الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار والديمقراطيون العلمانيون والامتحان الصعب

سعد محمد رحيم

2011 / 12 / 5
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011


ثورات الربيع العربي:
اليسار والديمقراطيون العلمانيون والامتحان الصعب
حوار مع: سعد محمد رحيم
1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
* حضرت القوى اليسارية في ساحة هذه الثورات بعدِّها قوى وطنية ديمقراطية تسعى إلى تقويض أركان الأنظمة الاستبدادية وإقامة دولة الحرية والعدالة الاجتماعية.. وحتى القوى الإسلامية تبنت بعض شعارات اليسار، ولم تتجرأ، منذ البدء، على طرح فكرة الدولة الثيوقراطية أو فكرة ( أن الإسلام هو الحل ) إلا بشكل محدود، وعلى استحياء، وعبر بعض مفاصلها.. لذا فما أظنه هو أن الطابع الغالب على هذه الثورات في لحظة شروعها كان ذا مغزى وطني ديمقراطي وطبقي يساري، غير أن القوى الإسلامية تمتلك من الدهاء السياسي والحس البراغماتي إلى الحد الذي يؤهلها لقطف نتائج هذه الثورات أكثر من غيرها. وأنها تتقن فن استثمار عواطف الناس الدينية والجهل المتفشي في بلدانها لكسب أصوات الناخبين.. اليسار كان حاضراً في موسم البذار والسقي للثورة أكثر من غيره، لكن آخرين كان حضورهم أقوى في موسم الحصاد.
2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجّه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟
* نعم وإلى حد بعيد.. فما أنتجته الأنظمة الاستبدادية ليست سوى بنى تحتية مهيأة لصعود الإسلام السياسي تتمثل بانتشار البطالة والفقر وتخلف حقل الإنتاج والأمية.. فالاستبداد غالباً ما خلق ظروفاً مساعدة لحركة الإسلام السياسي حتى وإن لم ترد الأنظمة ذلك. فمن جهة تاجرت الأنظمة الاستبدادية بالدين لتعزيز هيمنتها على مجتمعاتها لكنها بالمقابل تركت ثغرات واسعة لنفاذ قوى الإسلام السياسي إلى الهوامش الاجتماعية التي هي أكبر من المتن المتمدن في دولها، وتكوين خلاياها النائمة هناك، وتقديم نفسها كممثلة وحيدة للمقدّس والدنيوي.. فالإسلام السياسي استثمر المؤسسات الراسخة منذ قرون كالجوامع وغيرها للتلاعب بعواطف الطبقات الأكثر بؤساً وبمعونة مما يسميه فالح عبد الجبار بالمال المقدس، وكذلك المال غير المقدس المتأتي من نهب المال العام والاستغلال. ومع وجود فراغ ثقافي لم تملؤه الثقافة السطحية والفاشية الضحلة للسلطات القائمة، ولا الثقافة اليسارية والعلمانية والديمقراطية المكبوتة والمخنوقة في ظل القمع، وإنما أطروحات الإسلام السياسي البراقة في ظاهرها.
3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها وابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
* أعتقد أن الفرصة مؤاتية، الآن، لقوى اليسار لحقن دماء جديدة في شرايينها المتيبسة عبر تخصيب مجالها الفكري وابتكار وسائل ووسائط تلائم العمل في أربعة حقول مترابطة عضوياً: السياسة والإعلام والثقافة والمجتمع.. وربما تكون هذه هي فرصتها الأخيرة.. إن وجودها الفاعل حتى خارج دائرة الحكم يضمن التخفيف من غلواء قوى اليمين والتخلف وسطوتها على مجالات الأنشطة الاجتماعية والسياسية المختلفة. إن قوى اليسار والديمقراطية العلمانية تخوض اليوم الامتحان الصعب، وعليها أن تتحاشى اليأس وروح الهزيمة والانكسار مهما كانت الظروف وإلا فإننا داخلون في نفق مظلم لن نخرج منه حتى عقود قادمة.
4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟
* أعتقد أن على الأحزاب اليسارية العربية أن تكون أكثر حذراً في صيغ المشاركة، وأن تتجنب التحالفات المذلة التي تترك لها هامشاً هزيلاً في العملية السياسية لا تليق بتاريخها النضالي. وعليها أن لا ترتكب الخطأ الذي وقع فيه الحزب الشيوعي العراقي الذي شارك في مجلس الحكم المشكّل من قبل بريمر بعد احتلال العراق.. وعليها أن لا تستجدي لبعض أعضائها مناصب صغيرة.. وإذا لم تكن الأجواء اليوم مؤاتية لها لأداء دور كبير في إدارة شؤون الدولة فعليها أن تستفيد من فسحة الديمقراطية التي تضطر قوى الإسلام السياسي تركها تحت ضغط الظروف الموضوعية الإقليمية والعالمية لتبقى ( قوى اليسار والديمقراطية ) الجزء الأهم من خندق المعارضة لاسيما أن البرامج التي تطرحها أحزاب وقوى الإسلام السياسي، وما تبيتها من نوايا، ينتظرها الفشل لأنها تعاني ضيق الأفق وليست قادرة على تحقيق تحولات تنموية عميقة وحقيقية تلبي طموح الجماهير الفقيرة الواسعة. والمعادلة التي يجب أن تستوعبها الأحزاب اليسارية والديمقراطية العلمانية هي: إذا لم تستطع أن تكون ضمن آلة الحكم الفاعلة الآن فعليها أن ترسخ نفسها كبديل سياسي لا غنى عنه في وعي وضمير المجتمع. وأعتقد أن أول تحدٍ كبير في المرحلة الأولى أمام هذه الأحزاب والقوى في البلدان العربية الخارجة لتوِّها من إسار الاستبداد هو العمل الجدّي على الحيلولة دون صياغة دساتير تحدد الحريات والحقوق العامة تحت ستار تمثيل القيم الدينية وبما يخدم أهواء وتوجهات ومصالح قوى الإسلام السياسي، والحركات السلفية المتطرفة، ويهيئ الأرضية لإقامة ديكتاتوريات وأنظمة فاشية جديدة أكثر ضراوة وقمعاً.
5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
* هذه من البديهيات.. تجتمع قوى الإسلام السياسي على مشتركات على الرغم من تباين مصالحها الآنية تجعلها ذات حضور مؤثر في الساحة السياسية فيما تتشتت القوى العلمانية واليسارية والديمقراطية بسبب المصالح الضيقة لقياداتها تتركها كيانات ضعيفة إزاء الآخر المتربص بها.. إن أحد أسباب انحسار القاعدة الشعبية لقوى اليسار والديمقراطية العلمانية هو بقائها كجزر صغيرة معزولة عن بعضها البعض أو متصادمة في صراعات جانبية فيما بينها يستنزف طاقاتها ويسلب فرصها في التأثير السياسي. وقطعاً لا يفكر أي حزب سياسي يساري أو علماني اليوم بالاستئثار بالحكم وإقامة نظام شمولي وإنما يسعى ليكون جزءاً فاعلاً في بناء الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة. ووسيلته في ذلك العمل السياسي السلمي المكشوف في الهواء الطلق، والحوار مع جميع القوى الأخرى.
6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير وأفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
* إن لم تفعل هذا فإنها توقع على وثيقة إعدامها.. إن ما يمنح إندفاعة حقيقية لحركات اليسار والديمقراطية العلمانية هو صعود قيادات من الشباب والشابات تمتلك القدرة السياسية والمرونة في الحركة وفهم نبض العصر. لكن وجود الشيوخ ضروري أيضاً لكبح جماح الخطوات غير المحسوبة بدقة.. إن ما تحتاج إليه تلكم الحركات هي أن تجري نقاشات صريحة في داخل تنظيماتها نفسها وأن تطرح المسائل بجرأة وأن تواجه أخطاءها حتى وإن كانت المواجهة جارحة.. فلكل زمان بالتأكيد دولة ورجال.. ونساء.
7- قوى اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
* هل أقول أن هذا هو الامتياز الأكبر لليسار وواحد من أهم مصادر قوتها: التحرك في نطاق مجتمع المرأة الواسع، وتفعيل دور المرأة شريكاً رئيساً، وضمان حقوقها الإنسانية والسياسية كافة حتى لا يبقى هناك أي أثر للتمييز.
8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟
* تجد القوى اليسارية والديمقراطية الآن نفسها في موقع الدفاع، ومع الأسف هناك من يدعو إلى ممالاة قوى الإسلام السياسي وتبني بعض منطلقاتها على استحياء لتجنب غضبها وشراستها. وإن وقعت قوى اليسار في هذا الفخ فإنها سترتكب حينئذ خطأ جسيماً.. إننا في مرحلة صراع مفتوح على الاحتمالات كلها.. وأن القوى الاجتماعية الداعية إلى ضمان حقوق الإنسان المعروفة والحريات العامة في ميادين التنظيم السياسي والمجتمع المدني والإعلام وقضايا تحرر المرأة وتأصيل تقاليد جديدة تضمن حرية الرأي والتعبير وبقية الحريات الشخصية والعامة.. أقول أن هذه القوى الاجتماعية ذات قاعدة عريضة لا يُستهان بها، وهي تشكل ميدان عمل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية..
9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
* نعم، وأعتقد أن جزءاً كبيراً من أنشطة هذه الأحزاب يجب أن يجري في الفضاء الافتراضي المؤثر، العاكس لروح العصر وحركته.. فالانترنت اليوم هو أيضاً ساحة صراع وحقل تفاعلات فكرية وإنضاج الآراء الملائمة لروح العصر. في مقابل الإبقاء على الوسائل التقليدية المعروفة التي ما تزال مؤثرة في مجتمعاتنا التي لم تدخل إليها الثورة المعلوماتية على نطاق واسع بسبب الفقر والأمية المتفشية.
10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟
الحوار المتمدن من المؤسسات الإعلامية القليلة التي استطاعت إدامة زخم الفكر اليساري والديمقراطي العلماني عراقياً وعربياً خلال العقد الماضي وما يزال.. وعبر موقعه أصبح متاحاً الدخول في حوارات مثمرة، والإطلاع على مصادر مهمة في الفكر السياسي ككلاسيكيات الفكر الماركسي وغيرها. بدأ من عتبة صحيحة هي عدم الحساسية من المختلف والمتعدد تاركاً وراءه النزوع الدوغمائي الذي طبع أغلب سياسات الأحزاب اليسارية وعقليات قادتها وأفكارها بطابعها على امتداد قرن كامل وكان السبب في انتكاساتها وهزائمها.. استوعب الحوار المتمدن هذا الأمر بشكل جيد. واختار لنفسه أفقاً واسعاً لتلاقح الأفكار من دون التفريط بالثوابت الأساسية لليسار التي تضع الإنسان العامل المنتج ومصلحته في قلب اهتماماته، ومن غير نسيان أن ثمة صراعاً طبقياً لم يُخمد إواره على صعيد المجتمعات والدولن ومع النظام الرأسمالي العالمي.. فاليسار موجود لفضح ظواهر الاستغلال والاستلاب ومصادرة الحريات الأساسية المسؤول عنها النظام الرأسمالي والأنظمة الاستبدادية المرتبطة به. وما الحوار المتمدن سوى منبر متقدم من منابر النهضة الجديدة التي بدأت تباشيرها تلوح.. نهضة قوامها التنمية المركّبة والديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية لتحقيق هدفي الإنسان الكبيرين مذ وجد على ظهر البسيطة: السعادة والحرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صاروخ باليستي روسي يستهدف ميناء أوديسا


.. ما فاعلية سلاح الصواريخ والهاون التي تستخدمه القسام في قصف م




.. مراسل الجزيرة يرصد آثار القصف الإسرائيلي على منزل في حي الشي


.. خفر السواحل الصيني يطارد سفينة فلبينية في منطقة بحرية متنازع




.. كيف استغل ترمب الاحتجاجات الجامعية الأميركية؟