الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثمار الربيع العربي وهبوب رياح الخلافة الاسلامية

علي عرمش شوكت

2011 / 12 / 5
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011




لا يختلف منصفان حول طبيعة الانتفاضات الجماهيرية الكاسحة التي عمت العديد من البلدان العربية، بكونها ثورات شعبية سلمية ذات مضامين ديمقراطية لم تعهدها حركة التحرر العربية من قبل، مع انها تفتقر لبعض مقومات الثورة، من حيث تنظيمها وقياداتها وبرامجها السياسية. وبما ان انطلاقتها كانت ذات اهداف عامة، بمعنى اسقاط الانظمة الدكتاتورية، اشتركت فيها قوى سياسية مختلفة، وايضاً متعاكسة في الاهداف الاستراتيجية، فمن اقصى اليسار الماركسي الى اقصى اليمين السلفي، وما بينهما، وبادوار متفاوتة.
وعندما انهار النظامان الدكتاتوريان في تونس ومصر لم يكن هنالك قيادات بديلة لتسنم دفة الحكم، مما اتاح الفرصة للجيش ان يتولى زمام الامور، ويشكل حكومات من بقايا الانظمة الساقطة ذاتها. حيث تجلت علل هذه الثورات في لحظاتها الاولى، واول ما ترتب على ذلك، هو زحزة هدف الثور الاول " التغيير الجذري" الى الخلف، وكان ذلك قد قرع الجرص وآذن بالبدء في الصراع على السلطة، وان كان ضمن آلية الثورة الجديدة، اي الآلية الديمقراطية، الى هنا قد يتلمس المرء وضعاً اعتيادياً، ولكن كأي معركة لابد ان يشحذ كل طرف فيها كافة اسلحته، ومن البديهي ان يرتهن ذلك بالتوازنات في الميدان، الامر الذي يقرر نوع السلاح المناسب، وكذلك التعامل باكثر السبل قدرة على ازاحة الخصم.
وعلى تلك القاعدة راح العديد من الجهات الدولية والعربية والاسلامية متظافراً في دعم من ينشد فية مصالحه. بيد ان كل هؤلاء لم يتكلفوا عناء البحث عن الوسائل الناجعة التي بامكانها نصب القناطر لعبور محسوبيهم الى ناحية السلطة. ان التجربة العراقية مازالت حية، حيث اُستخدم ما يطلق عليه " السلاح الناعم" اي المال السياسي العابر للحدو وكذلك الاعلام الفضائي تحديداً، وهاتان الوسيلتان لا تتوفران بيسر لاحد سوى لمن لدية ارتباط بقنوات ممولة ذات امكانية قتدرة بمستوى امكانية دولة. ومن دون ادنى ريب انهما كفيلتان بحشد اصوات اوساط عائمة اذا جاز هذا التعبير، تبحث عن سرب قوى متمكن لتغرد معه، لعل بعضها يجد له في ذلك شفيعاً في " آخرته "، وعسى البعض الاخر منها ان يحظى بملاذ آمن ورغيد العيش في دنياه. وهنا لابد من ان نذكر، والذكرى احمد، ان مثل هذه الاصوات لا يعنيها برناج سياسي، او نزاهة تاريخ، او رصيد نضالي لاية جهة تتوخى فيها المنفعة، وانما تتعامل مع اي كان، على طريقة ، " عيشني اليوم وموتني بكرة " .
هذا الحال لا يخفى اصله وفصله على احد، كونه نما وتجذر بفعل الحياة السياسية المكهربة التي بسطتها الانظمة الدكتاتورية. حيث انها اغلقت كافة المنافذ الفكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية، ولم تترك امام الجماهير بوابة يترجون عبرها لقمة العيش، الا بوابة السماء التي لا تخشاها الانظمة المتسلطة، وهي من يشجع على ان تنغمر الناس في العبادات ليس تشجيعاً على الايمان، وانما لبقاء الجموع المتضورة المكبلة بالتخلف تنتظر" رحمة الله " في التخلص من الظلم، وهذا لا يخيف الطغاة لكون بعضهم يتصور انه طالما قد وجد في قمة السلطة، فان رب العباد هو الذي جاء به الى هذا الموقع وهو الذي يحميه. ( قالها يوماً صدام حسين ) ، وقسم آخر من الاوساط النفعية لا تنظر الى السماء لحل مشاكلها، وانما تنظر الى الارض التي يمشي عليها الحكام، فتنخرط في دواليب الانظمة. ويبقى الاحرار الثوار هم وحدهم الذين يحترقون لينيروا طرق الحرية والعدالة الاجتماعية.
ومع ان المواقف متباينة ازاء الظلم والاستعداد لمقارعة الاستبداد، الا ان المشتركات المصيرية تحرك في لحظة مأزومة الضمير الجمعي لدى الجماهير المضطهدة، وحينها تغدو عملية الحشد الثوري قادرة على كسر حواجز الخوف، كما حصل في تفجر "الربيع العربي"، حيث اشتركت حركات يسارية الى جانب قوى سلفية يمينية وصار الكتف العلماني سنداً لكتف اسلاموي، والعكس صحيح.وحيال هذا المشهد الثوري الذي ينم عن ومضة ثقافة ثورية انسانية وليدة لحظتها، ليست ببعيدة عن الانتساب بهذا الشكل اوذاك الى عالم التقنية والعلم، الا ان هذه الصورة الزاهية سرعان ما خفت القها،عندما حان قطاف ثمار الثورات بُعيد انتصارها، حيث تتجلى الاهداف والتوجهات والنوايا التي يريد كل طرف ان يحققها. ففي هذه المحطة الاولى تعم اجواء " سقيفة بني ساعدة " ويبدأ الصراع وتبدأ في جنح عتمته التدخلات الخارجية.
وقد كشفت تداعيات الاحداث في البلدان العربية التي اسقطت فيها الانظمة الدكتاتورية، عن دور العوامل الخارجية في دعم التيارات الاسلاموية، والعمل على فرض اجندات من خلالها، لم تكن في حسبان الثوار الشباب، والدفع بها الى اعلان اهدافها باقامة الدولة الدينية، لاحسة كل ادعاءاتها بالاعتدال، وكونها لا تنوي تطبيق الشريعة الاسلامية، وسوف تحافظ على العلمانية وقانون الاحوال الشخصية، وضد فرض الحجاب. جاء ذلك على سبيل المثال في تصريحات "الغنوشي" رئيس حزب النهضة التونسي. ولكن سرعان ما شهدت تونس مؤخراً، محاصرة العلمانيين، وبدأت بحرق مسارحهم من قبل السلفيين المتطرفين، كما حطمت محطة تلفزيونية ذات نهج علماني، وتتوجت باعلان احد شيوخ حزب النهضة الذي اخذ منصب رئيس الوزراء، بقوله ( انه ليوم الخلافة الاسلامية) ، فتصاعدت رياح هذه " الخلافة الشبح " الى ان انشأت في تونس هيئة "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر" التي في اول باكورة عملها منعت الدكتورة العالمة " اقبال الغربي " من مزاولة عملها كمديرة لاذاعة الزيتونة، بذريعة، لا تفقه عملها . وما زلنا ننتظر ايقاع "الخلافة الاسلامية " في مصر الحضارة التاريخية وربما في غيرها.
هذا النزر القليل مما هو متوقع من قوى الاسلام السياسي، التي كانت تحاول ان تفرض سلطتها وهي خارج الحكم، فكيف الحال وهي تسيطر تباعاً على مواقع القرار بفضل الديمقراطية غير المحصنة من فتك "الاسلحة الناعمة " العابرة للحدود ؟. وهنا ينبغي على القوى اليسارية والعلمانية تحديدأ الا تقف وسط الجسر، لغاية مواجهة التسونومي السلفي المتعطش لدماء الحرية، اذا جاز هذا التعبير. اما حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية، فهي بعرفه الِشرك الذي لا يغتفر. لذا صار واجباً على القوى اليسارية ان تقوم بمذاكرة جيدة لكي تكون مستعدة للاختبار في هذا الدرس والذي دون اجتيازه بتفوق سترسب هذه القوى، وستُعد غير مؤهلة وفي احسن الاحوال لا توصف الا بكونها لا زالت في محو الامية السياسية.
ان هذا الحال يخالف المؤمل من قوى اليسار والديمقراطية العلمانية، لما كانت ولازالت تملكه من القدرات، بل والمعول عليها ان تكرس كل قدراتها لا عادة رفع مناسيب وعي الناس، ربما يحسب هذا الامر بمثابة دحر " باب خيبر" التي يمكن الدخول منها، وهنالك جموع الشباب العصري المتحضر الذي لجأ الى العلم والتكنولوجية ليزيد معارفه ويوثق اتصالاته عبر الاثير التي ادخلته بدورها الى كافة مناحي الحياة. هذه القوى الحية التي فجرت الثورات بحثاً عن الحرية والحضارة والعدالة الاجتماعية، هي الاقرب الى قوى اليسار العلمانية من غيرها، اذاً لماذا نرى التيارات غير الحضارية المختلفة المتناقضة تماماً مع تطلعات الشباب الثائر، هي التي تكسب اصواتهم، وبالتالي تركب الموجة وتلوي عنق الثورة الى الخلف نحو عهود غابرة ليست لها اي صلة بالحضارة والتقدم العلمي الذي تنشده الشعوب المتعطشة الى الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.
هل نسمي ذلك لغزأ يتوجب على قوى اليسار والعلمانية ان تحله ؟، ام انه درساً يكشف عن عدم وجود مستحيل في عالم السياسة وينبغي التعلم منه ؟. وللاستدلال لابد من استطلاع الصورة، ان اجيال الشباب الثائرة عندما تبحث عن مكانة بين قيادات الاحزاب اليسارية والعلمانية لا تجد لها محط قدم ، لكون جل هذه القيادات من الحرس القديم، الذي يتعامل مع الشباب بابوية واستعلاء، في حين نجد التيارات الاسلاموية لم تتوان في استغلال ثورية الشباب وتستثمرها، بل وتشبع طموحاتهم القيادية حتى وان كان ذلك بمسميات خرافية .
ولا يفوتنا في هذا الصدد ان نشير الى ان الشباب المندفع يصبح عرضة لعمليات غسل الادمغة، وبمعنى من المعان، ان الشباب متروك ومهمل و غدا مالاً سائباً ليس من قبل الانظمة فحسب، انما من قبل القوى التقدمية واليسارية، فمن البديهي ان نراه يثور دون قيادة، الامر الذي جعله بكل يسر تتم ازاحته عن صهوة ثورته، من قبل قراصنة السياسة، كما تسوقه قلة الخبرة في الحراك السياسي، الى الانخداع بالنهج البراكماتي القصير النظر. ولا يخفى على متابع بان كسب معركة الحياة اليوم لا يتم الا بثلاثية العلم والشباب وخبرة الكبار، فاين قوى اليسار والعلمانية من كل ذلك ؟.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا