الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أعماق ذاكرة الحكم العسكري

تميم منصور

2011 / 12 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


من أعماق ذاكرة الحكم العسكري

سليم كوهين

لم يكن سليم كوهين مسؤولاً عادياً في سلطة ضريبة الدخل ، بل كان حاكماً عسكرياً آخر ، مهمته مطاردة وملاحقة المواطن العربي تحت غطاء جهاز مدني يسمى "ضريبة الدخل" .
هذا الحاكم غير العسكري - الذي هو من أصل عراقي - زرع هو الآخر حالات الرعب وصلت الى حد الهروب من البيوت والاختباء في السهول ، ان هذه الممارسات لا يقل تأثيرها عن ممارسات رجالات الحكم العسكري طوال فترة وجوده.
كان اسم سليم كوهين يعشش في ذاكرة غالبية المواطنين يلاحقهم كالشبح ليل نهار ، بصورة خاصة المواطنون في المثلث الجنوبي .
عندما كان يقوم بزيارة احدى القرى يرتعد المزارعون منه خوفاً ، فيتركون بيوتهم ومزارعهم ، ويختفون عن الأنظار ، لأنه بالنسبة لهم آفة يحاولون تجنب اضرارها ، فهو يحمل في زياراته الخراب والدمار .
لم يعمل سليم كوهين في جهاز ضريبة الدخل وحده ، كان موجهاً من قبل سلطات عليا تخطط دائماً كيف تنتقم من المواطنين العرب ، في ذات الوقت كان هناك جهازاً كاملاً من المرتزقة والمنافقين والمخبرين والمنفذين لأوامره ، يحركهم من مركزه في مدينة نتانيا ، ضم الطابور الخامس هذا عدداً من المرتزقة العرب الذين قرروا نيل شهادات الولاء للدولة في ذلك الحين مقابل تسخير ضمائرهم وكرامتهم للمساهمة في هدم مستقبل اسراً عربية كاملة .
لقد ساهم سليم كوهين ومكتب الضريبة الذي يقف على رأسه في اذلال المواطنين العرب ، وحول الكثيرون منهم الى متسولين وعاطلين عن العمل بعد ان صادر املاكهم وحرمهم من متاعهم وباع ارزاقهم في المزاد العلني ، كل هذا بحجة عدم قيامهم بتسديد ما فرض عليهم زوراً وبهتاناً من قبل ضريبة الدخل .
لقد اضطر الكثيرون منهم اللجوء الى البنوك للحصول على سلف او قروض من اجل تسديد الغرامات وفوائدها دون رحمة ، لم تختلف طرق الجباية التي استعملها مكتب سليم كوهين في نتانيا عن الطرق التي استخدمها العثمانيون ، فقد استخدم العثمانيون لهذه الغاية نظام يدعى نظام الالتزام ، كان المسؤول فيها يسمى الملتزم ، كان من حق هذا الملتزم استخدام كل وسائل القمع والبطش ضد المواطنين لانتزاع وتحصيل ما فرض عليهم من ضرائب ، رغم عجز وفقر المواطنين الذين عانوا من الجوع والفقر والجهل والمرض ، كان الملتزم يصادر ممتلكاتهم دون ان يردعه احد ، هذا ما فعله سليم كوهين ، فقد كان يستعين بالشرطة لالزام المواطنين من مزارعين وتجار وغيرهم لتسديد ما يفرض عليهم ظلماً .
كانت المستحقات المفروضة غير منطقية وواقعية ، تساوي اضعاف اضعاف المبالغ الحقيقية المستحقة من المواطنين ، خاصة المزارعون من بينهم، أما بالنسبة للقروض البنكية التي اضطر المزارعون الاستعانة بها ، فقد كانت الاجراءات التي تتم للحصول عليها غير قانونية ، كان مكتب سليم كوهين هو الذي يحدد مبلغ القرض المالي ، وهو الذي يختار البنك ، كما كان ينهي المعاملات دون علم المزارع ، وما على هذا سوى الاذعان والتوقيع على المستندات الخاصة بهذه القروض ، كي يتحاشى الحجز على ممتلكاته وعرضها للبيع في اسواق الدلالة .
ان سياسة نهب وتشليح المزارعين قد حرم الكثير منهم عدم فلاحة الارض ، فوجدوا انفسهم داخل اسواق البطالة او عمال اجيرون يعملون بأجور متدنية .
كانت سياسة سليم كوهين تهدف الى تحطيم وتدمير حالة المزارع العربي بهدف تفريغ الارض من اصحابها وتحويلها الى اراض بور يسهل بيعها اومصادرتها لاغراض امنية او تطويرية ، وقد استخدم هذا الاسلوب من نهب اراض المواطنين العرب في الجليل ايضاً .
لا أنسى صرخة ذلك الشيخ الذي أكد وهو يتكلم عن سليم كوهين – والله كنت أخاف من سليم كوهين أكثر من اللي خلقني ، اللي خلقني رحيم غفور اما هذا كان شيطان رجيم .
الذاكرة الفلسطينية مليئة بالصور والحكايات من امثال سليم كوهين وكل فترة لها سليمها وكوهنها ، لكن لا بد ان نفتح البوم الحكم العسكري .

أنا في خندقي وانت بخندقك
بارودتك على كتفك وبرودتي على كتفي

قائل هذه الكلمات مواطن عادي ، لكن معروف بجرأته وصراحته ، عرفه الجميع بابي جميل ، كان مزارعاً معروفاً في قريته لما له من دراية وخبرة في طرق الزراعة واصولها خاصة كروم العنب ، استغل طاقته وخبرته فجعل من كرم العنب الذي يملكه نموذجاً بالنسبة لكثير من الكروم في بلدته في انتاجه كما وكيفا .
في موسم القطاف كان التجار يتزاحمون لكسب ود ابو جميل كي يبيعهم من ثمار كرمه المتميزة في حجم عناقيدها ولونها وصلابة حباتها ، لم يخش ابو جميل سليم بك كما ناداه بعض المزارعين مسؤول ضريبة الدخل في نتانيا .
لم يتردد ابو جميل عن مواجهته اذا اقتضت الضرورة ، في نهاية كل موسم يذهب برجليه الى مكتب الضريبة في نتانيا حاملاً وصولاته وفواتيره اللازمة ، تشمل الدخل والمصروف ، كان شعاره - اذا بتوكل اطعم الله بعطيك – لكن سليم كوهين يريد دائماً ان يأكل كل شيء ولا يطعم ، انه لا يستطيع ان يرى مزارعاً عربياً موفقاً وناجحاً ، ارسل دون سابق انذار مرتزقة من فرق الحجوزات للحجز على بيت ابو جميل ، الا ان ابا جميل تصدى لهم ن وواجههم الحجة بالحجة ووعدهم بأنه سوف يقابل سليم كوهين في مكتبه ، عندما قابله في نتانيا وضع امامه فواتيره ووصولاته التي شملت كل السنوات الماضية ، نظر سليم كوهين اليه باستخفاف وقال له :
- زين … انا اول مرة اشوف مزارع عربي منظم ، بلي ، لكن آكو سنة انت لم تسدد ضريبتها ، افتكر زين عيني ،
- سأله ابو جميل اية سنة تقصد ؟ الوصولات قدامك !!

سارع سليم كوهين للرد عليه قائلاً :
- هل سددت (الظريبة) عن سنة 1949 ؟!!
صعق ابا جميل وحجظت عيناه عند سماعه هذا السؤال المستفز :
- ايش بتقول يا سيد كوهين ، انت ودولتك شو الكم عندي في هذه السنة !! اولاً حضرتك في هذه السنة كنت في العراق ، واذا حضرتك كنت في البلاد في هذه السنة كانت حرب ، وقتها انا كنت في خندقي ، وانت كنت في خندقك ، بارودني على كتفي وبارودتك على كتفك ، كل واحد منا كان يطخ على الثاني ، انت بتقدر تغير التاريخ ؟
عندما سمع سليم كوهين هذا الرد الحاسم قال لأبي جميل هيك فهمت من المسؤولين خليني اراجعهم .
ولم يرجع لأبي جميل بخصوص هذا الموضوع فيما بعد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كأس أمم أوروبا: إسبانيا تكتسح جورجيا وإنكلترا تفوز بصعوبة عل


.. الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الفرنسية: نتائج ودعوات




.. أولمرت: إذا اندلعت حرب شاملة مع حزب الله قد يختفي لبنان.. وا


.. إسرائيل تتحدث عن جاهزية خطط اليوم التالي للحرب وتختبر نموذجا




.. ميليشيا عراقية تهدد باستهداف أنبوب النفط المتجه إلى الأردن|