الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد الرزاق السيد أحمد السامرائي.. في مقهى الزهاوي

وديع العبيدي

2011 / 12 / 4
سيرة ذاتية


عبد الرزاق السيد أحمد السامرائي.. في مقهى الزهاوي
مقهى الزهاوي شبه بيضوية من الخارج ملتفة في زاوية شارع الرشيد، تحسبها فارهة من وراء الزجاج، ولكنها عند الدخول تجد أنها لا تتجاوز ثلاثة أمتار بالعمق (قنفة ونص)، بينما تستعرض بالطول حوالي سبعة أمتار، هذا ما اكتشفته حين خطوت داخلها أول مرة.. تجاوزت المدخل فوجدت نفسي أمام نظرات صاحب المقهى الاستفهامية ولم يكن أمامي غير الانحراف يمينا أو شمالا للاستمرار في الخطو والوقوع على مكان شاغر.. جهة اليسار ضيقة فاتجهت يمينا.. في (الخانة) الأولى وراء مجلس صاحب المقهى كانت أريكتان متقابلتان.. كان شيخ أشيب يرفع رأسه نحوي.. حياني وهو يقول (تفضل).. وكان المكان إلى جانبه خاليا.. جلست في ركن (القنفة) مستجمعا غربتي ورغبتي في اكتشاف أسرار المكان.. بعد قليل سألني الجار..
- يمكن أول مرة تيجي اهنا..
- ايه..
- أهلا وسهلا..
- أهلا بيك..
- تعرف أحد اهنا.. جاي اتشوفه..
- لا.. هيج..
نادى على النادل قائلا له..
- شاي للاستاذ..
- اشكرك..
- حضرتك كاتب.. صحفي..
- شاعر..
- تشتغل بجريدة؟..
- لا..
- أهلا وسهلا بيك..
- وحضرتك.. تكتب..
- عبد الرزاق السيد أحمد السامرائي.. قاص متقاعد..
- اتشرف بيك..
ولم أمسك نفسي عن الابتسام لعبارة (قاص متقاعد).. التفت إليه فوجدته يبتسم أيضا وعلّق..
- كل اللي هنا متقاعدين.. مقهى الزهاوي للمتقاعدين..
- ...
- تكتب شعر عمودي لو حرّ..
- حرّ..
- منا طلع الشعر الحرّ.. اهنا كان يكَعد المرحوم السيّاب.. والبياتي.. وحسين مردان.. اهناك جوه ذيك الصورة المعلكه كان يكًعد المرحوم جميل صدقي الزهاوي.. فيلسوف العراق..
- تاريخ غني..
وهكذا دار الحديث، وتكررت زياراتي للمقهى ولقاءاتي مع (أبي أحمد) ومن خلاله تعرفت إلى بقية رواد المقهى الذين مررت على بعضهم حتى الآن..
الاستاذ عبد الرزاق السيد أحمد السامرائي من مواليد بعقوبة/ ديالى في (1929) انتقل إلى بغداد عام 1945 وكان عمله في مصلحة التلفونات حسب اسمها القديم حتى تقاعده من الخدمة. وللأستاذ عبد الرزاق مساهمة مبكرة في مكاتب الأعلان والعاملين في هذا المجال. وكان له مكتب خاص به هو مكتب (منى للاعلان والنشر والتوزيع)، له نشاط ومساهمة في الحياة الثقافية ومن آثاره اصدار مجلة فنية، نشر فيها وفي غيرها من الصحف والمجلات الأدبية بعضا من قصائده الشعرية، الغزلية غالبا. كما صدر له كتابان قصصيان في أوائل الخمسينيات.
كان الاستاذ السامرائي أحد رواد مقهى الزهاوي البارزين، ولكنه كان متميزا عنهم، بكونه همزة الوصل بين عالم المقهى ومتقاعديه وبين حركة الراهن الثقافي خارج المقهى والأجيال الأحدث سنا. الاصدارات الحديثة والمقالات والدراسات والنصوص المميزة كانت تدخل المقهى عن طريقه ومن خلال شبكة علاقاته الواسعة والحيوية كان ضابط الارتباط الثقافي بين جمهرة المثقفين والأكادميين من أجيال ما قبل الستينيات والخميسنيات. شاع عنه لقب (سفير الأدب) واعترافا بدوره في ترسيخ الروابط الثقافية والاجتماعية عبر اهتمامه بزيارة الأدباء والأعلام مما جعل منه محورا للعائلة الأدبية التي لولاه – لولا أمثاله- لانقطعت الأواصر بين الأدباء كبار السن أو ثقيلي الحركة بسبب ظروفهم الصحية أو الأمنية. وقد اختلف في شخص أول من أطلق عليه تلك التسمية وانحصرت بين كل من الدكتور نوري القيسي والأستاذ عبد الهادي الفكيكي.
(سفير الأدب) كانت نتاجا وموضوعا لسلسة مطولة من المخاطبات الشعرية التي تدخل في باب (الأخوانيات)، وذلك في إطار الشكر والثناء على اهداء كتاب أو توصيل رسالة، وقد شارك في تلك القصيدة الأخوانية المطولة عدد كبير من الأدباء والشعراء مما شكل ثناء وتقديرا لشخص الأستاذ عبد الرزاق السيد أحمد السامرائي المكنى بالسيد (أبي أحمد) أسم ابنه. ومن جملة المشاركين فيها كل من: الدكتور نوري حمودي القيسي، عبد الهادي الفكيكي، اسماعيل القاضي، علي حيدر، وديع العبيدي، خضر الولي، عبد الجبار محمود السامرائي، كريم الخطاط، حامد البازي، وأخرين لا تحضرني أسماؤهم.
(سفير الأدب) لم يكن لقبا وجاهيا وانما اعترافا بدور الناشط الثقافي الذي يقود حراكا ثقافيا ويساهم في تطوير العملية الثقافية بفعل توصيله عرى الأفكار والأنشطة والأشخاص. نجح في تحويل جمهرة علاقاته الأدبية إلى عائلة متصلة ببعضها تتبادل السؤال والأفكار والاصدارات وتلتقي بما يغني الحياة الثقافية والفكرية. ان أهمية هذا الدور قد لا تكون واضحة لمن لا يتصور طبيعة الحياة السياسية والظروف الأمنية شديدة الحساسية لكثير من الشخصيات الأدبية والصحفية والسياسية من أبناء العهود السياسية السابقة. وغير قليل من تلك الشخصيات كانت خاضعة للمراقبة الأمنية مثل الاستاذ عبد الهادي الفكيكي (مثلا) أو ممنوعة من الاتصال بأحد مثل الأستاذ المنلوجست عزيز علي (مثلا) بعد اطلاق سراحه من السجن بشروط خاصة، أو الاستاذ الدكتور خالد العزي بعد إحالته على التقاعد من العمل الدبلوماسي، أو شخصيات صعبة الحركة اضافة إلى وضعها المحترز كالاستاذ العلامة محمد بهجت الأثري، ذلك بالاضافة لكثير من رواد المقهى المتقاعدين كما سبق التعريف ببعضهم.
صحيح أن (كلّ عراقي متهم حتى تثبت براءته) في الفكر السياسي لتلك المرحلة، إلا أن كثيرا من المحسوبين على ما دعي بالعهد البائد أو السابق من ناشطين أو مستقلين كانوا يعانون وضعا أمنيا شائكا. ولم يكن أحد من السذاجة يومذاك بحيث يثير لنفسه مشكلة أو شكوكا سياسية. بل أن الأستاذ عبد الرزاق السامرائي، وهو شقيق الأستاذ الدكتور يوسف عزالدين الأمين العام السابق للمجمع العلمي العراقي الاستاذ في جامعة الطائف (كلية التربية) يومذاك، لم يكن خارج دائرة الشكوك تلك.
لندن
في الثالث من ديسمبر 2011
ـــــــــــــــــــــــ
• وديع العبيدي- جنى الأوراق من أدب عبد الرزاق (السامرائي).. دراسة وسيرة.. تقديم: د. نوري حمودي القيسي / 1999- هولنده/ لايدن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?غرب وا?طرف الخناقات بين ا?شهر الكوبلز على السوشيال ميديا


.. عاجل | غارات إسرائيلية جديدة بالقرب من مطار رفيق الحريري الد




.. نقل جريحتين من موقع الهجوم على المحطة المركزية في بئر السبع


.. سياق | الانقسام السياسي الإسرائيلي بعد حرب 7 أكتوبر




.. تونس.. بدء التصويت لاختيار رئيس الدولة