الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلول جذرية لوقف التمييز ضد القبط

جورج كتن

2004 / 12 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في قرية مصرية قرب الإسكندرية، هربت زوجة قس قبطي مع صديقها المسلم لتعتنق الإسلام مما أدى لاحتجاجات واسعة، انتقلت للقاهرة حيث تجمع الآلاف في الكاتدرائية القبطية الرئيسية واصطدموا بالشرطة طالبين إرجاع السيدة لزوجها. مثل هذه الحادثة تحصل دائماً دون أن تثير ضجة، وتحل في إطار المجتمع المصغر بتدخل الخيرين أو الشرطة إذا استدعى الأمر، لكنها في مصر وبين الأقباط تؤدي، لو لم يجر تداركها بعودة السيدة إلى زوجها والكنيسة، لازمة تنتشر كالنار في الهشيم ، وربما لصرا عات، المجتمع المصري بغنى عنها.
وهي ليست الحادثة الأولى فقد سبقتها حوادث مأساوية أنتجت أزمات منها مثلاً حرق كنيسة الخانكة مطلع السبعينيات وأزمة الكشح عندما قتلت الجموع 20 قبطياً ثم أزمة نشر صور فاضحة لراهب سابق، وأحداث كثيرة لم يسمع بها سوى قلة، كانت مرشحة لتحدث اضطرابات، مما يدل على حجم الاحتقان في أوساط القبط، الذي يندفع للسطح عند أية حادثة مهما كانت بسيطة.
إن عودة السيدة لا ينهي الأزمة الكامنة ولن يمنع تفجرها مستقبلاً، وربما تطورها إلى كارثة تصيب الجميع، فالأقباط طائفة كبيرة في مصر -10 مليون على الأقل- يعانون من التمييز والإحساس بالاضطهاد، الذي لا يجد من يعالجه، مع محاولة الهروب منه إلى الهجرة الداخلية من القرى إلى المدن الكبيرة حيث المعاملة التمييزية أقل، أو الهجرة الخارجية حيث هامش الحرية واسع.
يعاني المجتمع المصري من مشاكل وأزمات متعددة إلا أن للقبط معاناة إضافية على خلفية انتمائهم الديني، فقد تزايد إحساسهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، رغم أنهم مصريون أصلاء وليسوا دخلاء على البلاد. ويعود ذلك لمعاملة دائمة تمييزية في مجالات مختلفة، منها التمييز في حق بناء دور العبادة، او ترميمها، الذي منعه "خط همايوني" منذ اواسط القرن التاسع عشر، ولم يتم تجاوزه إلا مؤخراً بقرار جمهوري، سمح ببناء كنائس جديدة أو ترميم القديمة، وتفويض اصدار التراخيص للسلطات المحلية، مما نقل عرقلة هذا الحق إلى الاجهزة الأمنية والإدارية البيروقراطية ذا ت الخلفية المتعصبة طائفياً، وأدى إلى أن القبط في أماكن عديدة باتوا يمارسون شعائرهم الدينية في العراء أو في كنائس آيلة للسقوط في أية لحظة. في المقابل ليس أسهل من بناء المساجد بأبسط الطرق وبمساعدة حكومية أحياناً.
ويعاني القبط من تمييز في مجال التوظيف، وفي الإعلام حيث أن ما لا يقل عن 20 % من ساعات البث في الفضائيات المصرية مخصص لشعائر ومواضيع إسلامية، بينما يقتصر الأمر بالنسبة للقبط على نقل صلاة الأعياد لبضع ساعات فقط سنوياً، حتى أن الدولة لم تعترف بعيد الميلاد المسيحي كإجازة رسمية إلا في العام الماضي. أما التمييز في التمثيل في المجالس المنتخبة فقد أدى لفشل أي قبطي في الوصول إلى المجلس النيابي الأخير، حتى أن اللوائح الانتخابية للحزب الحاكم لم تتضمن أقباط، مراعاة للتعصب الأصولي السائد، رغم ما يسببه هذا الإهمال من نتائج سلبية في الأوساط القبطية.
كما يتذمر القبط من أنهم يدفعون ضرائب مثل جميع المواطنين، ومع ذلك فالدولة تنفق منها على مؤسسات إسلامية مثل الأزهر ومعاهده المنتشرة في جميع المحافظات، دون أن تخصص أي شيء لكنائس الأقباط، إلى جانب منعهم من بنائها على نفقتهم الخاصة، أي "لا برحمك ولا بخلي رحمة الله تنزل عليك". حتى أنها صادرت أوقاف قبطية كانت تصرف على المحتاجين. ويرى الكثير من القبط أن الأجهزة الحكومية منحازة إجمالاً ضدهم، فهي مثلاً تقف متفرجة على أقباط في قرى نائية ريفية، يضطرون لدفع أتاوات، يعتبرها من يجمعها حقاً شرعياً ويسميها "جزية"، دون أن يتعرض له احد.
كما تتغاضى السلطة عن مسؤولين محليين يستخدمون وسائل الترهيب والترغيب لأسلمة القبط، وتهمل إجراء تحقيقات في شكايات واعترافات تدين تصرفاتهم. بالإضافة لتحملها المسؤولية في انتشار التعصب الديني في المجتمع بسبب سياساتها المزايدة دينياً على الحركات الأصولية.
تتعامل السلطة مع المسالة القبطية باعتبارها ملفاً امنياً بيد أجهزة المباحث، وليس ملفاً سياسياً واجتماعياً يتوجب بحثه في أعلى المستويات. وتتشابه إجراءاتها الأمنية أحياناً مع ما تقوم به لمواجهة الجماعات الإسلامية المسلحة التي لديها مشروعاً سياسياً متخلفاً تريد فرضه بالعنف، بينما القبط لا يسعون سوى لوطن للجميع ولرفع التمييز عن كاهلهم ومعاملتهم كمواطنين متساوين مع غيرهم، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
إن رفض مناقشة المسالة القبطية في مصر، واعتبار ما يحدث أعمالاً فردية، أو أنها نتيجة تدخلات خارجية تسعى لما يطلق عليه "فتنة طائفية"، هو كمن يدفن رأسه في الرمال، ويسمح باستمرار المشكلة وتفجرها بين وقت وآخر، إلى أن تؤدي إلى كارثة حقيقية. فهي جزء من أزمة الديمقراطية وانتكاسة العلمانية ونتيجة لهيمنة السلطة الاستبدادية، وانتشار الحركات الأصولية بأجنحتها المعتدلة والإرهابية، ولموجة العودة للدين لمواجهة القمع السياسي والاجتماعي.
الهجرة ليست حلاً للمسألة ولا ردود الفعل التي تواجه التعصب الإسلامي بتعصب مسيحي مقابل أو بالعكس، فلا بد من حلول عاجلة توقف تدهور الأوضاع، بدءاً بحوار شامل علني وشفاف وصريح، تشارك فيه جميع الأطراف السياسية والمجتمعية، بعد تقديم دراسات من أطراف مختصة محايدة تحدد المشكلات الرئيسية وأسبابها وتقترح الحلول التي يتم التوافق حولها لتوضع موضع التنفيذ دون تأخير، مع نشر حملات للتوعية ضد التمييز الطائفي، وتوسيع الاهتمام الإعلامي بالقضايا القبطية، وإصدار قوانين صارمة ضد التمييز الطائفي أو العنف الموجه من طائفة لأخرى، وإطلاق حرية بناء الكنائس دون أي قيد إداري أو أمني.
بالإضافة لمعالجة جذور المشكلة، بتغيير دستوري يلغي التمييز في مواد الدستور التي تنص على أن دين الدولة ورئيسها الإسلام، واعتبار المقاصد الخيرة لجميع الأديان مصدراً من مصادر التشريع، وإصدار قوانين أحوال شخصية مدنية موحدة تطبق على جميع المواطنين من جميع الأديان، تكون اختيارية في المراحل الأولى، تسمح بالزواج المدني وتتبنى خير ما في الأديان المختلفة من إحكام حول الطلاق والحضانة والتبني والنفقة والميراث والوصية وغيرها...
كذلك لا بد من تأمين حرية الانتقال من دين لآخر، وهو حق مضمون في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "مادة 19: لكل شخص الحق في تغيير دينه أو معتقده..."، وهو إعلان توافق عليه جميع دول العالم لكن الدول الاستبدادية منها لا تطبق الكثير من مواده. كما لا يمكن الاستمرار في تشجيع زواج المسيحية من المسلم والتحريم التام لزواج المسيحي من المسلمة، وهو أيضاً ما ضمنه الإعلان العالمي " المادة 16: للرجل والمرأة حق التزوج دون قيد بسبب العرق او الجنسية أو الدين..".
إن ردة الفعل اللا عقلانية برفض تغيير المسيحي لدينه هي نتيجة للاحتقان الطويل، فالحل ليس في تحريم التغيير في الجانب المسيحي، بل السماح به في الجانبين. ولا يمكن التحجج بالنصوص المقدسة لرفض التغيير الملائم للعصر، إذ أن العالم بات يعتبر حرية تغيير الاعتقاد مسألة لا يمكن التهاون فيها، فعندما تم تحريم الرق في العالم، اضطر الجميع لقبول ذلك وتجاوز النصوص التي تسمح به رغم أنها لا تستحبه، وعندما قامت تونس بإلغاء الحق في تعدد الزوجات، لم تقم الدنيا وتقعد، بل اعتبر ذلك تكريساً لمفاهيم العصر والعالم التي تحترم المرأة وتساويها بالرجل.
كما أن حرية الدعوة للأديان يجب أن تكون مضمونة للجميع، إذ ليس من العدل أن تنتشر مراكز الدعوة الإسلامية في جميع أرجاء العالم، بينما التبشير المسيحي جريمة لا تغتفر في بلادنا، دون أن تعني هذه الحرية القبول بالتحول لدين آخر بالإكراه أو العنف أو بإغراءات تناقض القوانين.
إن عدم الأخذ بهذه الحلول وغيرها، يعني تجاهل النار الكامنة في الرماد وإمكانية أن تحرق السهل كله عند أول هبة ريح قادمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. داتشيا داستر: سيارة دفع رباعي بسعر معقول | عالم السرعة


.. بوناصر الطفار: كلمات لا تعرف الخوف ولا المواربة • فرانس 24 /




.. الاتحاد الأوروبي: تعيين الإستونية كالاس المدافعة الشرسة عن أ


.. ما رأي أنصار بايدن وترامب بأداء المرشحين للرئاسيات في المناظ




.. سفير ووزير وسجادة حمراء.. افتتاح مطعم فاخر في #العراق يشعل م