الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قرار التقسيم- والخيارات الصعبة

عصام مخول

2011 / 12 / 4
القضية الفلسطينية


التاسع والعشرون من نوفمبر 1947 شكل لحظة حاسمة في قضية فلسطين ، وفي قضية الشعب الفلسطيني ومعركته على مصيره وعلى مستقبله. وشكل نقطة تحول في تاريخ البلاد ، وفي صياغة الخارطة الجغرافية والسياسية في المنطقة. وشكلت تداعيات القرار الدولي وإعلان قيام إسرائيل خلال نصف عام في حدود أوسع من الحدود التي أقرها قرار الجمعية العمومية ، محور الصراع الإسرائيلي العربي ومعالم حله حتى يومنا هذا. وجعلت التطورات من المنطقة مسرحا مركزيا للصراع، بين المشاريع الامبريالية العالمية المتحالفة مع الصهيونية والرجعية العربية، وبين مناهضيها . فقبل أربعة وستين عاما تم إقرار قرار التقسيم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بشأن فلسطين. وحدد موقف المنظومة الدولية بشأن إنهاء الانتداب البريطاني ، وإقامة دولتين عربية ويهودية في فلسطين.
وفي الوقت الذي قبلت فيه القيادة الصهيونية قرار التقسيم رسميا، فإنها رأت به مقدمة، وليس بديلا ، عن تنفيذ مشروعها التوسعي المبيت المتواطئ مع الانتداب البريطاني، لاحتلال كل ما تطاله قواتها العسكرية ومن يدور في فلكها من عصابات إرهابية، من خلال عمليات التطهير والتشريد والتفريغ المبرمج للشعب الفلسطيني واقتلاعه من وطنه. وفي الوقت ذاته فإن الرجعية العربية ، التي رفضت قرار التقسيم رسميا،( ممثلة بالنظام العربي الرسمي وجامعة الدول العربية)، قامت بإرسال جيوشها (غير الجاهزة وغير المجهزة ) إلى فلسطين، لتصادر قرار الشعب الفلسطيني وطموحاته الوطنية ولتجمع أسلحته ، لحرمانه من حقه الأولي حتى في الدفاع عن وطنه . ولم يعد خافيا أن الجيوش العربية لم تدخل إلى فلسطين لمنع قيام الدولة اليهودية وإنما دخلت وأخذت مواقعها لتمنع قيام الدولة العربية وتستبقه. وشكلت ذريعة بررت بها القيادة الصهيونية أمام العالم مشروعها التوسعي المبيت والمخطط مسبقا للاستيلاء على فلسطين .
ويسود الانطباع الخاطئ لدى الكثيرين، بعضهم عن سوء نية وبعضهم عن عدم اطلاع ، وكأن الحل القائم على تقسيم فلسطين والذي انعكس في قرار الجمعية العمومية في 29 نوفمبر 1947 ، هو خيار الشيوعيين الفكري والسياسي . وأن رفض التقسيم ، هو مشروع القوميين ومشروع النظام العربي القومي الرسمي. بينما العكس هو الصحيح . فالشيوعيون في فلسطين : الشيوعيون اليهود المنظمون في حينه في الحزب الشيوعي الفلسطيني ، والشيوعيون العرب وحلفاؤهم المنظمون منذ العام 1943 في عصبة التحرر الوطني ، كانوا القوة الأكثر مثابرة على الساحة الفلسطينية والعربية في رفض فكرة تقسيم فلسطين، وطرحوا مشروعا ديمقراطيا ووطنيا بديلا، وتمسكوا على طول الطريق، بحل العقدة الفلسطينية من خلال إنهاء الانتداب البريطاني و"اقامة دولة مستقلة ديمقراطية موحدة لجميع سكانها" ، وفق صيغة عصبة التحرر الوطني . أو "دولة ديمقراطية واحدة ثنائية القومية" ، وفق صيغة الحزب الشيوعي الفلسطيني.
ولم يتوقف الشيوعيون عن التحذير وحتى اللحظة الأخيرة من خطر التقسيم ، واعتبروا أن نهج القيادة التقليدية في استرضاء الاستعمار البريطاني ومنافسة الصهيونية على كسب وده بدلا من مقاومته ، ورفض هذه القيادة نقل قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة، كقضية تحرر وطني وليس قضية اقتتال اثني ، كما جهدت بريطانيا والدول الامبريالية على تصويرها ، سيؤدي بالضرورة إلى تقسيم فلسطين. وحذر الشيوعيون بقوة وعلى الملأ، من أن استمرار القيادة العربية في رفض الحل الديمقراطي الذي يقترحونه، في دولة واحدة لجميع سكانها، أو في دولة مستقلة ثنائية القومية في فلسطين، يحمّل هذه القيادة المسؤولية عن خلق الظروف المواتية لتقسيم فلسطين وإجهاض حق الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال.


الموقف المبدئي للشيوعيين اليهود والعرب ضد التقسيم!قبل عام فقط من قرار التقسيم عقد الحزب الشيوعي الفلسطيني (الذي ضم الشيوعيين اليهود في هذه المرحلة) مؤتمره العاشر في أواخر شهر نوفمبر 1946 ، وقدم القائد الشيوعي البارز في تاريخ الحزب ماير فلنر التحليل السياسي ، وتطرق في إطاره الى مسألة التقسيم ، وقال: "يعيش شعبان في هذه البلاد ولهما مصالح مشتركة. مستقبلهما منوط بقيام دولة ديمقراطية غير منحازة"... وأضاف: "لا يمكن ان تقوم في البلاد دولة عربية صرف. ولا يمكن ان تقوم دولة عبرية. فاليهود والعرب يعيشون بشكل مشترك في كل أنحاء البلاد. ومن غير الممكن الفصل بينهم لا جغرافيا ولا اقتصاديا.". وقال:"إن أي مشروع لتقسيم البلاد، من شأنه فقط أن يؤجج العداء القومي، وأن يعمق المصاعب الاقتصادية، وأن يصعد من اضطهاد الحكم الأجنبي الذي سيعرض نفسه وسيطا وحكما يقضي بين شعبين متخاصمين." وأضاف فلنر في مداخلته:"إن الطريق الوحيد للحل يكمن في إقامة دولة عربية- يهودية، ديمقراطية ومستقلة، يتمتع فيها اليهود والعرب بالمساواة الكاملة في الحقوق.... إن الدولة الديمقراطية لن تتحقق ما لم تناضل الجماهير اليهودية والعربية ، كتفا الى كتف ضد الامبريالية وعملائها داخل الشعبين."
وفي الأول من أيلول 1947 قبل أقل من ثلاثة أشهر من صدور قرار التقسيم ، نشرت صحيفة الحزب الشيوعي الفلسطيني "كول هعام" ، موقف الحزب من توصيات الأكثرية في اللجنة الدولية لتقصي الحقائق في فلسطين –اليونسكوب - والتي زارت فلسطين في تموز من العام نفسه ، وأوصت الامم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين فكتبت "كول هعام": " مع نشر توصيات اللجنة الدولية بشأن مستقبل البلاد يجب القول بشكل واضح: إن توصيات الأكثرية في اللجنة الدولية ليست منطقية وغير قابلة للتطبيق. صحيح أنها أوصت بتقسيم "جيد"، لكنه "جيد"إلى درجة لم يكن بن غوريون يحلم بها . فحتى الوكالة اليهودية نفسها لم تطالب بأن تكون يافا وبئر السبع في إطار الدولة اليهودية". وأضافت "كول هعام" :"إن اقتراح الأكثرية في اللجنة الدولية لا يحقق الاستقلال القومي لا لليهود ولا للعرب ، وإنما يضع الأسس للسيطرة الأجنبية على كلا الشعبين."
وفي السياق نفسه كتبت جريدة الاتحاد الصادرة عن عصبة التحرر الوطني في 19.10.1947 ردا على تصريح غروميكو ممثل الاتحاد السوفييتي في الامم المتحدة :" منذ تصريح غروميكو تبين أن موقف الاتحاد السوفيتي من مستقبل البلاد يقوم على إحدى إمكانيتين : إما الحل من خلال التفاهم اليهودي العربي على أساس إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة، وإما التقسيم ، ولا يوجد طريق ثالث .. إن الإتحاد السوفيتي أعلن موقفه هذا مع العلم بأن الخيار الأول غير وارد في ظل المؤامرات الامبريالية والصهيونية ، وهو ما يعني قبول التقسيم ، برغم أن التقسيم هو الحل الأسوأ".
وتضيف "الاتحاد" : "نحن لا نقبل موقف الاتحاد السوفييتي هذا بشأن القضية الفلسطينية. ونحن على قناعة بأن التقسيم هو حل غير عادل يحاولون فرضه على سكان البلاد من دون الاكتراث بمواقفهم. إن هذا الحل لا يحقق طموح السكان ولا يضمن الأمن والسلام في إنحاء البلاد ، وليس من شأنه وقف المؤامرات الامبريالية" . وتواصل "الاتحاد": "إن صداقتنا مع الاتحاد السوفييتي..لا تعني أننا نأتمر بسياسته الخارجية. فنحن الذين نقرر سياستنا على أساس وضع قضيتنا وأهداف شعبنا التحررية العادلة" . وأنهت "الإتحاد": " علينا ان نعمل على توحيد صفوف الحركة الوطنية من أجل النضال ضد التقسيم ومن أجل إلغاء الانتداب البريطاني وجلاء العساكر الأجنبية وتحقيق استقلال البلاد".
وإذا كان موقف الشيوعيين المبدئي والصحيح يرفض التقسيم بهذه الحدة، فكيف يمكن تفسير قبولهم لاحقا بقرار التقسيم واعتباره الخيار المناسب؟



بين رفض التقسيم مبدئيا وقبول قرار الجمعية العمومية!
جاء قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 29 نوفمبر1947 بالحل على أساس تقسيم فلسطين ، ليطرح معادلات معقدة أمام الشيوعيين اليهود والعرب ، وجاء ليطرح خيارات قاسية أمام الشعب العربي الفلسطيني. وأبرز قرار الأمم المتحدة أن توازن القوى على الصعيد المحلي الفلسطيني، وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي كان مواتيا لقيام دولة إسرائيل أكثر مما كان مواتيا لطموحات الشعب الفلسطيني ، في ظل مؤامرة شاركت فيها القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية لمنع الشعب الفلسطيني من إقامة دولته ، والقضاء على حقوقه القومية. وأصبحت المهمة الوطنية والديمقراطية الأساسية في هذه المرحلة إنقاذ حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ولو جزئيا ، وتخليص هذا الحق من براثن المتآمرين. فالخيارات المطروحة لم تعد بين بديل الدولة الديمقراطية العلمانية لجميع سكان البلاد حسب برنامج عصبة التحرر الوطني ، وبين التقسيم ، كما أن الخيارات لم تعد بين بديل الدولة الديمقراطية ثنائية القومية ، كما طرح الحزب الشيوعي الفلسطيني، وبين التقسيم . فالبدائل التي لاحت في أفق فلسطين هي الخيار بين تقسيم فلسطين الى دولتين يهودية وعربية ، وبين نكبة الشعب الفلسطيني.
لقد تحمل الشيوعيون مسؤولية تاريخية عندما قبلوا قرار التقسيم (عصبة التحرر الوطني وافقت على القرار فقط في شباط 1948)، لأنه كان الفرصة الوحيدة لانقاذ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وليس لانه خيار جيد. أما الأوهام التي علقها الآخرون على الفرج العربي فقد قادت الشعب الفلسطيني الى مهاوي الاقتلاع والتشريد والنكبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تقسيم 47
فؤاد النمري ( 2011 / 12 / 5 - 06:45 )
ليس لدي أدنى شك في أن فلسطين كانت ستكون اليوم كلها عربية لو أن العرب وافقوا على التقسيم
الرجعية العربية تقوم بطمس مندرجات القرار لأنه يفضحها كمتآمرة على الشعب الفلسطيني
جملة الكتاب العرب العنصريين يتحججون بأن اليهود وافقوا على التقسم شكلاً وكانوا سيرفضونه لو وافق العرب علية ـ هكذا يحاكمون النوايا ـ وفي مثل هذا القول اعتراف بأن القرار كان لصالح العرب لكن العرب أساؤوا التصرف ورفضوه

ولماذا لم يقبله العرب كي يثبتوا أن اليهود كذبة ومنافقون !!!؟
الحماهير العربية لا تعرف أن قرار التقسيم أعطى اليهود صحراء النقب (بهدف إحيائها) و 3% فقط من فلسطين الحية

اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب