الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على هامش الثورة المصرية (33): رسائل الانتخابات بين المواطن والمجلس الأعلى للقوات المسلحة

عبير ياسين

2011 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


على هامش جموع المصريين المحتشدة أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم فى أول انتخابات بعد الثورة نظر كل فصيل سياسى للمشهد وحاول أن يخرج منه بمشاهدات تتلاءم مع الرسالة التى يرغب فى إيصالها ولم يختلف المجلس الاعلى للقوات المسلحة عن تلك الفصائل لأنه بحكم اللحظة يتواجد فى المشهد باعتباره فصيل سياسى وطرف رئيسى فيما يحدث فى مصر. وعبرت قراءة المجلس الأعلى التى ظهرت واضحة من تصريحات بعض أعضاء المجلس فى المحافظات التى أجريت فيها الانتخابات فى جولتها الأولى لتؤكد على ملمح من ملامح الانتخابات دون غيرها، ورغم مصداقية جزء من تلك القراءة إلا أن ما حدث بعد انتهاء عملية الاقتراع وبدء فرز الاصوات، وما تردد من أخبار أخرى خلال الانتخابات وبعدها يعيدنى لمشهد الانتخابات ولكن تلك المرة برسائل للمجلس الأعلى.

خلال الانتخابات تابعت تصريحات عدد من أعضاء المجلس والتى أكدت على الفخر بجموع المصريين التى توجهت إلى الصناديق واكدت على خيار الإستقرار، وأعتبرت بعض التصريحات أن خروج المصريين بهذا الشكل هو بشكل ضمنى استفتاء على إدارة المجلس للعملية الإنتقالية، مع إستدراك تم خلال مداخلة تلفزيونية أكد فيها المتحدث من أعضاء المجلس على أن الجانب الأخر من الصورة هو المسئولية لأن جموع المواطنين التى تؤكد على خيار الاستقرار ودعم المجلس تضع على المجلس مسئولية كبرى فى إدارة المرحلة.

أتوقف أمام تلك الكلمات وأضيف إليها أحداث أخرى تمت خلال وبعد أنتهاء عملية الانتخاب، الحدث الأول تمثل فى الحديث عن وصول شحنة مواد لمكافحة الشغب تتضمن وفقا لما نقل عبر وسائل الإعلام قنابل مسيلة للدموع وقنابل دخان، والحدث الثانى هو إعلان وزير الداخلية فى الحكومة المستقيلة منصور العيسوى عن هروب الملازم أول محمد صبحى الشناوى المتهم باستخدام القوة وأسلحة قنص لاستهداف المتظاهرين والذى أطلق عليه لقب "صائد العيون" وأن كانت الأخبار تداولت قيامه بتسليم نفسه تاليا وحبسه على ذمة التحقيق، والحدث الأخير هو الهجوم الذى تعرض له المعتصمين فى ميدان التحرير من قبل ما يطلق عليهم البلطجية. أتوقف أمام تصريحات أعضاء من المجلس الأعلى وتلك الأحداث على خلفية صفوف المصريين التى طغت على المشهد خلال الساعات الماضية بتلك الرسائل.

والرابط بين تلك الأحداث والانتخابات ليس بعيدا عنا عندما ننظر للأحداث التى شهدتها مصر قبل الانتخابات والتى شهدت استخدام عنف غير مبرر وغير مسئول ولم يحاسب عليه أحد بعد. جاءت الأحداث التى شهدها ميدان التحرير بعد محاولة فض المعتصمين فى الميدان بعنف واضح لتثير تحركات غاضبة أخرى لم تتوقف قوى "الأمن" عن التصعيد من خلال الاستمرار فى استخدام العنف وبدلا من التعامل السياسى مع مطالب المصابين بما يليق بهم وبما يليق بفكرة الثورة التى شهدتها مصر أصرت القيادة السياسية والأمنية على الاستمرار فى التعامل مع المشهد وكأنه لم يشهد ثورة على الظلم والعنف ولجأت لاستخدام العنف كما تعودت لعقود فزاد الغضب وزاد الضحايا من الشهداء والمصابين ليس فى القاهرة فقط ولكن فى غيرها من المحافظات. وعندما دخلنا على أجواء الانتخابات التى لم تكن تتلائم مع مشهد الميادين المنتفضة من جديد والدماء النازفة والقلوب الجريحة، وكان من الواضح أن بعض القوى السياسية ارتضت الجلوس والتفاوض حول الانتخابات دون ان تشترط وقف العنف الدائر أولا وهو ما يعد خطئية كبرى من وجهة النظر الثورية ولكن مكسب كبير من وجهة نظر النفعية السياسية.

أعتبر البعض أن تلك القوى التى ابتعدت عن الميدان والميادين الثائرة ستتأثر بشكل كبير وستدفع ثمن تحالفها مع السلطة السياسية على حساب دماء الشهداء وهو الأمر الذى لم أقتنع به لسبب بسيط وهو أن تلك القوى تم فرزها من وجهة نظر الميادين الثائرة ومن وجهة نظر كل مؤيد للثورة كفعل مستمر حتى النصر المرجو، ولكن من وجهة نظر أغلبية الشعب البعيد عن الجدل الثورى لشهور فأن تلك القوى لم تتأثر وعلى العكس أكتسبت الكثير من الزخم والتأييد بسبب اعتبارات أخرى دخلت على المشهد خلال الفترة السابقة وهو ما يبدو واضحا من النتائج المحتملة للجولة الاولى للانتخابات وربما غيرها من الجولات.

المهم أن انتصار السلطة السياسية للاستمرار فى إجراء الانتخابات جعل القضية محسومة إلى درجة كبيرة، فمن ينسجب ويعترض لن يؤثر فى ظل المشهد الكبير وسيرتضى بموقفه أن يترك الفرصة لتسجيل رؤيتة وتأييده لتيارات معينة يرى أنها معبرة عن رأيه أو عن الثورة ورؤيته لمصر التى يرجوها، وكان من الضرورى المشاركة لدعم الثورة ولدعم فكرة الديمقراطية. كان من الضرورى للجميع أن يشارك وجاءت المشاركة ضخمة وأيا كانت دوافعها فأنها تمثل عامل إيجابى ينبغى البناء عليه.

شكك البعض فى حشود الجماهير الممتدة ليس من قبيل حشدهم من قبل النظام ولكن من قبيل تهديدهم بالغرامة المالية او المسئولية الدينية، ولكن تلك القراءة نفسها تطرح نقاط أساسية فمن جانب حرص المصريون على الحضور المبكر، وأكدت معظم التعليقات المنقولة عن المشاركين على رغبتهم فى رؤية مصر أخرى ورفضهم لما كان أو لما هو كائن فى المشهد المصرى، وسعادة بالمشاركة. حتى من عبر عن خوفه من الغرامة أو حشد بسبب تيار معين لازال بالنسبة لى مكسب للعملية الديمقراطية ومكسب للبناء عليه تاليا فالتغيير الثورى لا يقصد به تغيير أحزاب حاكمة وشخصيات سياسية ولكن الأكثر أهمية تغيير رؤى وعقليات ونظم تعليم وإعلام وهى عملية ممتدة يجب أن نكون قادرين على تحمل مسئوليتها فى مصر ما بعد الثورة وأن نكون مدركين لأبعاد عملية التغير. المواطن الذى خرج اليوم أتيح له ان يفكر فى أشياء لم يفكر فيها لعقود، ولن ينتهى حدث الانتخابات بالنسبة له بصورة مع الحبر الملون دليل الانتخابات، ولا بلقاء عابر معه على باب اللجنة.... المواطن محمل بصور أخرى فوجئ فيها بأنه مهم وأن الجميع يسعى للحصول على صوته والتسجيل معه لأنه مواطن، المواطن عليه مسئولية المستقبل وأن يقرر أنه لن يهمش بعد اليوم لأن صوته لن يهمش ولا يصح له أن يهمش بعد اليوم وتلك مسئولية المواطن ومسئولية كل من يتحدث عن التغيير والإصلاح وبناء مصر.

الجماهير اذن تواجدت لعدة أسباب، فالبعض عبر بالفعل عن خوفه من الغرامة، فى حين عبر البعض الأخر عن رغبته فى الاستقرار والخروج من حالة الإنفلات الأمنى وضرورة مواجهة التحديات الاقتصادية التى يعانئ منها الشعب فى عمومه بالطبع، الجماهير لم تقل صراحة أنها تؤيد المجلس الأعلى فى سياساته ولم تمنحه ضوء أخضر للتصرف بشكل مطلق لأنها بشكل ضمنى لديها تصور لمصر التى يفترض أن نتجه لها وهو ما يعنى أن التفويض أن تم هو على سيناريو موجود لمصر مختلفة وليس لإعادة إنتاج مصر كما كانت وأعتقد أن تلك نقطة مهمة حتى لا يرى أحد فى تلك الحشود الجماهيرية مبرر لإعادة خلق فرعون جديد أو نظام غير ديمقراطى أخر. وهنا فأن الرسالة الأولى للمجلس الأعلى أن تكليف الجماهير وتشريفهم لا يقصد به أن يكون تكليف وتشريف على طريقة نظام مبارك المراد إسقاطه ففى الواقع نحن أمام مشهد ثورة وليس حفل غنائى فى نسخة جديدة.

كذلك فأن هناك عامل مشترك شديد الأهمية يربط بين خطاب الجماهير وخطاب أعضاء المجلس الأعلى وأجواء الانتخابات وهو تراجع الإنفلات الأمنى بشكل واضح مقارنة بتصور الجميع عما يمكن أن يحدث أثناء الانتخابات. كان من المثير للتساؤل كيف أمكن تأمين كل تلك المقار الانتخابية وجموع المواطنين المحتشدة فى محافظات المرحلة الأولى دون حدوث هذا القدر من الإنفلات الأمنى المحتمل الذى كان متوقعا فى ظل أحداث الإنفلات الأمنى التى شهدتها مصر خلال الأشهر الماضية وأحداث العنف المتصاعد الذى كانت الانتخابات تتم وهى لازالت فى الخلفية. وكان واضحا أن البعض سارع إلى التاكيد على أن النتيجة الأساسية لتراجع الإنفلات الأمنى بتلك الطريقة دليل على أن حالة الإنفلات الأمنى نفسها مرتبطة بقرار سياسى أو إرادة سياسية بأكثر منها تعبير عن حالة حقيقية أو ضعف هيكلى. أعادنى التفسير لمشهد قوات "الأمن" فى التحرير وغيره من الميادين وما أكده خطاب المشير عن الاهتمام برفع كفاءة وزارة الداخلية فى مرحلة ما بعد الثورة فهل هى كفاءة انتقائية تمارس أقسى درجات "ضبط النفس" مع المتظاهرين والمعتصمين وأقسى درجات غض الطرف مع البلطجية وفقا لاعتبارات انتقائية ام أن المسألة أكثر تنظيما من هذا وأن صور الفيديو التى نقلت تعاون الأمن المركزى مع البلطجية خلال أحداث العنف الأخيرة هى تعبير عن علاقة أكثر تنظيما مما تبدو. وهنا فأن الرسالة الثانية التى تقدمها مرحلة الانتخابات للمجلس الأعلى أن الحديث عن الإنفلات الأمنى غير مقبول وأن ما حدث من اعتداءات على المعتصمين فى ميدان التحرير بعد إنتهاء الانتخابات لا يصح قبوله بوصفه حادث مثل غيره ويحتاج لتعامل بما يليق بمظهر الانتخابات الذى لازال يسكن الذاكرة.

ومع الوصول لحديث البلطجة كان من المثير أن تتناقل أخبار شحنة قنابل الدخان والقنابل المسيلة للدموع وسط مشهد الانتخابات، فهل هو جزء من الاهتمام الذى تم الإشارة إليه فيما يخص رفع قدرات وزارة الداخلية أيضا؟ وهل هناك من لازال يعتقد أن الداخلية تحتاج لمزيد من أسلحة القمع ووسائل العنف بأكثر مما تحتاج إلى تغيير عقليات وأساليب تعامل وإعادة قراءة لدورها كمؤسسة مناط بها تحقيق الاستقرار وأن تكون رمز للإحساس بالأمان والأمن وليس رمز للعنف الغاشم؟! أعتقد أن الشعب المصرى الذى وقف أمام تلك الأسلحة الغاشمة مرات كثيرة وأسقط رموزواضحة فى عملية استخدام العنف كحبيب العادلى، وواجه تلك الأسلحة والعقول التى وراءها لازال قادرا على رفض العنف وتحرير مصر من تلك العقلية التى لا تستطيع رؤية المواطن بوصفه الانسانى. أما الجزء الثانى من الصورة فهو تناقض الحديث عن استعادة الثقة وتغيير شعارات عمل وزارة الداخلية مع تلك الأدوات القادمة ليس فقط فى معناها المباشر ولكن وفقا لمشاهداتنا لطريقة استخدامها فى ميادين وشوارع مصر. يضاف لها صورة ثالثة من خطاب لا ينتهى عن عجلة الإنتاج، فهل تلك الأسلحة جزء من عجلة الإنتاج أيضا؟ وهل المطلوب إنتاج المزيد من العنف والضحايا والمصابين؟! واستنزاف المزيد من الأموال لجلب المزيد من الأسلحة المعدة للاستخدام الداخلى ثم الحديث عن شهداء ومصابين وغضب وتعويضات وعجلة إنتاج معطلة؟! وهنا فأن الرسالة الثالثة من صورة المواطنين المصرين فى صفوف الانتخابات والملايين الثائرة فى ميادين وشوارع مصر ففى الحالتين كان المصرى فى كفاحه ومعركته مواطنا سلميا وكان أقوى وأكثر تأثيرا من أسلحة النظام وعلى المجلس الأعلى أن يكون قادرا على التقاط الصورة من مشهد الناخبين واستعادة صور الثورة وإدراك التأثير المحتمل للعنف الذى قد يبقى كرسى لبعض الوقت لكنه لا يديمه ولا يحافظ على مكانة فى التاريخ.

وهنا أعود لصورة أخرى مرتبطة بما سبق وهى تصريحات وزير الداخلية عن هروب الضابط المتهم باستخدام العنف والذى نقلته لنا تسجيلات الفيديو واضحة. أعود -ورغم الحديث عن تسليمه نفسه- لأن التصريحات التى تناقلتها الصحف تعبر عن حجم الأزمة التى فيها مصر وما أنتجته عقود القمع والفساد، أعود لتعليق دائم لى لماذا لا يحترم أحد عقولنا؟! أن كان المطلوب هو إنتاج رواية أو قصة ما فلماذا لا يتم أخراجها بشكل "مقنع" حتى وان لم يكن قابل للتصديق. الحديث عن هروب المتهم المطلوب متداخل مع حديث عن اتصال قياداته به من أجل أقناعه بتسليم نفسه والحديث عن وضعه فى مكان آمن هو وأسرته مع التأكيد على هروبه وعدم معرفة كيف حدث هذا هى نقاط بالنسبة لى لا تحترم عقلية المواطن وتقوم على ممارسة التمييز حسب المتهم فأن كان متهم لماذا لم يتم إرسال قوة للقبض عليه بدلا من الاتصال والنصح؟ وأن كان قد تم وضعه فى مكان آمن فكيف هرب؟ طبعا تساؤلات لا تحتاج لإجابة لأنها تبدو وسيلة للتشويش على فعل اختفاء المتهم رغم أنه غير مجهول. وهو ما ذكرنى بتصريحات قريبة لوزير الداخلية عن ما حدث فى التحرير وغيره من الميادين والذى تحدث فيه وكأنه خارج المشهد ويتحدث عن كائنات فضائية لا يعرف عنها شئ ولا يملك تفسير بحكم منصه المفترض ليقدمه لنا غير الحيرة والتساؤل عما حدث وعدم فهمه لأسبابه. أوضحت تصريحات الوزير والأداء الذى قدم فى تلك الحالات عمق المشكلة التى أنتجت مسئولين غير قادرين على التعامل مع مناصبهم وما تقتضيه تلك المناصب من أبجديات إدارة وتعامل وتقديم تفسيرات على قدر الأحداث. وأعود مرة أخرى واتساءل هل هذا جزء من الاهتمام بوزارة الداخلية الذى حدث بعد الثورة أيضا؟ وهنا فأن الرسالة الرابعة للمجلس أن العدالة عنصر أساسى والمحاسبة العادلة والشفافة مكون أساسى من مكونات الثورة وأسبابها، وأن تجاهل محاسبة المتهمين بداية من رموز النظام المراد إسقاطه وصولا للبلطجى فى الشارع لن يكون حلا ولكنه عامل مستمر فى دفع وتأجيج الثورة.


وفى النهاية فأن لدى رسالة خاصة للمجلس الأعلى، ومع حرصى الدائم على رؤيتنا للقوات المسلحة، أن مشهد الانتخابات مثل لحظة كان وربما لازال بالإمكان البناء عليها من أجل بناء ثقة مفتقدة للمرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر حتى أتمامها ولكن تلك الصور السابقة من شأنها أن تجعل الانتخابات مجرد صورة جميلة وفرصة ضائعة، ولان المجلس الأعلى أضاع فرص كبرى بالفعل توفرت له بعد الثورة ليحفر مكانه فى تاريخ الثورة المصرية فأنه لا يجب عليه أن يعيد تفويت تلك الفرصة. على المجلس أن يكون قادرا على تقدير ما أعتبره تكليف وثقة ولعل الملفات السابق الإشارة لها والتى ظهرت متزامنة مع الانتخابات ساحة واضحة لاختبار المجلس بعد الانتخابات فهل يكون قادرا على ضبط الأمن ومحاسبة كل مذنب بغض النظر عن مكانه ومكانته ووقف تسليح الداخلية بمزيد من أسلحة القتل والتشويه التى تستخدمها ضد مواطنين مصريين، ويتخذ قرارات فعلية لإعادة الثقة أم يفلت الفرصة كما أفلتها غيره من قبل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الإمارات وروسيا.. تجارة في غفلة من الغرب؟ | المسائية


.. جندي إسرائيلي سابق: نتعمد قتل الأطفال وجيشنا يستهتر بحياة ال




.. قراءة عسكرية.. كتائب القسام توثق إطلاق صواريخ من جنوب لبنان


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. أزمة دبلوماسية متصاعدة بين برلين وموسكو بسبب مجموعة هاكرز رو