الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسلاميو الخرطوم و اسلاميو الربيع العربى : حالة من الشبه أ و التشابه

ناهد فريد طوبيا

2011 / 12 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


للصحف السودانية ما معناه بأن البلاد العربية المجاورة أفاقت أخيرا على" الربيع العربى" الأسلامى فى حين أن السودان قد سبقت الجميع فهى تعيش ربيعا عربيا اسلاميا لأكثر من عشرون عامآ. والاشارة بالطبع هى لحكم العسكريين الأسلاميين (أو الاسلامويون كما يطلق عليهم البعض) للسودان الذى أتى للسلطة من خلال انقلاب عسكرى عام 1989 بالتحالف مع الأخوان المسلمين من أتباع الدكتور حسن الترابى.

ومع احتياجنا الشديد كسودانيين فى أن تتميزبلادنا بأى شىء ايجابى فى زمن وصل فيه الاحباط الى درجات لم نتصورها أبدآ الا اننا نرفض ادعاء موقع الصدارة مالم نكتسبه عن جدارة. فهل هناك حقيقة وجه شبه بين أسس ونظريات الحكم و أساليب و ممارسات الحكومات ( المتوقعة) ذات المرجعية الاسلامية فى بلدان "الربيع العربى" وتجربة الحكم "الاسلامى" فى السودان حتى ندعى الريادة ؟ فلتنفحص الدلائل.

نبداء بأهم المعطيات و هى وسيلة الو صول للحكم. أتى الاسلاميون فى السودان للحكم من خلال تحالف انتهازى غير مدروس بين زمرة عسكرية تمتلك قوة السلاح والتدريب النظامى مع حزب سياسى (الأخوان المسلمين تحت مسمى المؤتمر الشعبى) يمتلك بعض الخبرة السياسية والوجود الشعبى المحدود. ذلك الاتلاف الانتهازى المرتجل سرعان ما انفض كى يصبح الطرفين الاسلاميين "الأخوة الأعداء)" دون ان نعرف نحن الشعب المهمش الفارق الأيديولوجي/ الدينى أو حتى السياسي بين الفريقين سوى انه صراع على السلطة واقتسام موارد البلاد. تم ذلك الأنقلاب العسكرى فى ظروف ضاق بها جموع الشعب السودانى من ممارسات الاحزاب الدينية العشائرية التقليدية (الأمة و الأتحادى الديمقراطى) من فساد و تنافس على السلطة دون الاهتمام لاحتياجات الوطن و المواطنين الملحة. وبرغم القبول الفطرى للغالبية المسلمة فى السودان لفكرة الحكم بالشريعة - و التى أتى بها الحكم السابق للدكتاتور جعفر النميرى - و رغم التجاوزات الاجرامية التى مورست باسمها فى عهده الا أن قيادات انقلاب 1989 "الاسلامى" لم يتمكنوا من المجازفة و الرهان على ثبات القبول الشعبى لفكرة الآحتكام للشريعة بشكل طوعى ففرضوها جبرآ بأصناف مبدعة و متنوعة من القهر والاستبداد ابتداءا من الفصل التعسفى و التشريد مرورا بالتعذيب البدنى فى المعتقلات و الجلد العلنى انتهاءا بالارهاب الفكرى و التسلط على وسائل الاعلام فى اطار دولة بوليسية يهيمن عليها جهاز أمنى باهظ التكلفة يغذى بأموال البترول.
أذا الحكم الأسلاموى فى السودان ينتمى فى أصوله و ممارساته الى المنظومة القمعية التى يمتلك حق اختراعها الذهن المبدع للديكتاتوريات العربية المخلوعة منها و القائمة.
فى المقابل يأتى الاسلام السياسى الى الحكم فى تونس و مصر (و الى حد ما فى المغرب) بعد ثورات و انتفاضات شعبية عارمة قادتها جموع شباب يطمح الى الحرية والكرامة فى أطارعدالة اجتماعية و ديمقراطية سياسية. يأتى ذلك اللاسلام المنظم عن طريق صناديق الأقتراع و بأغلبيات - تعبر فيما تعبر- عن بحث الشعوب عن من تثق به كى يوفر لها أحتياجاتها من لقمة العيش الكريمة و التعليم و الصحة و السكن الملائم و غيره من مقومات المواطنة المحترمة. تلك يجب - و فى أعتقادى ستكون - حكومات اسلامية مختلفة لحد بعيد عن حكومات " اسلام الأنقلابات العسكرية " التى عانى منها السودانيون فى عهدى نميرى و البشير.

المعطى الثانى, و المتصل اتصال عضوى باسلوب الو صول للحكم, هو البرنامج السياسى التنموى لكل من الفصيلين تحت المقارنة (السودانى من جهة و المصرى التونسى من جهة أخرى). أسلامويون السودان لم يكن لهم أبدا برنامج أقتصادى أو أجتماعى واضح و يستوى فى ذلك المؤتمر الشعبى (أخوان الترابى) و حزب المؤتمر الوطنى ( أخوان البشير) المنبثق من الشق العسكرى للائتلاف و الذى يحكم البلاد الآن. فى المقابل نجد لأحزاب الأسلام السياسى تحت ظل الديمقراطية برنامج اقتصادى اجتماعى و انمائى واضح مكتوب و منشور يقرأه ويستدل به الجميع ويحاسبون عليه من قبل من أستأمنوهم فى الحكم. وقد طالعت بنفسى برنامج حزب الحرية و العدالة المصرى فوجدت مواقفه المعلنة معتدلة و تتسم بالبراجماتية (أو الواقعية العملية) فيما يخص قضايا تعتبرحساسة أمثال حرية الرأى و العقيدة, حقوق المرأة, حقوق المواطنة للأقليات الدينية, مستقبل السياحة, العلاقات الدولية وربما أهمها حرية و أستقلال الأعلام و القضاء و الالتزام بالديمقراطية و الانتخابات الحرة كوسيلة وحيدة لتداول السلطة. و برغم انى لم أجد لحزب النهضة التونسى بوابة الكترونية يمكن الأطلاع من خلالها على برنامجه السياسى الا أن تصريحات قياداته فى و سائل اللاعلام تؤكد تشابه كثير من توجهات برنامجه ببرنامج حزب العدالة و الحرية المصرى.
أما بالنسبة لامكانية تحليل اوجه التشابه أو الاختلاف بين اسلاموى السودان و الاحزاب السلفية فقد تعذر على الدخول الى الموقع الالكترونى لحزب النور المصرى من موقعى بالخرطوم نسبة لحجبه من قبل هيئة المواصلات السودانية ضمن مئات المواقع التى ترى الحكومة انه فى غير صالح السودانيين الدخول اليها. أجد نفسى فى حيرة من الدافع لهذا الحجب. و للعلم فأن الحظر على الاعلام و النشر ووسائل المعرفة فى السودان قد تصاعد و أشتد خناقه بعد انفراجه محدودة و مؤقتة أثناء اجراء انتخابات صورية تبدو فى ظاهرها علنية و شفافة حاز بعدها الحزب الحاكم و رئيس جمهوريته بالأغلبية المطلقة فى أبريل 2010. وللعلم أيضا لم نبلغ نحن أبناء السودان بمواعيد الآنتخابات المقبلة - و ان كانت ستجرى أصلا ولو صوريا.

و المعطى الثالث هو الرقابة الشعبية والاقليمية والدولية المتوقعة على ممارسات و انجازات الحكومات الاسلامية القادمة تحت أعين اعلام (و لنقل الكثير منه) مهنى ناضج ومستقل و قضاء محايد لا ينحنى لسلطة الدولة. تلك أجواء تختلف تمامآ عن واقع السودان فى العقدين السابقين و حتى الآن باعلامه المكمم و المرهب, وقضائه التبعى الفاقد لابسط مقومات التأهيل المهنى لكثير من ممارسيه و الذى يعمل تحت ظل دستور مازال مؤقت و مراسيم - لا ترتقى حتى لمرتبة القوانين – مثل مرسوم النظام العام لولاية الخرطوم و الذى تجلد بموجبه النساء لأسباب يختلقها رجال الأمن للترهيب أو الابتزاز المادى. ماساة السودان الحقيقية هى عزلته الاقليمية (أفريقيا و العالم العربى) لأسباب موازنات المصالح و تجاهل الاعلام و عزلته العالمية النابعة من أثر العقوبات الاقتصادية عليه من قبل الولايات المتحدة. جميع تلك العوامل أضعفت من قدرات الشعب السودانى –مؤقتآ- فى مراجعة و فضح الفساد الممارس من قبل حكومة تلتحف بقيم دينية يفترض فيها التحلى بالأخلاق المثلى و الترفع عن مكاسب الدنيا و الحكم من أجل رفعة الأنسان فى الدنيا و الآخرة. لم تكن تلك هى القيم التى أقتدى بها أسلامويو السودان بل عبر عن أفعالهم مقولات يتندر بها السودانيين الذين تعلموا الفكاهة من كثرة القهر:

"الكيزان (مصطلح شعبى يعنى الآسلاميون) دخلونا الجوامع علشان يحتلوا السوق"

"الكيزان ضحكوا علينا بالاخرة علشان يكسبوا هم الدنيا"

وخلاصة ما أرى أنه و بناء على المعطيات المتوفرة للواقع - الملموس منه و النظرى - فأنه لا يجوز تشبيه التجربه السودانيه كما عشناها طوال أكثر من عشرين عاما بما نتوقعه و يتوقعه الذين أدلوا بأصواتهم للأسلاميين فى مصر و تونس مستقبلا , اللهم الا أذا حاد قولهم عن فعلهم او أنهم يبطنون ما لايفصحون.

و الأيام كفيلة باثبات النوايا و الشعوب مترقبه ترصد و تقرر.

و يا أهل السودان للأسف هذه حالة من خلط الشبه بالتشابه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشييع الرئيس ابراهيم رئيسي بعد مقتله في حادث تحطم مروحية | ا


.. الضفة الغربية تشتعل.. مقتل 7 فلسطينيين بنيران الجيش الإسرائي




.. هل ستتمكن إيران من ملئ الفراغ الرئاسي ؟ وما هي توجهاتها بعد


.. إل جي إلكترونيكس تطلق حملة Life’s Good لتقديم أجهزة عصرية في




.. ما -إعلان نيروبي-؟ وهل يحل أزمة السودان؟