الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رعد وبرق

فريد الحبوب

2011 / 12 / 4
الادب والفن



تسع سنين وهي تحبه وروحها تقرأ أشعاره وتلصق رسائله على صدرها مثل لوح المراكب وهو يصد الأمواج، وما كانت ترخي قبضتها خوفاً من إن تفر الكلمات من الأوراق وتُفلت الأحلام، كانت ترتب اللقاءات في ذهنها حسب أزمنتها كما لو أنها ترعى براعم أو تروي قصصٍ للأطفال. حاولت مراراً وتكراراً عبر تلك السنوات من العلاقة الحميمة بينهما مخاطبة نفسها بأفكار متناسقة ومضطربة من أجل أن تمنحه قبله أو عناق خلف أسوار الأماكن التي كانوا يسمونها (الصدغ النبيل) ألا إن ذلك لم يحصل ربما لان مدية الخوف التي كانت تحز ضميرها نحو ألأهل أو لشعورها إذا منحتهُ قبله ستخسر الكثير من رصيدها البهي في عينيه وتتكور في نفسه فكرة خاطئة كانت تقول له (حين أكون زوجتك سأمنحك ما تشاء ) وتبتسم فيما هو يغضب ويقول (هل أبدو لكِ رجلٌ شرير) كانوا يتغازلون بالقبل وأفواههم مفتوحة مرة حين يذوب كلاً منهما في ألأخر ومرة حين تعلو أصواتهما بتبادل التهم وهكذا تنتهي معظم لقائهم بخاتمة صراع القبلة .
انتهى النهار ولم تعد تفكر بتسلسل الأشياء التي مروا بها سويتاً وكيف انتهوا إلى مواعيد تقف على مفترق طرق، أما إن يحيا معاً أو تبقى الجروح بلا شفاء، لم تبقى ألا ساعات قليله جداً لسماع الرد ، كان عليها أن تعود من أقصى الأمنيات، الأمنيات التي تتغير نبرتها الحنونة والرقيقة فجأة بمجرد إن يمر على الفرد لحظة حقيقةَ ساخطة تحولها إلى سخافات أو فصل مسرحية مأساوي. كان عليها إن تعود من أغاني الحب وسرب الطيور وطعم الرمان وتشم الواقع من قرارة روحها وعقلها الزهيد أمام أحاسيسها وجمال وجه الحبيب كانت تعلم علم اليقين إن في هذه ألليله ستحصل على رد أو ينبئها الحب الذي ما برح يغمرها بالتأوهات والأحلام الندية منذ عرفته. كان الأخ الأكبر غير متفائل وظن إن الرد سيتأخر وسيتغير كل شيء وقد تنقلب الأمور ولن يكون هناك رد .اللحظات المفعمة بأحاسيس الحب تمر مؤلمة غيرت لون وجهها وانبرت ملامح القلق بقوة هنا وهناك حين تذهب يمنياً ويساراً كأنها على خشية مسرح وقد أثرت بها بالغ التأثير دموع يائسة انسكبت، وابتسامة ترطب بها خديها حين تومض حول معصميها قبضة يداه، كانت تتحدث ...الساعة يا ويلي أنتِ متآمرة علي أيتها الساعة ، تحملين في طياتك اللحظة الحاسمة والحقيقة التي لم تعد تصلح إن تكون سريراً لأحلامي فرخام قلبي هجرته الظلال والقمر نام واختفى عاشقاً للأحلام....الساعة ...الساعة...
_نامي قد تنقذك الأحلام من هول التكهنات ...قال أخوها ذلك وحاول إن يتوارى عن عيونها المبللة بالصبر والتراتيل التي تبدأ وتنتهي بصور الرد الذي سيأتي وأن طال الليل وهبط الملل على ضفائر شعرها وهي تخفي منذ ساعتين ارتجاف أصابعها والقلق الذي بدء يتبدد على محيا وجهها، كانت تتنفس بصعوبة وقلبها يخفق بشدة كما لو أن احد أضلاعها قد كُسر . نهضت من سريرها الصغير وبقى الضجر معلق على شباكها الخامل اللون وسقطت صورة الحمام الطائر شعرت بالحزن لسقوط اللوحة وهي التي كانت تنادي ذلك الحمام في الليل..لا تطيري أيتها الحمائم غداً سأروض الريح كي تكون جناحاي التي تأخذني إليك...أنها الجملة التي غالباً ما تراود لسانها وتلفظها بهمس قرب إذني اللوحة حين يكون هناك موعد بينهما في اليوم التالي.
جلست أختها الكبيرة بجانب رسائل كثيرة وأوراق مملوءة بحشد من الإشعار والكلمات الاهبة بالحب ، رفعت رأسها بعد إن قرأت أكثر من قصيدتين وهذه المرة الأولى التي تسمح بها لآختها إن تقرأ رسائل حبيبها ..ونبست تتكلم بصوت هادئ وحذر... شعرت أنهم غير راضون كانت أمهُ تنظر إليك بشزر أما أخته ذات العنق الطويل والملامح المنكسرة فكانت تتغامز معها بشيء من عدم الرضا إلا أن أخواته الأخريات كن لطيفات وقد نظرن إليك بحبور وسعادة كبيرة، سمعت أحداهن تقول للأخرى أنها رائعة وجميلة أنها تستحق كل ما كان يقضيه من وقت في كتابة الرسائل والكلام الطويل عنها أمامنا.
أصابها شيء من الدهشة لحديث أختها، كم هو مؤلم إن يدرك الإنسان أنه غير محبوب. _((أرجوك لا تغيظيني أنا بحاجة إلى مواساة وليس إلى تهديد)) وأخذ الفزع ينساب في ضميرها ونفاذ صبرها يوغل في عيونها الشهلاء ووجنتيها المحمرتين ضاعتا حين غطست بوجهها في رسالته الأخيرة وبكت يصوتٍ عال... كان نحيب إلى حد ما !.
مدت ألأخت يدها لتساعدها على النهوض ضغطت على يدها وأحست بحرارة كبيرة وهتفت (( ليس فيك قصور. توقفي أرجوك أنهضي لا يعوزك سوى إن يأتي الموت ليزروك في فراشك)).
صاح والدها .. (هاتفك يرن منذ عشر دقائق ).. هرعت نحو الهاتف الذي لم تكن تدري أين وضعته في مجيئها وذهابها ، تعثرت بثوبها ألأصفر الذي تجلت فيه فتاة بغاية الجمال تفوق الوصف، أجابت ((الو))وكانت إحدى صديقاتها هي المتصلة تريد الاطمئنان ومعرفة الرد. الرد المنتظر الذي أشعرها بشيء من الخيبة ورغم هذا فأنه لا مناص من قرار يشعل قلبها فرحاً أو يطمر حياتها بالحزن والانهزام. أجابت بكلمة واحدة ..لا ... وأغلقت الهاتف.عادة لغرفتها وجلست محاولة إزالة أثار شدة القلق والاضطراب الماجن على كل تحركاتها .
تبادلت الحديث هي وأختها واستغرقا في أنه لو كان الرد غير ما تتمناه ماذا سيحدث وما الذي ستفعله هل ستنتحر ....صمتت طويلاً (يا ألهي حين رأيت الشمس تجنح للمغيب أحسست أنني لن أرى النور ثانيتاً) كانت تقول عبارة تلو عبارة وأختها تشفق عليها ركعت عند ركبتيها تتوسلها إن تتصل به وتعرف ما هو الرد .لا أحد يعرف الرد
_ ( أرجوك أختي افعلي ما يمكن فعله) .كانت تتكور وتنهار كما لو أنها بقايا موقد مدخنة بقيت مشتعلة طوال الليل.
لماذا لا يتصل ....تسألت ثم أردفت تتكلم بنبره مهزوزة ألم يكن يحبني تسعة أعوام وكنا نرتل ألاغاني ليومنا هذا ..لهذه الليلة التعيسة على نفسي ... لا أدري أن كان قد نام الآن ....هدئت قليلاً ثم عادت تصرخ سأحرق نفسي أنا لا أساوي عند نفسي شيئاً، سأجعل من قلبي الذي أدبني إن أكون محبه بلا حدود وحثني على إن أعيش لوعة الحب بكل ثقلها وأحزانها ..... تمشت في ممر البيت وأختها تتابع خطواتها أثر في اثر ومر الوقت سريعاً في ظل تنهداتها الطويلة .
_أريد إن أعرف ألان الرد ..ألان فوراً
_ وكيف
_سأتصل به أنا وأسائلهُ إن كان أهله قد قبلوا أن أكون زوجة ولدهم الوحيد.
_سوف تعطين انطباعا سيئاً له لا تكوني عجوله لا ترمي بثقلكِ وتعطيه المبرر في إن يكون هو السيد المتفاخر بحنوك وخنوعك له.
_مراً كان اليوم منذ بدايته وأخشى أن ينتهي بمرارةٍ أكثر ، لا تزيديني لوعة المهم إن أحصل على جواب .
أطفئن مصابيح البيت وحاول والديها النوم وهما يرأفان لحال أبنتهما ويفكران بالرد الذي سيأتي عاجلاً أم أجلا، اقتربت الساعة من الواحدة بعد منتصف الليل ووشوش الشؤم في أذنيها كيفما شاء وراح يدندن مما دفعها للهروب صوب سطح المنزل نظرت إلى النهر وبعض المراكب التي شغفها ضوء القمر فنام أغلبها على عتبة الجرف المكسو بأكوام الحشائش وهي ذابلة ترسل صيحات الحزن على ما أل إليه شكل الجرف بعد إن فقد كل الصفصاف والزهور. لم تخشى البرد القارص في تلك ألليله ووقفت مثل أميره للحظات تلاشى فيها خضم من الأحزان والاضطراب وحاكت دخان أبيض تعالى من الضفة ألأخرى للنهر طال السماء... أيتها النجوم هل لك فكره عن عذابي الذي ذوبني.....
فجأةٍ وضع الهواء الرطب قبلة على راحتيها ولثم اليأس صبرها الطويل وامتلأ بالدموع دلو حجرها ولم تعد تشعر بالأوجاع في ظل ألأنين. إدارات عينيها هنا وهناك وتنكرت النجوم لندائها وتوارى النهر في ظلام دامس.... غمغمات مجهولة...
كانت تخاطب أحاسيسها ...كم من أشياء على هذه الأرض لم أفهمها وأظن لم يعد هناك متسع من الوقت كي أفهمها، وهل أخطأت في صرف عمري وخيالي بهذا الحب.أواه..ليتني أستطيع نفي ما تبقى من العمر.
رن جرس الهاتف وهرعت أختها لإحضاره، مسكت الهاتف وأجابت بصوت غير مطمئن وخائف، كانت يداها ترتعش (هل وافقوا، هل قبلوا بالزواج). كان الرد سريع ومقتضب وهمس بأذنها ...
_صوت متعجرف فيه سحنة دناءة _((لن أطيل عليك أخفاء الحقيقة ،سوف لن يكون هناك زواج....!)).
صمت الاثنان وسقط الهاتف مثل مسدس تهاوى من يد قاتل بدون عمد، سارت نحو غرفتها المظلمة لمت بيديها الشاحبتين جميع الأوراق والقصائد. وراحت أختها تساعدها في جمعهم خرجا إلى الحديقة ووضعتهم ككومة قش وأوقدتهم حتى تحولا ناراً عاليه بعضها صار رعد وبعضها صار برق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع


.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي




.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل


.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج




.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما