الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هكذا عرفت الروائية ابتسام عبد الله

نهاد عبد الستار رشيد

2011 / 12 / 1
الادب والفن



عندما كانت تقدم برنامجها الشيق " سيرة وذكريات " وتستضيف احدى الشخصيات الثقافية ، وتحاورها عن اهم منجزاتها وابرز التحولات التي طرأت في حياتها الثقافية ، التقيت بها عدة مرات ، وأظهرت لها مدى اعجابي ببرنامجها التلفزيوني وابديت بعض ملاحظاتي .
كانت شابة انيقة المظهر ، وفي منتهى الجاذبية ، تترك شعر ناصيتها منسدلا على جبينها الناصع البياض ، لها ملامح تثير في النفس الراحة والثقة والطمأنينة . قبل ان تستضيف شخصيتها ، تدرسها بعمق ، فنجدها تشارك الضيف في القاء الأضواء على بعض المواضع المبهمة في سيرته الثقافية . وكم كان بودي حضور نخبة معينة من المهتمين اثناء اللقاء لأبداء ملاحظاتهم وتعليقاتهم .
كانت الروائية البارزة ابتسام عبد الله غزيرة الأنتاج ، فقد أصدرت أربع روايات ، ومجموعة قصصية قصيرة ، وترجمت الكثير من الأعمال الأدبية والفنية الأجنبية الى اللغة العربية .
صدرت لها قصة سنة 1984 بعنوان ( فجر نهار وحشي ) ، دارت أحداثها عن الحركة المسلحة التي قادها العقيد الركن عبد الوهاب الشواف للأطاحة بنظام الزعيم الركن عبد الكريم قاسم ، وما تبعتها من احداث مؤلمة . وقد وثقت الروائية ابتسام عبد الله بعملها هذا تأريخ الموصل الحديث . بعد عامين من صدور هذه الرواية صدرت لها رواية جديدة بعنوان ( ممر الى الليل ) ، ثم أعقبتها رواية ( مطر أسود ... مطر أحمر ) ، أما مجموعتها القصصية فقد حملت عنوان ( بخور ) ، كما ان للروائية مجموعة قصصية جاهزة للنشر بعنوان ( الليل والبستان ) ، وقد تم ترجمة العديد من قصصها الى اللغتين الأنكليزية والفرنسية ، بالأضافة لذلك فقد ساهمت في اغناء المكتبة العربية بالعديد من ترجماتها لأبرز الكتاب العالميين . آخر رواية لها صدرت عام 2002 تحت عنوان " ميسوبوتاميا " ( بين النهرين ) . كانت صورة شبح الأحتلال الزاحف على العراق شاخصة في ذهنها ، وتصورت ما سيحل بالآثار العراقية من سلب ونهب ودمار . وقد تحققت تنبؤاتها ، بل اصبح الواقع أكثر سوءا بعد الأحتلال ، حيث تم تهريب العديد من القطع الآثارية العراقية المهمة واتلفت بعضها . تقول الروائية ابتسام عبد الله عن روايتها الأخيرة ( بين النهرين ) : " عندما كتبتها كانت فكرة الأحتلال القادم متجسدة امامي صورة ثابتة ، علما اني انجزتها في أواخر عام 2001 ، لقد اخترت قصدا كلمة " ميسوبوتاميا " ، اسم لمحل بيع الأنتيكات والتحف ، وهي تعني بالنسبة لي ، الأسم الذي أطلقه الآخرون على العراق وكأني بذلك اعيد ذلك الأسم الى الحياة والذاكرة ، دلالة على الحدث القادم . ورواية " ميسوبوتاميا " تترجم الآن الى اللغة الأنكليزية بعد اتفاقي مع الجامعة الأمريكية في القاهرة على ذلك . ".
الثيمة الرئيسية في الرواية كانت عن الحصار الأقتصادي المفروض على العراق وما ترتب عنه من آثار سلبية من النواحي الأقتصادية والأجتماعية والنفسية . وتصدرت الرواية عبارة مقتبسة من ملحمة جلجامش . الا أنه لم يسمح لهذه الرواية الرائعة بالنشر بعد احتلال العراق .
من ناحية ثانية ، في وقت مبكر من عام 1980 ، فاتحتني وزارة الثقافة والأعلام بكتاب موجه لي بانها تنوي اصدار مجلة بعنوان " الثقافة الأجنبية " وطلبت مني ان أرفدها بما استجد من الأدب الحديث والفنون المعاصرة في مختلف بقاع العالم ، فلبيت طلبها وبذلت قصارى جهدي في المشاركة بمحاورها المختلفة وتزويدها بمختلف الدراسات ، واطلاع القارىء العربي على شتى التيارات الأدبية والفنية المعاصرة .
في عام 2001 ، ارتأت وزارة الثقافة والأعلام في العراق تعيين الروائية العراقية ابتسام عبد الله ، رئيسة تحرير مجلة " الثقافة الأجنبية " ، فكنت من السباقين في تهنئتها في منصبها الجديد ، وأبديت ملاحظاتي في المجلة ، وقدمت لها دراسة وافية شملت أبواب المجلة ومحاورها ، والأخراج الفني لها . وزودت المجلة بباج رسمته ليمثل دور المجلة الثقافي على المستويين العربي والعالمي ، وسرعان ما تم اعتماد الباج رسميا في جميع اعداد المجلة . قالت السيدة ابتسام ، وكان ثغرها يضيء ببسمة فاتنة : " شكرا جزيلا على جهودك المخلصة تجاه المجلة ، وأتمنى ان تنقل تجاربك الطويلة في الصحافة الأجنبية لهذه المجلة . "
كانت كلماتها عذبة ، ولطيفة ، وتفصح عن ود ومحبة للناس . ثم طفقنا نخوض في شتى المواضيع التي تخص المجلة . وأنفقنا في مثل هذا الحديث ساعة تقضت على نحو خاطف ، ثم استأذنت منها ، ومضيت في سبيلي .
بعد أن تم منح الأدباء والفنانين والصحفيين ، في عهد النظام السابق ، رواتب شهرية دعما لجهودهم الأبداعية ، لم يتم ادراج اسمي ضمن قائمة الرواتب لأدباء فرع بابل ، الذي أنتمي اليه ،لأسباب أجهلها ، فأحسست بالظلم والمهانة .
استبدت بي موجة عارمة من موجات الحزن ، وكنت أتالم في اباء وشمم وفي كثير من الصمت والهدوء . وسرعان ما أصبح ذلك موضوعا تتداوله الألسن أينما ذهبت . كانت الصدمة أعنف من ان تطاق ، وضاقت الدنيا على رحبها في عيني ، وأصبحت كثير الأنطواء على نفسي . لم يحدث قط في حياتي انني تألمت كما أتالم الآن مما ساورني من شكوك جعلت ثقتي في أصدقائي وزملائي تنهار دفعة واحدة . ان هذا الموقف يحط من قدري ويساهم في اذلالي . وازداد هذا الحزن رويدا رويدا حتى أصبح قاسيا لا يحتمل . الا ان الفم يؤثر الصمت عن كثير مما يخالج النفس ، وكنت قد وطنت العزم على الأصطبار .
كانت الأيام تمر بطيئة قاسية ، وبرغم ذلك ، كان هناك أمل يومض في قرارة نفسي ، وكنت آمل أن شيئا ما سيقلب موازين الأمور ، ويصادفني حظ غير مرتقب .
في ذات مساء ، ترامى الى اذني نداء صديق يأتيني من الجانب الآخر للطريق . التفت باتجاه مصدر الصوت ، واذا به زميلي الدكتور صباح المرزوق . ترجل من عربته ، وراح يبلغني بضرورة مراجعة محاسبة مجمع آفاق في بغداد لأستلام راتب الأدباء ...ها قد ومضت بارقة أمل في الأفق . أنزلت هذه الكلمات في نفسي السكينة ...وانسرى همي ، وانفرجت أساريري في الحال ، وشعرت انني اتحرر من وطأة ذلك اليأس ، وان الحياة قد بدأت تبتسم لي من جديد ، وأصبحت ثقتي بالمستقبل تزداد ، وبدأت مرحلة من اعادة ثقتي بالآخرين تتنامى ، فرحت أعدو مع الريح ، وكنت في مشيتي كأنني لا أكاد أطأ الأرض تيها وزهوا .
في وقت مبكر من صباح اليوم التالي كنت قد وصلت مجمع آفاق ، واستلمت راتبي . وعند خروجي من مكتب المحاسبة التقى بي الأستاذ كاظم سعد الدين وابلغني ان السيدة ابتسام عبد الله قامت بادراج اسمي ضمن اسرة تحرير مجلة الثقافة الأجنبية . استشعرت حافزا قويا يدعوني الى وجوب تقديم شكري وامتناني للسيدة ابتسام على موقفها هذا ، فذهبت اليها دون ابطاء .
ألفيتها جالسة في مكتبها ، انسانة نبيلة ، ورقيقة ، وحسنة الملامح . تبدو على وجهها سيماء اللطف والذكاء ، فقلت لها بلهجة صادقة :
" – شكرا ام خالد على درج اسمي ضمن اسرة تحرير المجلة . "
فاجابت بصوت بدا فيه الحزم والرزانة والهدوء :
" – هذا حقك استاذ نهاد ، بل انت تستحق اكثر من ذلك . لقد عملت بجهد استثنائي لرفد المجلة بما تجده مفيدا من الآداب الأجنبية الحديثة والفنون المعاصرة . كما انك دائما تفكر ان الغد يحمل المفاجأة .
فقلت لها بلهجة اعتزاز وقد فاض صدري بعرفان الجميل :
" – ان جل ما اصبو اليه هو ان أحظى بثقتك . "
بعد ان تناولنا الشاي ، غادرت مكتبها . وقلت في نفسي متعجبا :
" – ما أكثر المزايا الفائقة ، والخصال الرفيعة التي أكتشفها في هذه المرأة الرائعة . "
من أعمال الروائية ابتسام عبد الله المترجمة الى اللغة الأنكليزية قصة " في البستان " ، قام بترجمتها دنيس جونسون ديفيز سنة 1990 ، وتدور أحداثها عن آثار الحصار الأقتصادي على المجتمع العراقي وخاصة الطبقة الفقيرة , والمحت عن نشوء طبقة جديدة من الأغنياء المنتفعين من ظروف الحصار ، وقصة " دار الحضانة " نشرت في ( بانيبال ) سنة 2003 ، وقصة " في الحديقة " التي صدرت في الأهرام الأسبوعي سنة 1998 وهي من ترجمة دنيس جونسون ديفيز ، والرواية الخيالية العراقية المعاصرة : وهي مقتطفات أدبية مختارة صدرت سنة 2008 ، وترجمت السيدة ابتسام العديد من الأعمال الأدبية العالمية الى اللغة العربية كان من ضمنها : رواية " في انتظار البرابرة " لمؤلفه جون ماكسويل كويتزي ، الروائي الشهير المولود سنة 1940 في كيب تاون ( جنوب افريقيا ) والحاصل على جائزة نوبل للآداب لعام 2003 ، وكان قد فاز مرتين بجائزة بوكر الأدبية البريطانية الراقية ، ويقوم حاليا بالتدريس في جامعة شيكاغو . كما ترجمت الى العربية " مذكرات ميكيس ثيودور اكيس " ، الموسيقار والسياسي اليوناني المشهور الذي ارتبط اسمه عند كثير من الناس بموسيقى فلم ( زوربا اليوناني ) . وقد عرف عنه مناصرته لقضايا حقوق الأنسان ويعتبر من ابرز الشخصيات العالمية المؤيدة للقضية الفلسطينية . وترجمت السيرة الذاتية ل ( انجيلا ديفز ) ، الناشطة السياسية الأمريكية التي بلغت قمة نشاطها في نهاية الستينات امتدادا الى السبعينات من القرن العشرين . عضويتها في الحزب الشيوعي قادت الى طلب رونالد ريغن في سنة 1969 لمنعها من التدريس في اية جامعة في ولاية كليفورنيا . السيرة الذاتية لأنجيلا ديفز صدرت سنة 1974 ، تخبرنا بقصة أول ( 28 ) سنة من حياتها ، منذ ولادتها حتى القاء القبض عليها وسجنها ومحاكمتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سيرة وذكريات
موفق الحداد ( 2012 / 1 / 15 - 22:01 )
من لايعرف برنامج سيرة وذكريات ومن منا ينسى الروائية المبدعة ابتسام عبد اللة صاحبة الصوت الهاديء والمنطق الجميل كنا شبابا نقرا الكتب المنوعة وننتظر الشخصيات المتنوعة في هذا البرنامج صحيح انها تهتم بالادب والشعر والفن ولكن طرح الاسئلة كان شاملا ....نتمنى الصحة للروائية المبدعة والتي لم يعطيها الاعلام العراقي حقها


2 - اروائية ابتسام عبد الله
نهاد عبد الستار رشيد ( 2012 / 1 / 16 - 06:03 )
الأستاذ الفاضل موفق الحداد

شكرا على مرورك ومشاركتك في التعليق على هذه المقالة
الروائية المتميزة ابتسام عبد الله في غنى عن الترويج لها ، فهي شخصية ادبية مشهورة في الغرب اكثر من شهرتها في بلدها لنشاطها المتواصل المكثف وترجمة العديد من اعمالها الى عدة لغات
مع الود

اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??