابعة طريقى لنصرة قضية الثورة والتغيير !؟ وتعرفت على الكثير من نضالات وافكار وادبيات الحركة الثورية الاشتراكية المصرية والروسية - وكنت قبل 25 يناير ما زلت انتظر امل القيادة والريادة للفكر التقدمى او الاشتراكى او الشيوعى - سمة ما شئت - ولكنى تأكدت ان حركة الشارع المصرى حملت لواء ريادتها بنفسها يوم 25 يناير 2011 - مايطلق علية الوصول الى درجة الغليان او درجة اليأس والاحباط المفصلية التى تحول مجرى نهر التاريخ !؟ ورميت تحت قدمى امل الانتظار الكاذب الذى تعذبت بة كثيرا واطلقت العنان لنفسى فى التفكير الحر وابتداع الحلول والطرق والاساليب وعرضها على الملاء من خلال شبكة الانترنت - متاكدا ان هذة الشبكة تحل محل الحزب والجريدة وشبكة الاتصال - ولكنى لم اجدالحزب نفسة على ارض الواقع

اخر الافلام

.. محمد الصمادي: كمين جباليا سيتم تدريسه في معاهد التدريب والكل


.. متظاهرون يطالبون با?لغاء مباراة للمنتخب الا?سراي?يلي للسيدات




.. ناشطة بيئية تضع ملصقاً أحمر على لوحة لـ-مونيه- في باريس


.. متظاهرون مؤيدون للفلسطينيين يهتفون -عار عليك- لبايدن أثناء م




.. متظاهرون يفاجئون ماثيو ميلر: كم طفلاً قتلت اليوم؟