الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماغنا كارتا- والليبرالية الجديدة -

يونس الخشاب

2004 / 12 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تقول المادة رقم "39 " من وثيقة ( الماغنا كارتا ) ، اي الميثاق العظيم ، وهو ميثاق أصدره الملك "جون" في حزيران من عام 1215 الى نبلاء بريطانيا الذين تذمروا من كثرة الضرائب ، " انه لا يجوز سجن انسان حر او حرمانه من ممتلكاته إلا بعد محاكمته من قبل النبلاء وبموجب قانون البلاد " . وقد توسعت تفسيرات فقراتها وكانت اساسا في صياغة الدستور الانكليزي وبموجبها اصبح اي شكل من اشكال العنف ضد السجين خرقا للقوانين .كان سجناء ابو غريب يتلقون التعذيب والاهانات بشكل يومي في خرق واضح لوثيقة (الماغنا كارتا) . وحينما يطلع المرء على كراسات التعذيب التي تتداولها وكالة المخابرات المركزيةيرى انها تختلف كثيرا عن اساليب التعذيب المتبعة في اوربا العصور الوسطى .فعلى مدى عقود من السنوات من البحث العلمي في المعاهد النفسية انتجت المخابرات المركزية مفهوم " التعذيب النفسي " ، فالحرمان من النوم والتعريض للبرد القارس واجبار السجناء على الوقوف او الجلوس باوضاع معينة ولفترات طويلة كانت من بين الاساليب المتبعة في معتقل غوانتانامو ، اما في العراق وهو مجتمع ذو تقاليد و اعراف معينة فقد تنوعت اساليب التعذيب بين الحاق الاذى الجسدي لحد الموت وبين الاذلال مركزاً على تمزيق النسيج الداخلي لهوية الانسان العراقي من خلال الاعتداء على عورته و كبريائه. .
لعلها محض صدفة ان يحمل المرسوم الذي اصدره بريمر ، حاكم العراق السابق ،الرقم " 39 " أيضاً . ففي التاسع عشر من ايلول 2003 ظهر المرسوم الشهيروالذي وصفته مجلةالايكونومست على انه ( الحلم الرأسمالي ) وذلك بعرض مئتان من مشاريع القطاع الحكومي للبيع الى القطاع الخاص ، حيث أصبح بامكان الشركات الاجنبية ان تبسط وبشكل كامل سيطرتها على البنوك العراقية ، المناجم والمصانع ، واصبح بامكان هذه الشركات تحويل نسبة 100% من ارباحها خارج العراق . ويعبر هذا المرسوم أصدق تعبير عن مشروع الليبرالية الجديدة الذي تبنته الادارة الامريكية ، إذ يروج للخصخصة والعولمة لانه يتيح للشركات العملاقة الاستثمار في الشركات العراقية وتحويل كامل الارباح للخارج . لقد صاحب غزو واحتلال العراق ,ومنذ اللحظة الاولى لبدء الاحتلال عملية عرض العراق للبيع , هنا يصبح مفهوم تراكم راس المال يقوم على مصادرة الملكية وليس على استغلال اليد العاملة. .
إن التناقض الشنيع ما بين ما جاءت به وثيقة " الماغنا كارتا " ومرسوم بريمر المرقم "" 39
يساعدنا بطريقة ، تكاد تكون بلا مثيل على الترابط الموجود بين التعذيب ومشروع الليبرالية الجديدة . ان التعذيب هنا يقوم بتشييد وخلق الركائز للنظام الرأسمالي الجديد في زمن العولمة.وهذه هي العلاقة الجوهرية لعملية تراكم رأس المال ، او ما يسمى ب ( التراكم البدائي لراس المال )، وذلك كان السر الذي حير " آدم سمث " .
إنها الخطيئة الاولى بالنسبة للاقتصاديين السياسيين , وبالنسبة لماركس فانها كانت مكتوبة
بحروف من دم و نار .

يونس الخشاب
كاتب من العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ