الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملخص حول خاصيات الحرب الليبية و أهدافها (1).

زياد الهادي

2011 / 12 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ملخص حول خاصيات الحرب الليبية و أهدافها (1).

" السياسة حرب بدون إراقة الدماء، الحرب سياسة بإراقة الدماء" (ماو تسي تونغ، 1938).

مقدمة لا بد منها

"ستة يهود قلبوا نظرتنا للعالم: قال موسى " كل شيء في الألواح العشر"، قال يسوع "كل شيء محبة"، قال ماركس " كل شيء هو المال"، قال روكفلر "كل شيء للبيع"، قال فرويد "كل شيء هو الجنس"، قال اينشتاين "كل شيء نسبي". (طرفة يهودية)


ما أسمي خطأ "الربيع العربي"، يراه البعض كذلك أي ربيعا عربيا (وهو التصور السائد)، و يراه آخرون مؤامرة صهيوـ أمريكية على "الشعوب العربية". ففي حين تزوّر الرؤية الأولى الواقع، تبسّطه الثانية إلى درجة اختزاله في مجرد مؤامرة. أقترح هنا (و لست الوحيد و لا السباق في ذلك) رؤية ثالثة من خلال تناول الحالة الليبية.
من بين أسباب سطحية ما تقدمّه التحليلات الرائجة بالنسبة للحالة الليبية بالخصوص، هو تناولها لهذا الموضوع من زاوية نظر واحدة. فما يقدمه مثلا الاقتصادي من تحليل يقتصر على الاقتصاد وحسب، و ما يقدمه السياسي يقتصر على التحليل السياسي الصرف، الخ. و هذا يؤدي إلى إهمال مرحلة لا بد منها في تحليل الواقع هي مرحلة تمفصل مختلف زوايا النظر. فالواقع متعدد و الحقيقة كذلك هي متعددة. كما تحمل كل ظاهرة حقائق متعددة و مختلفة و ربما متناقضة فيما بينها. فالحرب الليبية، التي هي موضوع هذه الورقة، أسبابها ليست اقتصادية، و لكن هناك أسباب اقتصادية لهذه الحرب. كما أن هذه الحرب أسبابها ليست سياسية و لكن هناك أسباب سياسية للحرب. فالعوامل هي إذا متعددة و متداخلة : اقتصادية، وسياسية، وجيوسياسية، الخ. مع اعتبار الجانب الجيوسياسي كمثال، وهو العامل الذي أعتبره جديدا بالنسبة لبقية التحليلات الرائجة، سوف يصبح من الأيسر تفسير تدخل حلف الناتو في ليبيا بدل أن نقع مثلا في التحليل السياسي السطحي الذي يرى في التدخل حماية للمدنيين أو نية لدقرطة (démocratisation) ليبيا، أو الرأي الاقتصادي القائل بأن البحث عن الانفتاح الاقتصادي الليبي هو سبب التدخل الخارجي (أليس من المنطقي أن يسقط هذا الرأي حين ندرك أن الانفتاح الاقتصادي قد أرسي منذ سنوات؟).

الجيوسياسة؟
تعتبر الجيوسياسة الكلاسيكية الدولة كائنا حيا يولد، وينمو، ويموت. و تحاول دراسة هذا الكائن و سلوكه في فضائه الجغرافي. نشأت مدارس متعددة في الجيوسياسة أهمها المدرسة الألمانية (die Geopolitik) والمدرسة الفرنسية التي نشأت كمعارض للمدرسة الألمانية والمدرسة الأنجليزية (sea power). و قد تبنى النازيون مقولات المدرسة الألمانية، مثل مقولة "المجال الحيوي" التي طورها "فريديرك راتسل"، لخدمة مشروعهم التوسعي. بعد هزيمة النازيين في الحرب العالمية الثانية ونشأة منظمة الأمم المتحدة، تراجعت الجيوسياسة كمجال معرفي على الأقل لفائدة القانون الدولي، و علم اجتماع السياسة، ولفائدة الجيواستراتيجيا (باعتبارها، حسب "ايف لاكوست"، وضع يد الاستراتجيين على الجغرافيا) و الجغرافيا السياسية.
لكن هذا لم يعني أبدا نهاية الجيوسياسة. فهي تحاول الظهور كجغرافيا سياسية بما هي فرع من فروع الجغرافيا البشرية (اختلافا مع الجغرافيا الطبيعية) أي، مقارنة بجيوسياسة ألمانية، كجيوسياسة "بوجه إنساني". لكنها قطعا محاولة بائسة. فمسائل كالعولمة الرأسمالية، و هيمنة الولايات المتحدة، و الإرهاب، وتصاعد الحروب الأهلية، و نشأة الإسلام السياسي، و بروز إفريقيا كمجال جديد للجيوسياسة، و الغاز والبترول و المسألة النووية، و نشأة أقطاب جديدة متصارعة وأشكال جديدة من النزاعات و المصالح، وامتزاج المسائل الجيوسياسية بالجيواستراتيجية تبعا لذلك...كلها مسائل تستدعي ما يسمى بالجيوسياسة الجديدة.
ما يميز نهاية "الجيوسياسة الكلاسيكية" هو تراجع الحروب "الواستفالية" (westphaliennes)، أي الحروب بين الدول، في مقابل تصاعد الحروب الأهلية والعنف الذي تمارسه مجموعة ضد أخرى[1]. وهو ما يجعل سمير أمين مثلا يطرح مفهوم الامبريالية الجماعية. فتتحول الجيوسياسة الكلاسيكية من جيوسياسة الامبرياليات المتصارعة (دول متنافسة) إلى "جيوسياسة الامبريالية الجماعية" بقيادة الولايات المتحدة [2]. إذ لم تعد تتعلق الجيوسياسة بمشروع توسعي جغرافي لحدود الدولة ولكن بمشروع رقابي عسكري على العالم، هو مشروع الولايات المتحدة. فتستأثر الولايات المتحدة بحق الاعتداء على بقية الدول. وهو ما يضع القانون الدولي و العلاقات الدولية موضع تساؤل. فيعوض مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بمبدأ مونرو[3].
من جهة أخرى يشير "جاك ليفي" إلى ضرورة التعامل بحذر مع مفهوم الحرب الأهلية[4]. و يعوض "تقرير الأمن البشري" مصطلح "الحرب الأهلية بالحرب الداخلية بما هي صراع بين فريقين أو أكثر يريد السلطة السياسية ليتمايز مع الصراع بين مجموعات أو طوائف من أجل الاستئثار بموارد عمومية أو خاصة"[5].
و في هذا الإطار يمكن مناقشة موضوع الحرب الليبية (الخاصيات و الأهداف). فالحرب الليبية أوجهها متعددة: هي حرب أهلية ومواجهة مسلحة بين القذافي و معارضيه. و لكنها أيضا حرب امبريالية يشنها حلف الناتو و تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد دولة من المفترض أنها ذات سيادة.
(يتبع...)

هوامش:

[1] ـLévy. J (sous la direction de,) Géopolitique et/ou politique, dans « L invention du monde: Une géographie de la mondialisation », Presses de Sciences Po, Paris, 2008, pp 225-249.
[2] ـ سمير أمين، جيوسياسة الامبريالية المعاصرة، مركز دراسات الوحدة العربية، العدد 303، أيار/مايو 2003، ص 31 ـ 56.
[3] ـ يرى هذا المبدأ، مبدأ مونرو، (نسبة إلى الرئيس الأمريكي جيمس مونرو، 1758 ـ 1831)، أن كل تدخل أوروبي في أمريكا اللاتينية يمثل تهديدا للأمن القومي للولايات المتحدة. و تعميم هذا المبدأ يفترض أن كل ما يجري في أي نقطة من هذا العالم هو شأن يمس من الأمن القومي للولايات المتحدة.
[4] ـ Lévy. J (2008), p 227.
[5] ـ نفس المصدر، ص 227.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في