الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول مشاركة قوى اليسار في الثورات العربية – نظرة نقدية

عليان عليان

2011 / 12 / 5
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011


حول مشاركة قوى اليسار في الثورات العربية – نظرة نقدية

بقلم: عليان عليان

رغم الدور الطليعي والرائد للشباب في الأحزاب اليسارية بتلاوينها الماركسية والقومية والديمقراطية الثورية، في تفجير الثورات العربية في كل من مصر وتونس وغيرهما من البلدان العربية، ورغم أن هؤلاء تحملوا كلفاً عالية على صعيد دفع ضريبة الدم والاعتقال إلا أن هذا الدور لا يحسب لهذه الأحزاب، بل يحسب لما يمكن تسميتها "بظاهرة تمرد الشباب" على برامج وآليات عمل الأحزاب التي ينتمون لها .

ولا نبالغ إذ نقول أن شباب الأحزاب اليسارية في كل من مصر وتونس واليمن الذين دخلوا في ائتلافات شبابية ثورية، كان لهم الدور الرئيسي في تفجير صاعق الثورة، وفي قيادة الحراك الثوري في ميادينها وفي تقديم التضحيات الهائلة، من أجل استمراريتها حتى تحقيق أهدافها في الديمقراطية السياسية والاجتماعية.

ولا يغير من واقع هذه الصورة، ومن حقيقة هذا الدور نتائج الانتخابات في كل من تونس ومصر، التي قد نجد تفسيراً لها – خاصةً في مصر- بالخبرة التنظيمية والإمكانات المالية والسياسية والتعبوية للإخوان المسلمين ، - التي لم تتوفر لائتلافات شباب الثورة – هذا( أولاً) (وثانياً) يمكن تفسيرها أيضاً بمشاركة شباب الأخوان لاحقاً في الثورة بالضد من توجيهات قياداتهم، وبتعاطف جزء كبير من الشارع مع الأخوان المسلمين جراء تعرضهم للقمع في عهد النظام السابق (وثالثاً) وبدخول المال الخليجي السياسي بتوجيه أميركي في حلبة دعم ما يسمى بالتيار الإسلامي المعتدل، ودعم السلفيين الوهابيين الذين لم يشاركوا في الثورة، ووقفوا ضدها وشكلوا تاريخياً احتياطياً لنظام مبارك ولمباحث أمن الدولة.

لقد تخلفت الأحزاب اليسارية ببنيتها التنظيمية المتكلسة وبرامجها ودورها أيما تخلف عن المشاركة بدور قيادي في ركب ثورات الربيع العربية وبدا عليها التردد في أخذ موقف حاسم حيال الانضمام السريع لها وتوجيهها، لدرجة أن حزب مثل حزب التجمع المصري ظل يراهن حتى اللحظة الأخيرة،على مساومات مع النظام المصري عبر تشبثه بالحوار مع مدير المخابرات المصري السابق ، اللواء عمر سليمان على أمل إجراء تحسينات ديمقراطية في بنية النظام تضمن له بقية من دور.

وهذا التخلف عن ممارسة الدور القيادي والمطلوب لحركة الشارع العربي جاء متناقضاً مع الدور المتقدم، الذي لعبته هذه الأحزاب في حقبة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، في قيادة الشارع العربي عبر قياداتها وكوادرها وقواعدها وأنصارها، الذين دفعوا ثمن مواقفهم الصلبة من دمائهم، ومن حلاوة أرواحهم في سجون ومعتقلات الأنظمة الديكتاتورية، والتابعة للمركز الإمبريالي.

وفي الذاكرة الحية دور هذه الأحزاب الرئيسي في إفشال المشاريع الاستعمارية في تلك المرحلة، كمشروع تمبلر وحلف بغداد والتصدي بكل جرأة "لمبدأ أيزنهاور" بشأن ملء الفراغ بعد اندحار الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، إثر فشل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 جراء المقاومة المصرية الباسلة، وجراء الدور المميز الذي لعبه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في إدارة الصراع ضد أطراف العدوان الثلاثي في حينه .

وفي الذاكرة أيضاً دور الأحزاب الشيوعية في المشرق العربي التي عضت على جرح اضطهادها من قبل قوى قومية- وصلت إلى سدة الحكم- ، عندما دعمت هذه الأحزاب تجارب أنظمة "الاشتراكية العربية" في كل من مصر وسوريا والعراق وتحالفت معها، وقدمت في حينه أبحاثاً وحيثيات نظرية حول إمكانية تطور" المنهج اللارأسمالي" إلى الاشتراكية العلمية.

وفي التقدير الموضوعي أن تخلف أحزاب اليسار العربي في المرحلة الراهنة عن حجز موقع رئيسي لها في الثورات العربية وقيادتها يعود إلى جملة أسباب وعوامل، ممتدة في التاريخ لأكثر من عقدين من الزمن وتفسر الأزمة المستفحلة التي تعيشها منذ قبل عقد التسعينات من القرن الماضي، وتفاقمت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، وأبرز هذه الأسباب:

أولاً: غياب البعد الجماهيري في عمل هذه الأحزاب، وحصر نفسها في شرنقة نخبوية في المدن، بحيث باتت "أحزاب انتلجنسيا"مشغولة بأدبيات تاريخية أكثر من انشغالها بهموم الواقع ومتطلباته رغم أهمية هذه الأدبيات، ناهيك أنها لم توظف هذه الأدبيات في خدمة قراءة الواقع عبر المنهج المادي الجدلي، واستنباط البرامج المطلوبة التي تستجيب لتطلعات الجماهير، حيث كانت في معظمها محلقة في الهواء ولا تستند إلى قراءة علمية ودقيقة لطبيعة وخصائص الواقع المعاش في كل قطر.

ثانياً: البنية الطبقية لهذه الأحزاب: فبنية هذه الأحزاب ظلت بشكل رئيسي مقتصرة على البرجوازية الصغيرة في المدن، دونما توسع في الريف والمصانع، بحيث لم يشكل العمال والفلاحون وصغار الكسبة من الحرفيين سوى نسبة ضئيلة من بنية هذه الأحزاب، رغم أن هذه الأحزاب تدعي تمثيلها للطبقة العاملة ولفقراء الفلاحين والمسحوقين.

ثالثاً: البنية التنظيمية: اللافت للنظر أن هذه الأحزاب بما فيها القومية طبقت في أنظمتها الداخلية بدقة بالغة، المنهج الستاليني وليس اللينيني في العمل التنظيمي والحياة الحزبية الداخلية، ناهيك أنها لم تطور العمل التنظيمي ارتباطاً بخصوصيات الواقع والمرحلة.

وفي ضوء تطبيقها للمنهج الستاليني القائم بشكل فظ على " المركزية الديمقراطية" الذي هو في الواقع والممارسة "مركزية مفرطة" تم ضرب الحياة الديمقراطية التي تنمو من خلالها الملاكات الفكرية والقيادية والنضالية، وبات الحزب في كثير من الأحيان مختصر في شخص أمينه العام، الذي يجري التجديد له تباعاً عبر تعديلات مستمرة في النظام الداخلي" الامين العام من المهد إلى اللحد" وبحيث بات منظرو أهل السلطات الديكتاتورية الفاسدة والمستبدة سواءً في السياق الملكي او الجملوكي يعيرون أحزاب اليسار بقولهم:" ما بالكم تنادون بتداول السلطة في الحكم، ولا تطبقونه على أنفسكم".

ونادراً ما حصل توازن ما بين المركزية والديمقراطية في عمل هذه الاحزاب بحيث يجري تغليب الجانب الديمقراطي في ظروف وتغليب الجانب المركزي في ظروف محددة، ومن ثم تحولت هذه الأحزاب إلى حالة أشبه بمعسكرات الجيش، القائد يأمر والجنود ينفذون بطاعة عمياء.

يضاف إلى ذلك أن المؤتمرات التي يتم عقدها لمراجعة تجربة الحزب واشتقاق البرامج، لا تعقد في مواعيدها المحددة وتؤجل ريثما يتم ترتيب الأمور لمصلحة التجديد للامين العام، ومن يقف معه من الكهول سواء في المكتب السياسي أو اللجنة المركزية عبر قائمة ترشيحات المركز، التي تتجاهل وعي القواعد ودورها في توليد قيادات وملاكات فكرية وسياسية.

وترتب على ما تقدم إقصاء جيل الشباب عن أخذ دوره في القيادة وصياغة مستقبل الحزب، مع استثناء البعض منهم الذي قبل بعملية التدجين وأتقن بحرفية وانتهازية بالغة استخدام كلمة "نعم" بدلاً من كلمة" لا ".

رابعاً: عدم اشتقاق وسائل النضال والتغيير المطلوبة، وعدم رفع الشعار النضالي السياسي المطلوب وفقاً لمقتضيات المرحلة، وقبولها لأن تلعب دور التابع في الجبهات الوطنية التي يوظفها هذا النظام وغيره كديكور سياسي له ليس أكثر، ما جعلها تتحمل وزر أخطاء ذلك النظام ومن ثم تحقيق الخسائر الهائلة في البعد الجماهيري مما أفقدها الكثير من مصداقيتها.

خامساً: التكلس الإعلامي: فالإعلام هو أداة رئيسية من أدوات التواصل مع القاعدة الحزبية ومع الجماهير، وسبق للينين أن أكد بشكل خاص على هذه المسألة، لكن تجربة الإعلام في هذه الأحزاب لا زالت تنتمي للماضي البعيد، ولا تلبي التواصل مع الجمهور إن على صعيد إيصال الموقف،أو على صعيد تحسس هموم الجماهير والتعبير عن مطالبها، أو على صعيد تعبئتها نضالياً لتحقيق مطالبها ومصالحها في التغيير، ناهيك أنها لم تطور كادراً مهنياً بهذه الخصوص ولم تطور تقنياتها الإعلامية في إطار الاستفادة من ثورة الاتصالات التي تعم العالم اجمع.

سادساً: حالة التشرذم والانشقاقات غير المبررة التي سادت الأحزاب اليسارية مما أضعف حضورها وأفقدها مصداقيتها، وفي الذاكرة على سبيل المثال لا الحصر انشقاق فريق نايف حواتمة عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مما سهل مهمة اليمين الفلسطيني في الاستمرار في قيادة منظمة التحرير وحرف برنامجها السياسي، وفي الذاكرة أيضاً انشقاقات الحزب الشيوعي السوري لأسباب واهية، التي جعلت من الفصائل المنشقة مجرد أرقام تابعة للحزب قائد الدولة والمجتمع.

سابعاً: فشل أو عدم سعي التشكيلات اليسارية في كل قطر لبناء مركز يساري موحد" إطار جبهوي"، ينجم عنه برنامج مشترك وأداة إعلامية موحدة، ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل لجأت العديد من الفصائل اليسارية في هذا القطر أو ذاك، إلى التنسيق مع أحزاب إسلاموية وليبرالية ويمينية في انتخابات نقابية، وفي مواقف سياسية في مواجهة فصائل يسارية أخرى !!

ما تقدم جعل من هذه الأحزاب متخلفة عن حركة الواقع وجعلها عاجزة عن التقاط اللحظة الراهنة - التي هي أشبه بالبرق- ومن ثم فشلها في قيادة حركة الشارع، عندما تصل التناقضات إلى نقطة التأزيم المؤدية لا محالة إلى الثورة.

ولا أبالغ إذ أقول أن هذا التوصيف في العوامل سالفة الذكر ينطبق على معظم أحزاب اليسار في الوطن العربي، سواءً في مصر أو سوريا أو تونس أو الأردن أو في فلسطين وغيرها- مع بعض الاستثناءات هنا وهناك فيما يخص بعض الأحزاب والتشكيلات اليسارية الفتية - ومن ثم فإن البحث عن مبررات الفشل في الانتخابات البرلمانية بعد نجاح المرحلة الأولى من الثورة سواءً في مصر أو تونس من نوع: عدم التوحد في قائمة واحدة، والانشغال في الاعتصام المستمر، ورفع البعض شعار مقاطعة الانتخابات ألخ، فإنه وإن كان يفسر جزئياً الفشل، إلا أن جوهر الفشل يعود إلى الأسباب سالفة الذكر الأمر الذي يقتضي من قوى اليسار العربي إجراء مراجعة نقدية جريئة لتجربتها على مدار عدة عقود، واستخلاص الدروس لتجاوز الثغرات والخطايا القاتلة في عمل هذه الأحزاب على مختلف الصعد التعبوية الجماهيرية والتنظيمية والديمقراطية والتحالفية، ولتطوير خطابها السياسي وتحديث طرحها النظري انسجاماً مع حقائق العصر، وخصائص الواقع في كل قطر على حدة ومن ثم العمل على بناء مركز يساري موحد في كل قطر بأدوات إعلامية وبرنامجية وتعبوية موحدة، لتمكينه من تحقيق التحول الديمقراطي الحقيقي وإنجاز التغيير المنشود .

واللافت للنظر أنه في الوقت الذي يموج فيه الشارع العربي في مختلف الأقطار العربية بالثورة، نرى الشارع الفلسطيني اليساري يتخلف عن القيام بمهامه في هذه المرحلة لإحداث تغيير جوهري أو حتى نسبي في برنامج، ومسار الحركة الوطنية الفلسطينية بعد أن شكل في عقد السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي رافعة للنضال العربي، وفي الذاكرة الوصف الذي أطلقه الشهيد الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بأنها رافد أساسي من روافد حركة التحرر العربية ومن روافد الماركسية- اللينينية.

وأخيراً فإن حصول قوى التيار الإسلاموي في مصر وتونس على نصيب الأسد في الانتخابات البرلمانية بعد الثورة، ليس نهاية المطاف أو نهاية التاريخ خاصة وأن برامج هذا التيار لا تستجيب للأهداف والقضايا التي قامت من اجلها الثورة، على صعيد الحريات والعدالة الاجتماعية وغيرها ما يمكن قوى اليسار- إذا ما نهضت من كبوتها - من أخذ زمام المبادرة خاصة أنها هي صاحبة النهج الحقيقي في التغيير.

ولعل نظرة على برنامج حزب العدالة والحرية الإسلاموي في مصر والذي خاض على أساسه الانتخابات، مقارنة مع برامج اليسار تبين من هو صاحب البرنامج الحقيقي، الذي يحقق مصلحة الشعب وقضاياه المختلفة، كما توفر قراءة برنامج هذا الحزب حافزاً لقوى اليسار لأن تنتزع الدور الذي يليق بها.

فبرنامج هذا الحزب" حزب العدالة والحرية" تحدث عن ترشيد الخصخصة، دون أن يأت على دور القطاع العام، وضرورة استرداد دوره ودون أن يأت على إعادة الاعتبار للإصلاح الزراعي وعلى استرداد الأراضي المنهوبة والمباعة بأسعار شبه مجانية، ودون أن يأت على مجانية التعليم، ودون أن يأت على ذكر ما يزيد عن عشرة آلاف شاب من شباب الثورة، يحاكمون أمام المحاكم العسكرية ناهيك أنه لم يتحدث عن إلغاء صفقة الغاز شبه المجانية مع الكيان الصهيوني، وتحدث فقط عن ضرورة تعديل المعادلة السعرية ولم يأت على ذكر إعادة النظر في معاهدة كامب ديفيد المذلة لجهة تجميدها أو تعديلها أو إلغائها، بل تحدث بشكل عام عن تعديل الاتفاقات بشكل عادل لضمان مصلحة جميع الأطراف!!؟

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حول موضوعات اليسار العربي
باسم يعقوب ( 2012 / 4 / 30 - 21:47 )
استاذ عليان ,تحياتي الحاره .
لقد وضعت النقاط على الحروف بمقالكم الموفق حول اليسار واسباب اخفاقه في بعض الدول العربية التي شهدت تحركات وهبات شعبيه .
ارى ضرورة الكتابه المستفيضه عن اليسار الفلسطيني ووحدته , الى متى سيبقى مبعثرا تابعا بهيئاته وبرامجه لليمين الفلسطني ؟ تحياتي الحاره لكم .

اخر الافلام

.. -أفريكا إنتليجنس-: صفقة مرتقبة تحصل بموجبها إيران على اليورا


.. ما التكتيكات التي تستخدمها فصائل المقاومة عند استهداف مواقع




.. بمناسبة عيد العمال.. مظاهرات في باريس تندد بما وصفوها حرب ال


.. الدكتور المصري حسام موافي يثير الجدل بقبلة على يد محمد أبو ا




.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة