الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتظار .. أشرعة بإتجاه المرافئ

اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)

2011 / 12 / 3
الادب والفن


وحدهم ، البحر والليل والصخر والرمل يعلمون بتلك الغارقة في حلم انتظار. كلما تقف عند الشاطئ تعوي الريح بوحشية ، وتلقي سكون المساء في جوف نورس وحيد . وحينما تلمح شراع سفينة في الأفق القرمزي تبتسم شفاه توقها العجيب ، ويشتد قرع الطبول الوحشية في أعماقها ، وهي تحاول الإمساك بالشراع آملة أن تحمل السفينة ماتنتظر .

*****

بهذا المشهد المتخَيل نبدأ رحلتنا هنا في أعماق الانتظار ، محلقين بأجنحة الفرح على مساحات أحلامنا حين لايكون ماننتظره سراباً او موتاً . لكن أيّاً أكثر مرارة .. انتظار الموت أم انتظار السراب ؟
قرأت مرة لأحد الشعراء : " الموت حقيقة . ولامرارة في الحقيقة أبداً . والسراب وهم ، وهو أكثر ثمار الطريق مرارة " .
إن أعماقنا في أثناء انتظارات العمر المتكررة تترجرج بين الحقيقة والسراب ، وهي قد تشبه أرضاً قاحلة متشققة بانتظار الماء ، او شجرة يابسة تأمل أن تورق وتثمر ، كأنها في دوامة انتظاراتها تشبه لوحة تعبر عنها فرشاة الحزن الممزوج بالامل .
وتتنوع الانتظارات ، إذ إن كل إنسان يمر ّ بحالات ترقب وانتظار حلم اوأمنية اوفرح او موعد او سفر او نجاح او حبيب او هدية او شفاء من مرض او فجر يوم جديد او مجهول او قطار قد يجيء او لايجيء.
وإذ يعبر الانتظار في جوهره ، أيضاً ، عن مقدرة الإنسان على الصبر والمطاولة والإيمان بقيمة ماينتظر ، فإن هناك من ينتظر سنوات طوال على أمل الحصول على مبتغاه ، وقد يشغل الانتظار مساحة العمر كلها ، ، بينما هناك من ينعطف بعد وقت قصير عن الانتظار ، الى محطة أخرى . لكن ذلك الانعطاف لايعني ضعف صبر ومطاولة بالضرورة ، فقد يكتشف المرء بعد حين أن ماينتظره لايستحق أن يقضي أيامه في ترقبه ، او يرى أن هناك ماهو أهم ليتلفت اليه بدلاً عن انتظار شخص او أمر قد لايكون بمستوى الطموح .
وهنا لابد أن لانتناسى فارقاً بين انتظارين ، أحدهما سلبي ، حين لايقترن بسعي للوصول الى ماننتظر ، والآخر إيجابي ، حين يرافقه فعل بإتجاه الحصول على مانريد .
لكن ، هل يمكن أن يذوي المرء بسبب الانتظار ؟
في الأسطورة الإغريقية ، نجد نرسيس إله الجمال ، وهو ينظر الى صورته للمرة الأولى على صفحة الغدير الساكن ، ينبهر بها ويعشقها ، ويأخذ بمناجاتها ظاناً أنها وجه عروس البحر ، ويظل يتردد على الغدير كلما تشرق الشمس ولايغادر إلاّ عند تواريها وراء رداء الليل الفضفاض منتظراً من الحبيبة ـ الصورة أن تبادله الغرام ، وأن تقول كلمة تداوي وجعه .. ويظل هكذا حتى تذبل نظرته ويتحطم قلبه ويذوي عند الغدير ، فتنمو مكانه زهرة نرجس منكفئة على الماء ، تتطلع الى صفحته الساكنة وتنتظر .
ربما تتنظر تلك الزهرة موعداً في سهول القمر ، كما انتظرت فتاة في قصة جميلة لغادة السمان تحمل عنوان .. بحثاً عن سهول القمر :
" وانتظرت منه أن يقول .. سأكون رفيقك الليلة ياصغيرتي ، وسنرتمي معاً بين الصخور الضائعة ونراقب مدينتنا الرمادية تغمض عيونها المضيئة حتى تبتلعها هوة الظلام وننصت لأغاني السكون " .. لكنه لم يقل شيئاً من ذلك لها ، وانتهى انتظارها بخيبة .. كتلك التي كتبت على ورقة من أوراق عمرها : " انتظرتك .. ولما لم تعد أدركت أن حلم رؤياك أصبح رماداً تناثر فوق رمادي " .
إنها مرارة الخيبة ، التي تجعلنا ننعطف ـ كما ذكرنا آنفاً ـ او نبكي ندماً على تضييعنا العمر في انتظار غير مجدٍ .
ويتراءى لنا هنا ظل صموئيل بيكيت .. يدعونا لننتظر معه غودو الذي يأتي او لايأتي .. لكننا نسدل الستار على مسرحيته ، بانتظار آخر .. فثمة شراع في الأفق يعانق الفصول .. يجعلنا نردد مع الصوت الفيروزي العذب .. " نطرتك في الصيف .. نطرتك في الشتي " .. كأن صوتها العذب ، وهو يتوغل الى الأعماق ، يرغمنا على عشق الانتظار .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف