الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو بناء رأسمالية جديدة أساسها اقتصاد المعرفة في سوريا

محمود محفوري

2004 / 12 / 24
الادارة و الاقتصاد


الرأسماليون الجدد هم العاملون المعرفيون الذين يعملون في حقل المعرفة والذين أصبحوا في العقد الأخير من القرن العشرين عصب الشركات ورأسمالها الحقيقي. فقد حدث تحول كبير في المفاهيم منذ منتصف القرن العشرين عندما كانت الآلة مصنع الثروة والخيرات لتصبح المعارف من ادراك وخبرات وابداعات هي من يصنع الثروة والخيرات. لقد أخذت المعرفة (knowledge) تشغل المكان الأهم بين أصول الشركات والمؤسسات العالمية، وأصبحت مورد أساسي لنشوء الثروة وتراكمها وأضحت أهم الميزات التنافسية في السوق. اننا نشهد نشوء اقتصاد جديد اسمه اقتصاد المعرفة يقدم حوالي 97% من النمو في التشغيل في السنوات العشر الأخيرة. فالثروة تتولد اليوم بشكل رئيس من قيمة الأفكار الجديدة للعاملين.
يقوم الاقتصاد التقليدي - كما هو معروف - على الأرض والعمل ورأس المال وهي العوامل التي تولد الثروة والنقود. في حين تمثل المعرفة في الاقتصاد القائم على المعرفة أهم عوامل الانتاج وأكثرها قدرة على توليد الثروة. ففي حين يخضع رأس المال المادي لقانون تناقص العائد او المردود، فان رأس المال المعرفي يخضع لقانون تزايد العائد او المردود وهذا فرق جوهري في صالح اقتصاد المعرفة مقابل الرأس مال التقليدي.
الاستثمار في المعرفة استثمار تدعمه شواهد كثيرة من التجربة العالمية. هاهي شركات هائلة من نوكيا واريكسون الى سيمنز ومايكروسوفت وسوني وانتل و غيرها تتوزع على دول مختلفة بحجمها السكاني وبمواردها الطبيعية من بضع ملايين من السكان الى مئات الملايين. في كل هذه الشركات تمثل المعرفة الرأس مال الفعلي والاصول الحقيقية. فعندما سئل عالم الاقتصاد المستقبلي دراكر عن الألفية الثالثة أشار الى أن أهم ميزة تنافسية للدول المتقدمة هي استيراد العمال المعرفيين ولم يركز على الجانب النوعي للعاملين لأن العاملين المعرفيين الذين يعملون في صناعة الالكترونيات والبرمجيات في تلك الدول المتقدمة لا يتميزون الا بمقدار ضئيل من المعرفة عن نظرائهم في العديد من الدول النامية. فالتميز يكون في الجانب الكمي في الدول المتقدمة على الدول النامية. فالدول المتقدمة تتفوق بشكل كبير في عدد طلاب الجامعات والمعاهد المتوسطة أو كليات المجتمع. فمثلا حين يصل نسبة الطلاب الجامعيين في الولايات المتحدة الأمريكية الى 5% من العدد الكلي للسكان (أي حوالي 12.5 مليون طالب) - نسبة لم تكن أقل من ذلك بكثير على مدى نصف قرن من الزمن - ، فان عدد الطلاب الجامعيين حاليا في سوريا لا يتجاوز ما نسبته 1% وهذه النسبة لا تمتد على مدى نصف قرن من الزمن حيث كان عددهم يمثل نسبة ضئيلة جدا من عدد السكان. وينطبق هذا الأمر على جميع الدول النامية مع الأخذ بعين الأعتبار كذلك توزعهم على الاختصاصات المختلفة العلمية والهندسية والأدبية والدينية وغير ذلك.
لقد نشأت في حقل المعرفة فئة من العاملين لديها قدرة علمية تخصصية عالية في علوم الفيزياء والبيولوجيا والرياضيات والكومبيوتر. وقد أصبحت مساهمتهم كبيرة جدا في اقتصاد مؤسساتهم ونتيجة لذلك حصلت هذه الفئة على مردود مادي شخصي كبير جدا وقد أخذ يطلق عليهم اسم الرأسماليون الجدد بسبب ما يحصلون عليه من مرتبات عالية في الاقتصاد الجديد القائم على المعرفة. هذا الرأس مال يمكن أن يفاخر به أصحابه وأوطانهم على حد السواء بخلاف الرأس مال القذر الذي تولد من الفساد والعمليات غير المشروعة من خلف ظهر الشعوب التي قام بها أصحابه دون أن يكون بمقدورهم أن يفاخروا به لا هم ولا أوطانهم بل سيبقى أصحابه قليقين من يوم قد يأتي ليسألوا فيه عن أموال لا يظهروها بل تظهرها الحسابات الدقيقة التي لا تبقي مستور.
يمتاز العاملون المعرفيون بعمل عالي المهارة وكثيف الفكر والتخصص ويتميزون بمقدرة كبيرة على الابتكار والتكيف والادارة والتنظيم والتسويق وايجاد التغييرات الضرورية باستمرار. وقد أصبح أفراد هذه الفئة أهم أصول الشركات التي يعملون فيها وقد وضعت كل الامكانات تحت تصرفهم وفي خدمتهم كي يستمروا في الابتكار والتطوير. لقد كتب هربرت مركوزي منذ أواخر الستينيات من القرن المنصرم عن النخبة العظيمة قليلة العدد التي تبدع وتبتكر والتي يجب يقدم لها كل شيء كي تستمر في عملها لكي يستفيد الجميع من ابداعها. وقد أثار في حينه لغطا كبير بين المفكرين اليساريين رغم أنه من بين صفوفهم بين مؤيد ومستنكر لهذه الطروحات الرائدة والتي استشرفت المستقبل بنظرة ثاقبة متنبئة.
على الشعب في سوريا أن يقتدي بتجربة دول وشعوب صغيرة مواردها الطبيعية والبشرية قليلة، تلك الموارد المتاحة بشكل مقبول في بلادنا والحمد لله، ويستثمر في تأهيل الأجيال استثمارا معرفيا ليشكل مصدرا للثروة والرخاء مستفيدين من الموارد البشرية المتوفرة وبنوعية جيدة ومستفيدين كذلك من خصائص شعبنا في حب العلم والعمل والاجتهاد كي نبني نهضة تضمن لأبناء الوطن ولأجياله القادمة حياة حرة، كريمة، آمنة، ومستقرة.
ان نهضة من هذا النوع لا تقوم الا على أساس بناء دولة حديثة بكل المعايير الدستورية والقانونية والتشريعية والادارية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية. دولة القانون التي تتحقق فيها الحقوق الطبيعية للأفراد والجماعات وتسودها الممارسة الديمقراطية التعددية حيث لا معيار لتققيم الأفراد سوى معيار المواطنة والكفاءة والأخلاص في العمل والانتاج بعيدا عن التمييز على أساس الانتماء لحزب او دين أو عرق وحيث الجميع متساوون أمام القانون. فلنعمل جميعا من أجل نهضة بلادنا ومستقبل شعبنا بكل ما أوتينا من امكانات.
د . محمود محفوري : رئيس المكتب السياسي في حزب النهضة الوطني الديمقراطي في سوريا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء: الحكومة الفلسطينية الجديدة تواجه أزمة اقتصادية متراكم


.. ما تداعيات تهديد بايدن بوقف صادرات الأسلحة إلى إسرائيل على ع




.. الحرب على قطاع غزة تدفع إسرائيل لزيادة الضرائب على مواطنيها


.. «فريزونر» تنظم مؤتمر -الاستثمار في المثلث الذهبي- لمناقشة فر




.. العالم الليلة | استطلاعات الرأي: الاقتصاد وليس حرب غزة يتصدر