الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يعقوب شعبان.. في مقهى الزهاوي

وديع العبيدي

2011 / 12 / 4
سيرة ذاتية


يعقوب شعبان.. في مقهى الزهاوي
وجه بيضوي طولي، أسمر اللون، تقطعه نظارة طبية سوداء. كان اللون الأسود هو المفضل لدى ذلك الجيل دلالة على الهيبة والوقار. له شارب أسود يكاد يغطي شفته العليا. ملامح وجهه واضحة ودقيقة. غالبا ما يكون معه كتاب يقرأ فيه، وقد يكون من الكتب التي تتداولها المجموعة لمناقشة فكرة أو نص ورد فيه، وبين حين وآخر، يرفع رأسه معلقا أو مشيرا إلى فقرة معينة. من أكثر المقربين للأستاذ محمد حسين فرج الله لما بينهما من انسجام فكري ونفسي.
الأستاذ يعقوب شعبان، مدرس اللغة العربية، والشاعر الذي يعتبر نفسه (ناظما)*، ضخم الجثة طويل القامة يكاد يضاهي الدكتور محمد عزة العبيدي فيها (1.8م)، قوي البنية، صحيح الجسم. وهو خفيف الظل سريع النكتة، ميال للدعابة، يكاد يقود كلّ واردة أو شاردة إلى نكتة أو مناسبة للترفيه. كان أحد أعمدة أو أركان المجموعة الزهاوية الثقافية، على الدوام. ومعظم ملاحظاتي هذه صيفية المناخ، حيث يسمح طول النهار بفرصة الحركة، ويدفع قيظ الظهيرة للاحتماء بظلال المقهى. له طبقتان في صوته، فقد يهمس مع جاره دون أن يبدو أنه يقول شيئا، وقد يجهر حينا آخر، فيضحك الجميع لدعابته. يتحدث اللهجة البغدادية الشائعة، دون أن تختفي لكنته الأصلية في كلمة أو تعبير ما، يكشف عن أصوله الجغرافية والثقافية. وكما تتكشف لكنة (نجفية) في لغة الاستاذ محمد حسين فرج الله، أو لكنة كردية في لغة الاستاذ مكي عزيز، أو لكنة موصلية في لغة الدكتور محمد عزة العبيدي، تتكشف اللكنة الفلسطينية في لغة الأستاذ يعقوب شعبان، المقيم في بغداد منذ 1948، ويشكل جزء من حياتها وحركتها اليومية.
وللأستاذ الأديب يعقوب شعبان شعر منشور ومقالات في الصحافة الأدبية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وأعتقد أن له كتابين شعريين صادرين، ولا بدّ أن له آثارا أدبية غير منشورة، حال كثير من رموزنا الثقافية في ظل معاناة ظروف النشر غير المناسبة، بانتظار من يسخره القدر لجمع آثاره ونشرها لخدمة عقل الأمة.
من مستلزمات الحياة العامة في مثل تلك الظروف، والتي لا تبدو غريبة في قراءات تاريخ العراق الاجتماعي والسياسي، وجود شخص له قابلية ذهنية/ نفسية مميزة على توجيه أي حديث أو فكرة وتطويعها لتوخي السلامة والأمان، وذلك عند اقتراب الكلام من موضع الخطورة أو وجود إذان لها حساسية سياسية أو دينية سادية. وكان الأستاذ يعقوب، في جلسته التي تتوسط المجموعة غالبا، صمام الأمام الدائم، في تلك الجلسات. وقد يحصل أحيانا، عندما تكون لأحدهم فكرة أو ملاحظة معينة حساسة من جهة ما، أن يطلب أليه، وهو الاستاذ فرج الله عادة، عميد المجلس، الانتظار في طرح الموضوع ريثما يحضر الأستاذ يعقوب لكي يحكم في الأمر، وكلمة الحكم هنا، بمعنى توخي السلامة. وفي أحيان قليلة عند وجودي بينهم، كان عليّ أن أقوم بذلك الدور، كما سبقت الاشارة لذلك، مع الدكتور محمد عزة العبيدي.
عند تقسيم الفئات العمرية لرواد مقهى الزهاوي حيث يشكل مواليد العقدين الأولين من القرن العشرين رأس السلسة، يشكل مواليد الثلاثينيات والأربعينيات فئة متوسطة (شبابية بالنسبة للفئة الأولى)، وهي متوسطة كذلك لفئة الأحدث سنا، مثلي. يومها كانت الفئة المتوسطة على شفا التقاعد أو تكاد، أكثر تفهما للأجيال السابقة لها، وأكثر مقدرة على التكيف ومسايرة الظرف الراهن. جيل الرواد لم يكن في قلب الأحداث، ولا الداينمو المحرك لها، وانما مثلوا (خبرة الشيوخ) المخضرمة المستمرة في مراقبة تصرفات الأحداث، الأكثر تنكرا لمن سبقهم.
يلحظ كذلك أن مجموعة الزهاوي الرائدة، احتفظت بنقاء النسيج الاجتماعي العراقي لبدايات القرن العشرين التأسيسية، شديدة الاتصال والانتماء لنفسها رغم تعددية الجغرافيا، وقد اتخذت من الثقافة والفكر ووحدة المكان (الزهاويّ) قاعدة للحياة والعطاء القائمة على المحبة والعطاء والمساواة. والحقيقة الواضحة أن أيا من أولئك لم يكن يحب أن يوصف بغير صفة (البغدادية)، ويرفض أي نعرة (أصولية) تحت أي عنوان، وكأن لسان حال كل منهم يقول..
ان الفتى من قال ها أنذا ليس الفتى من قال كان أبي
*
لندن
في الرابع من ديسمبر 2011
ـــــــــــــــــــــــــ
• تعبير (ينظم الشعر) يستخدم في الوسط الأدبي العراقي وله دالتان بحسب طريقة استخدامه والعلاقة بين القائل والمقصود به، فعندما يصف الشخص نفسه به، فهو دالة على التواضع والاحترام الكبير للمقابل، وهي صفة محمودة. وعندما يستخدمه شخص لوصف شخص (ثالث) فهو من باب التحقير والازدراء، وهي صفة مذمومة. وقد تلاشى هذا التعبير عند الأجيال الأدبية الأحدث سنا، حيث استسهلوا وصف أنفسهم بالألقاب الأدبية، مع نزعة غير خافية من غرور وادعاء. وهو ما استتبع شيوع تعبير آخر لدى المنتقدين مثل وصف (شويعر/ شويعرة). وربما ارتبط تعبير (ناظم) بنظام القصيدة العروضية القائمة على الوزن والقافية، وتلاشت مع تخفف الشاعر الحديث منهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?غرب وا?طرف الخناقات بين ا?شهر الكوبلز على السوشيال ميديا


.. عاجل | غارات إسرائيلية جديدة بالقرب من مطار رفيق الحريري الد




.. نقل جريحتين من موقع الهجوم على المحطة المركزية في بئر السبع


.. سياق | الانقسام السياسي الإسرائيلي بعد حرب 7 أكتوبر




.. تونس.. بدء التصويت لاختيار رئيس الدولة