الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن البلاهة... نواقيس جورج أورويل.

إسماعيل مهنانة

2011 / 12 / 2
الادب والفن


كان كارل ماركس يقول أنه إذا كان هناك من فضل للرأسمالية فهي في كونها قد أخرجت شعوب أوروبا من "بلاهة الحقول"، أي تلك الحالة من الكينونة الغفّل والنسيان، والجهل لقيمة الحياة في ذاتها، وبخس قيمة الوقت والزمن، والتناهي، ثم حلل غوستاف فلوبير ظاهرة البلاهة بوصفها استسلام الفرد لليقينيات الجاهزة السائدة في مجتمعه، والاستقالة الجماعية عن فعل الشك والتفكير، والعجز عن إبداع أسلوبية جديدة في الحياة والفكر، وقد توصّل فلوبير إلى نتيجة مفادها أنه كلما تطورت المعرفة العلمية ستنتج عدد أكبر من الأفكار الجاهزة، وتزداد الثقة فيها وتحوّلها إلى شبه عقائد علموية، تشل الفكر والتساؤل، وتعطّل الأسئلة الجذرية في الوجود والحياة، والنتيجة النهائية هي اتساع دائرة البلاهة وتحوّل الجماهير إلى حشود قطعان مستسلمة لتجاوزات السلطة ومخدّرة بالوعي المعلّب.
ويمكن قراءة تاريخ الفلسفة بعد نيتشه في معظمه، بوصفه تاريخ تقويض البلاهة الثاوية في اليومي، وفي اللغة، وفي أساليب الحياة، في اختراق السلطة للفرد، وتمجيد هذا الأخير لها، فمثل هذا النمط من الوجود الأبله، لا يقتصر على الجماهير فقط بل يشّل الجرأة التي تميّز أسئلة المثقف نفسه، وخاصة في هذا العصر التقني الذي ينفتح كشبكة لامتناهية من الغوايات والفيتشيات التي لا تنتهي، ومبكرا حذّر هوركايمر من ضعف العقل النظري في قوله: "إن الاستعداد الغريب الذي تظهره الجماهير التي اكتسبت تربية تقنية من خلال إعجابها بأي نوع من الاستبداد، وصلاتها التدميرية الذاتية بالترابط مع شعور عرقي بالعظمة، كل هذه الأمور العبثية غير المفهومة؛ إنما تفصح عمّا أصاب العقل النظري حاليا من ضعف" .
في عصرنا هذا عصر اكتمال كل الأنساق، كل العقائد، كل الإيديولوجيات، هو أيضا عصر الاكتمال الظافر للبلاهة، حيث الاستقالة عن فعل الشك مكتملة الشروط، حيث تحولت الشمولية والاستكانة إلى الجاهز نمطا أساسيا في الإقامة وسط العالم/الضجيج، ولن أكون أورويليا (جورج أورويل) إذا أعلنت أن عصرنا هو عصر البلاهة بامتياز، فقد بلغ التشيؤ وشيوع الأفكار الجاهزة، وسرعة التصديق مبلغا مريعا من واقعنا، وانتشرت الديكتاتوريات والأنظمة والأيديولوجيات الشمولية داخل الفكر قبل الواقع، والتطرّف العقائدي والطائفي، وتمجيد السلطة، أكثر مما انتشر ذلك في أوروبا الثلاثينيات من القرن الماضي، بل اتسعت دائرة البلاهة والتطيّر والاستخفاف بالعقل بشكل يفوق تصورات العقل نفسه، واستحكمت رأسمالية فجّة ومسخ طبقية رجعية في أقصى تجلياتها، مقابل بروليتاريا رثة مقطوعة الظل النظري، واستسلام متهافت للجماهير على الاستهلاك المقيت للسلع..
يقول أورويل: "إن كان التحرر يعنى شيئا فهو الحق في أن تقول للناس ما لا يَوَدُّون سماعه." ماذا لو كانت كل السرديات التي تسقّف عالمنا، مجرد قصص تافهة لأشخاص دقّت لهم القرون النواقيس؟ مجرد مغامرات ناجحة أو فاشلة تدحرجت على منحدر القرون تماما مثل كرة الثلج، ولم يحن وقت انفجارها على صخرة البلاهة، فلمن تقرع كلّ هذه الأجراس؟، يتساءل نيتشه، ليهودي صُلب قبل ألفي عام"، ولمن تبعث الخلافة وتُركب الثورات؟ لعرب عاشوا وعمروا وملئوا عصرهم ثم أضاعوا؟ أم لعرب باعوا وماتوا ثم ضاعوا؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال جميل
كريم ( 2011 / 12 / 4 - 14:35 )
مقال جميل وغني بكثافته لكن واسمحلي فيه تجريد كثير ربما لايفهم من غالبية القراء او لايروق لهم في الحقيقة وهذا سيبقيهم في دائرة(البلاهة) ولااعتقد انك تريد لهم ذلك.

اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي