الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن السلطة السياسية في سوريا و-ممانعتها- - 1

رامي أبو جبارة

2011 / 12 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


مع استمرار الانتفاضة التي باتت تشهدها العديد من المدن السورية في الشهور الماضية، كثر الحديث عن اختلاف السلطة السياسية السورية عن "قريناتها" العربية بإعتبارها سلطة "ممانعة". وغالبا ما يأتي استخدام مصطلح "الممانعة" هذا بشكل مبهم دون اعطاء أي تفسيرات أو تأويلات تشفي الغليل وتوضح الغموض الذي يصاحبه. ولعل استخدام هذا المصطلح واسقاطه على موقف السلطة السياسية في سوريا، هو الذي جعل الموقف العربي على الصعيدين الشعبي والنخبوي يتخبط حيال الحراك الذي تشهده سوريا، وجعل الكثير من المراقبين والمهتمين في الشأن السياسي الشرق الأوسطي في حيرة من أمرهم حيال اتخاذ موقف صريح من هذا الحراك، وهذا تحديدا هو ما دعا بعض الأطراف إلى تصديق نظرية المؤامرة على سوريا دون غيرها، وتأييد السلطة السياسية السورية رغم معارضتم النظام الرسمي العربي ككل.

بناءا على ما تقدم أعتقد أن احدى المهمات الملحة على الساحة السورية والعربية كانت الاجابة عن التساؤلات المطروحة المتعلقة بما اذا كانت السلطة السياسية في سوريا سلطة "ممانعة"، ومن تمانع، وكيف تقوم بممانعتها؟ وبعد طول انتظار ومع غياب محاولات موضوعية وجدية تلتزم منهجا علمي، عزمت أن اقوم بمحاولة البحث عن اجابات لهذه الأسئلة، وأقول اجابات وليس اجابة، لأن مجرد الافتراض بأن هناك اجابة واحدة عن هذا السؤال يقودنا إلى تضييق أفق البحث وحصره في مسار واحد، وهو ما سيؤثر حتما على المنهج المتبع للوصول إلى الاجابة، مما سيعني حتمية الحصول على اجابة جاهزة سلفا، مبنية على مواقف مسبقة وأحكام مطلقة.

بداية، وحتى يتسنى لنا الخوض في غمار البحث عن اجابات لهذه الأسئلة الشائكة، أعتقد أنه ينبغي معالجة عدد من الاشكاليات والتطرق لمسائل ذات العلاقة، والتي لا يمكن تجنبها اذا ما أردنا الوصول إلى اجابات أقرب إلى الموضوعية منها إلى الآراء الذاتية.

سأبدأ من الاشكاليات المصاحبة لهذا الأسئلة، وأولى هذه الاشكاليات هي استخدام "الممانعة" كمصطلح، وبالتالي ينبغي علينا تعريف مصطلح "الممانعة"، والذي بات يستخدم جزافا دون معرفة معناه على وجه التحديد، وخصوصا في السياق الذي يُستخدم به على هذا النحو الواسع الفضفاض. أما الخطوة التالية بعد التعريف فتكمن في تحديد أطراف معادلة "الممانعة" هذه، بمعنى آخر من يمانع من؟ أما ثاني هذه الاشكاليات ولعلها غاية في الصعوبة، فهي تكمن في معرفة كيفية صنع القرار داخل السلطة السياسية في سوريا، أو بمعنى آخر تفكيك تركيبة الحكم في سوريا وتحليلها بشكل موضوعي قريب إلى الواقع ما أمكن، وذلك لمعرفة كيف تقوم السلطة السياسية السورية "بممانعتها" ومن يقوم بذلك ولماذا.

أما بالنسبة للمسائل الملحة وذات العلاقة للاجابة على هذه الأسئلة بشكل علمي، فأعتقد أن أولها هو ضرورة العودة إلى التاريخ ومراجعته في ضوء مواقف النظام السياسي المهيمن في سوريا، والظروف التاريخية والموضوعية المحيطة بتلك المواقف. حيث سنلجأ في هذه العملية إلى منهجية في التحليل السياسي تعمد إلى تجزئة وتحليل كل موقف وكل جزء من اللوحة السياسية على حدة، آخذين بعين الاعتبار ظروفه التاريخية والموضوعية بخصوصية شبه مطلقة. ومن ثم يتم جمع تحاليل هذه الأجزاء للحصول على أحكام قد نستطيع استخدامها في بناء التحليلات الأكثر عموما. أما ثاني هذه المسائل فهي مقترنة بالعملية السابقة، وذلك بأخذ جميع العوامل وأطرافها المؤثرة بعين الاعتبار أثناء عملية التحليل تلك.

أخيرا وقبل الدخول في صلب الموضوع، أقول بأنه رغم ضخامة هذا العمل الأقرب إلى بحث منه إلى مقال، سأحاول الخوض في غماره على شكل مقال في عدة أجزاء، مختصرا منه ما أمكن، آملا أن لا يكون هذا الاختصار مخلا، وآملا كذلك أن تكون هذه المقالة نواة لبحث قادم يمتلك جميع المعلومات اللازمة للوصول إلى الحقيقة ويكون اكثر عمقا وتفصيلا.

التشريح المصطلحي لكلمة "ممانعة":

قلنا اذن أن أولى الاشكاليات هي اطلاق مصطلح "الممانعة" بشكل أعمى دون اللجوء إلى تفسيره أو تفصيله، أو التفكـّر في معناه ولو قليلا. ولسنا هنا بصدد تفسير هذا المصطلح لغويا بقدر ما نحن معنيون بتفسيره سياسيا. وفي هذا السياق سأورد عددا من التفسيرات السياسية التي تطرقت لتعريف هذا المصطلح، منها ما هو متعلق بموقف السلطة السياسية في سوريا، ومنها لا علاقة له به لا من قريب ولا من بعيد (انظر إلى المراجع). فمصطلح الممانعة قد يعني سياسيا عدم القبول بأمر ما ولكن ذلك لا يعني بالضرورة رفضه بشكل مطلق(1)، والممانعة تعني أيضا الامتناع عن مواجهة العدو، وعن التطوع لفعل ما يرغبه(2). وهي أيضا مرتبة وسطى بين مواجهة قد تنقلب إلى مجابهة مفتوحة؛ وبين "الاستسلام" للعدو(3). وقد استخدم هذا المصطلح للاشارة إلى رفض الانخراط في أمر ما مع عدم مقاومته (4). واستخدام مصطلح الممانعة في هذا السياق له جذوره العلمية في العلوم الطبيعية. ففي الفيزياء وخصوصا في فرع الدارات الكهربائية هناك فرق بين الممانعة الكهربائية (يرمز لها برمز Z) والتي تستخدم في حالة التيار المتردد(5)، فإذا تغير هذا التيار المتردد إلى تيار مستمر تؤول الممانعة إلى مقاومة كهربائية (يرمز لها برمز R)(6). وبناءا على هذه التفسيرات ولتفكيك هذا المصطلح المرواغ بشكل أعمق، يبرز نوعين من الممانعة: النوع الاول يعتمد على الوقوف مع احد النقيضين في موقف ما، ثم يتحوّل ليكون مع النقيض الآخر في موقف آخر وهكذا دواليك، ومعروف هذا النوع في مجال الممانعة المغناطيسية بأن يكون تدفق التيار تارة مع القطب الموجب وتارة أخرى مع القطب السالب(7). أما النوع الثاني فهو الوقوف على مسافة واحدة من النقيضين في جميع المواقف. وسنرى في الجزء المعني بالمراجعة التاريخية تحليلا لمواقف النظام السوري بناءا على هذين النوعين من الممانعة وليس المقاومة، لأنه هو نفسه لم يدعي المقاومة وكذا أغلب مؤيديه(8). وبالتالي بناءا على هذه التعريفات المستندة على أسس علمية نستطيع أن نخلص إلى القول أن فعل الممانعة هو فعل بعيد كل البعد عن المقاومة وقد يكون نقيضها تماما في بعض الأحيان، ومقترن بشكل كبير مع التردد والتذبذب بين موقفين متناقضين وهما في السياسة المواجهة والاستسلام. ولذلك فهو موقف لا يمت للمبدأ بصلة، ويعتمد على قدر كبير من المرونة (Flexibility) بمعناها العلمي(9)، والذي يوازي البراغماتية النفعية بمعناها السياسي.

أما في الشق الثاني والمتعلق بتحديد أطراف المعادلة السياسية في اطار هذا المصطلح، فمن الواضح أن مؤيدي النظام السوري يقصدون وضعه في خانة "مقابلة" للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، وبالتالي وبعد تجميع التعريفات السابقة لمصطلح "الممانعة"، ووضع أطراف المعادلة السياسية كما حددناها سلفا ضمن هذه التعريفات، يصبح النظام السوري لا يتماشى مع المشروع الصهيوأمريكي بالطريقة التي يريدها روّاد هذا المشروع، ولكنه في ذات الوقت لا يقاومه ولا يرفضه رفضا مطلقا نابعا من مبدأ ثابت.

- يتبع في الجزء الثاني تحليل تركيبة الحكم ودورها في "الممانعة"

(1) من مقال للكاتب سلامة كيلة بعنوان "حدود الممانعة السورية" نشر في جريدة الأخبار اللبنانية بتاريخ 11-07-2011.
(2) من مقال للكاتب ياسين الحاج صالح بعنوان "في أصل -الممانعة- ونظامها وإيديولوجيتها ..وازدواج وجهها" نشر في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 27-10-2006.
(3) المصدر السابق نفسه.
(4) من مقال لسيان تراينور بعنوان "الجيل الممانع" نشر في جريدة الأيريش تايمز (التايمز الأيرلندية) بتاريخ 29-01-2011.
(5) ارجع إلى قانون فارادي في الفيزياء (Faraday s Law).
(6) ارجع إلى قانون أوم في الكهرباء (Ohm s Law).
(7) القانون الفيزيائي أمبير لكل فيبر.
(8) من مقابلات لرموز النظام السوري ومؤيديه، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تصريحات الرئيس بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم بتاريخ 02-02-2010 و03-02-2010 بعد التصعيد مع وزير الدفاع باراك حينها، وكذلك عند لقاء فاروق الشرع مع الرئيس الفلسطيني عباس لمحاولة انهاء الانقسام في 14-05-2009 وغيرها الكثير.
(9) ارجع إلى التيار المتردد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذيان
السامر صالح ( 2011 / 12 / 3 - 13:40 )
هذا الهذر يستهدف اثبات ماذا؟الرؤية واضحة ذاك ان من لايملك القوة الكافية لهزيمة العدو وفي ونفس الوقت لايثق في ان العدو يعيد الحق سلميا بلاقتال فلاسبيل من امامه الا رفض الانجرار لمقاتلة هذا العدو او قبول الجلوس معه على طاولة المفاوضات وهذا الخيار تفرضه طبيعة توازنات القوة اكثر مما تفرضه قناعة فكرية او ايدلوجية لكن لاينكر ان هذا التكتيك ناجح على الاقل في استثمار عنصر الزمن بغية خلق نوع من التوازن الذي يمكن توظيفه في دعم قناعة المواجهة وثمن المواجهة من جهة ومن جهة اخرى ان يكرس قناعة ان العدو لايؤمن بالسلام وهذا قد يخدم القضية عالميا


2 - إلى تعليق رقم 1
احمد من بريطانيا ( 2011 / 12 / 3 - 15:01 )
الهذر هو ما تفضلت به انت، لأنك اتفقت تماما مع ما قاله الكاتب ولكن انت حاولت أن تبرر ما تفضل به لأنك واضح انك من مؤيدي نظام القتل والقمع والطائفية في سوريا. يعني لو أنك ناقضت الكاتب ورددت عليه كان ممكن أفهم بس عجبي على أمة لا تقرأ وان قرأت لا تفهم. أما بالنسبة للمقال فهو مقال موضوعي جدا وحيادي بانتظار الاجزاء الباقية شكرا


3 - الى المعلق 2
السامر صالح ( 2011 / 12 / 3 - 17:02 )
لايذكر الطائفية الا الطائفي؟انا محلد علماني لاأعترف بالاسلام او الاديان ولااهتم من يحكم سوريا لسبب بسيط ماهي مصلحتي من ذلك اذ ذهب قاتل وحرامي جاء الف قاتل وحرامي فلاتهذر ويفترض ان تنقد صاحب المقال بدلا من التهجم علي ولو انك مؤمن بقضية شعب سوريا لما جلست في بريطانيا كما تزعم وانما تذهب لتجاهد هناك مع اخوانك المجاهدين ضد الطائفة النصيرية الكافرة وفق تعريفك النفسي لمفهوم الطائفية الذي ذكرت .ولم اجد في حياتي قارئ للفكر يتهم الاخر بالطائفية


4 - عجبي
احمد من بريطانيا ( 2011 / 12 / 3 - 19:13 )
لقد كنت أظن انك لا تفهم ما تقرا ولكن الان تأكدت من ذلك . يا حبيبي أنا لم اتهمك بالطاءفية أنا اقول النظام هو نظام يشعل تلك الآفة ويرعاها وانا كمان علماني وملحد ولكن هذه حقيقة لا يمكن انكارها. ولكن لا استطيع أخذ موقف رجعي مثلك لأنني أتوقع بانه سيأتي قاتل وحرامي اخر


5 - مرة ثانية
السامر صالح ( 2011 / 12 / 4 - 21:38 )
الطائفية بنت الدين ولاعلاقة للنظام بها قد يوضفها لكن ليس من مصلحته الذهاب بها بعيدا لانها تحرقه في النهاية سيما اذ كان من يحكم الاقلية وليس الاكثرية ؟ العراق - لبنان امثلة على ان الطائفية جينة وراثية لايتخلص المرء منها مالم يلحد


6 - مرة ثالثة
السامر صالح ( 2011 / 12 / 4 - 21:42 )
اما عن اتهامي بالرجعية فهذا يعني ان البدين زوج موزة والبليد وريث ال سعود من التقدميين

اخر الافلام

.. موريتانيا: ماذا وراء زيارة وزيريْ الدفاع والداخلية إلى الحدو


.. إسرائيل وحسابات ما بعد موافقة حماس على مقترح الهدنة في غزة




.. دبابة السلحفاة الروسية العملاقة تواجه المسيرات الأوكرانية |


.. عالم مغربي يكشف عن اختراع جديد لتغيير مستقبل العرب والبشرية




.. الفرحة تعم قطاع غزة بعد موافقة حماس على وقف الحرب